بعد 470 يوماً من الدمار والخراب والإبادة الجماعية والتشريد والنزوح، تم وقف إطلاق النار فى غزة، شهور عصيبة عاشها الفلسطينيون فى القطاع، ذاقوا خلالها كل صنوف المعاناة من الجوع والمرض والحرارة الشديدة والبرد القارص، ونقص المياه والأدوات الطبية وتدمير البنية التحتية، وارتقاء ما يقرب من 50 ألف شهيد وأعداد كبيرة من المفقودين، وعائلات باكملها تم محوها من السجلات، وأكثر من 110 آلاف مصاب.
استخدمت إسرائيل كل وسائل الانتقام البعيدة عن الأخلاق والإنسانية، بالقوة الغاشمة والآليات العسكرية والأسلحة المتطورة المدعومة من أمريكا والكثير من الدول اجتمعت على هدف تدمير غزة.
النتن ياهو الذى خسر كل الرهانات، كان يتوهم أنه بإمكانه استعادة الرهائن بالقوة، وحاول إطالة أمد الحرب أملا فى تحقيق الهدف الذى زعم أنه سيحوله إلى بطل ويجعله يفلت من العقوبات التى تنتظره داخل وخارج إسرائيل، وأجهزة استخبارات الموساد وأمريكا وأوروبا المتحالفة مع الكيان الصهيوني، بكل وسائلها المتطورة وعملائها وإمكاناتها، لم تستطع معرفة مكان المحتجزين ولا تحرير أى منهم.
وخسر النتن ياهو رهان محاولة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو إلى أى مكان، ويرجع الفضل فى ذلك إلى مصر وموقفها المشرف حيث وقفت له بالمرصاد منذ البداية ولم تبد أى لين أو هوادة أمام هذا الطرح واستطاعت أن تجهض هذا الحلم العبري، ونجحت فى كسب التأييد الدولى ضده.
وفى خسارة سلبية أخرى للنتن ياهو، فإن الفلسطينيين كسبوا المزيد من الدعم الأممى والدولى بحقهم فى إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وإدانات واسعة من هنا وهناك، وتعاطفاً لم يكن موجودا، واستكشاف الوحشية الصهيونية.
الحروب دائما تنتهى بمنتصر ومهزوم، ولست هنا بصدد الحكم على نتيجة الحرب فى غزة، لكن فى أى حرب لا يخرج أى من طرفيها سالما دون خسائر بشكل أو بآخر، ومن وجهة نظر نتنياهو، فإن إسرائيل غيرت وجه الشرق الأوسط، وأن حركة حماس أصبحت معزولة، «دمرنا أسلحة حزب الله، قضينا على السنوار ونصر الله وضربنا أسلحة الجيش السورى والمحور الإيرانى وعمليات ضد الحوثى وداخل إيران.
لكن غير المطمئن، أنه يلوح بأن «وقف إطلاق النار مؤقت.. وإذا أجبرنا على استئناف الحرب، فسنفعل ذلك بقوة»، ويتباهى بأن الاتفاق تم التوصل إليه نتيجة للتعاون مع إدارة جو بايدن ودونالد ترمب، اللذين قدما لإسرائيل دعماً كاملاً لاستئناف القتال إذا شعرت بأن المفاوضات غير مجدية، مدعيا أن حماس قبلت بما لم تقبل به فى السابق بسبب الضغط العسكري، بينما ترى الحركة العكس وأن النتن ياهو هو الذى خضع وقبل شروطا كان يرفضها واعترف بفشل آلته العسكرية.
وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلى عن أن نتنياهو والوزراء بكوا بحرقة لحظة الموافقة على اتفاق إنهاء الحرب، ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن رئيس الشاباك رونين بار قوله إن الصفقة لا مفر منها ومن المستحيل تحرير جميع المحتجزين فى هذه المرحلة.
واستقال وزير الأمن القومى الإسرائيلى المتطرف إيتمار بن غفير من الائتلاف الحاكم احتجاجاً على وقف النار ووصفه بأنه «مشين»، وبمثابة «استسلام لحماس والتخلى عن إنجازات الجيش»، وهدد وزير المالية الإسرائيلى المتشدد بتسلئيل سموتريتش بأنه سيُسقط الحكومة إذا لم تعد للقتال بطريقة تسمح بالسيطرة الكاملة على قطاع غزة.
على أى حال فإن الحقائق صادمة عن الوضع فى غزة من حجم الدمار الذى خلفته الحرب بعد 15 شهراً دامية، ويقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن الحرب دمرت الاقتصاد الفلسطينى وانخفض الناتج المحلى 35٪ وانهارت التنمية إلى ما كانت عليه فى خمسينيات القرن الماضي، واقترب مستوى الفقر من 100٪ والبطالة 80٪، وتُقدر كمية الركام الناتجة بنحو 42 مليون طن، بما يعادل خطًا من الشاحنات من غزة إلى آخر نقطة فى أمريكا، وتبلغ تكلفة نقله 700 مليون دولار، وتتطلب سنوات طويلة، وتحتاج إعادة الإعمار إلى 80 مليار دولار.
المهم أن يتوقف نزيف الدماء والدمار، وأتمنى ألا تبتدع إسرائيل أسبابا وهمية لاستئناف الحرب.