مشاعر مختلطة انتابت سكان قطاع غزة فى اليوم الثانى لوقف إطلاق النار، بين سعادة غامرة بانتهاء أسوأ حرب إبادة والنجاة منها، وقهر أثقل قلوبهم لفقدان الآلاف من الفلسطينيين والخراب الذى تحول له القطاع بعد أن كان سكنا آمنا لمواطنيه.
فور الإعلان عن وقف إطلاق النار بدأ الفلسطينيون بالعودة سعداء إلى ديارهم تاركين خيام النزوح التى لم تحمهم من نار القصف أو صقيع الشتاء، لكن لحظات الفرح سريعا ما تلاشت لدى الكثير منهم عندما عادوا إلى منازلهم ليجدوا حجم الدمار الذى لحق بها. فبرغم انتهاء الحرب، إلا أن الجروح التى خلفتها الحرب لا تزال مفتوحة فى نفوس المواطنين الذين لم يتوقعوا أن يجدوا أنفسهم أمام أنقاض لم تترك وراءها أى أثر لحياتهم السابقة.
ففى بلدة جباليا، التى تضم أكبر مخيم للاجئين شمالى غزة، كشفت الصور ومقاطع الفيديو التى شاركها السكان عن تحول أحياء بأكملها إلى أنقاض، تحتضن بين ركامها جثامين شهداء لم يتم استخراجها بعد. كان مخيم جباليا، الذى يؤوى أكثر من 250 ألف فلسطيني، مسرحا لأكبر وأعنف عملية عسكرية إسرائيلية خلال الحرب، حيث استشهد فيه حوالى 4 آلاف فلسطيني، وفقا لوزارة الصحة فى غزة. وأظهرت لقطات لوكالة أسوشيتد برس المنازل والمبانى وقد سويت بالأرض.
وفى مدينة خان يونس جنوبى القطاع، يقول العائدون إن الوضع «مروع» بعد أن عانت خان يونس من أشد الدمار بحسب الخبراء. ومع انهيار البنية التحتية، كان الوصول إلى بعض الأماكن المدمرة أمرًا صعبًا، إذ تسببت الأنقاض فى إعاقة الحركة والتواصل بين المناطق. كما أن هذا الدمار لا يقتصر على المبانى فقط، بل يشمل أيضًا الشوارع التى أصبحت غير صالحة للاستخدام، فضلاً عن الآثار البيئية المدمرة التى تركتها الحرب.
كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» أمس عن أن 92٪ من المنازل فى قطاع غزة، أى نحو 436 ألف منزل، دُمرت أو تضررت جراء العدوان الإسرائيلي، فيما نزح 90٪ من الفلسطينيين عن منازلهم.
وقال ممثل منظمة الصحة العالمية فى فلسطين الدكتور ريك بيبركورن، إن «إعلان وقف إطلاق النار يبعث الأمل، لكن التحدى الذى ينتظرنا مذهل»، وأضاف «ستكون معالجة الاحتياجات الهائلة واستعادة النظام الصحى مهمة معقدة وصعبة، بالنظر إلى حجم وتعقيد العمليات والقيود المترتبة عليها».
كانت بلدية مدينة غزة قد أشارت أمس إلى أن أكثر من 70 ٪ من الطرق دمرت بالكامل، موضحة أن أولويات المرحلة الأولى إعادة الحياة إلى المدينة وتأمين الخدمات وإعادة فتح الشوارع. ودعت المنظمات الدولية ذات الاختصاص إلى التعاون وتقديم الخدمات والأدوات، مؤكدة أنها قدمت قائمة بالاحتياجات إلى المنظمات الدولية لمساعدتنا.
وأشارت الى أن المياه مقطوعة عن نحو 60٪ من سكان مدينة غزة. وأكدت أن إجراءات الإنقاذ مرتبطة بدخول المساعدات الفنية وأدوات الصيانة. ودعت إلى السماح بإدخال كميات وفيرة من الوقود.
فى السياق، ذاته قال المتحدث الرسمى باسم المديرية العامة للدفاع المدنى بقطاع غزة، إنه يقدر عدد الشهداء الذين تبخرت جثامينهم ولم يجدوا لها أثراً بنحو 2840 شهيداً، وذلك بفعل استخدام جيش الاحتلال أسلحة تنتج عنها درجات حرارة ما بين 7 و9 آلاف درجة مئوية تصهر كل ما هو فى مركز الانفجار.
وأضاف فى بيان صحفى حول واقع جهاز الدفاع المدنى بعد 470 يوماً من العدوان: فى انتظارنا مهام شاقة وصعبة تتمثل فى البحث عن جثامين أكثر من 10 آلاف شهيد ما زالت تحت أنقاض المنازل والمبانى والمنشآت المدمرة، غير مسجلة فى إحصائية الشهداء.
وحول الخسائر المادية والبشرية، قال إنه لحق بجهاز الدفاع المدنى خلال هذه الحرب خسائر مادية وبشرية كبيرة بفعل الاستهدافات الإسرائيلية، حيث استشهد 99 كادرا وأصيب 319 آخرون، بينهم العشرات بإعاقات مستدامة.
وأعلن الدفاع المدنى بغزة انه بعد أن أجبر جيش الاحتلال فى مايو الماضى طواقم الدفاع المدنى والخدمات الطبية العسكرية فى شمال قطاع غزة على ترك عملهم والنزوح إلى جنوب غزة، واحتجازه جميع مركباتهم بالقرب من مقبرة بيت لاهيا، نتفاجأ بتدميره كافة هذه المركبات وجعلها كومة من الحديد، متعمدا بذلك إفراغ شمال القطاع من خدمات الدفاع المدنى والخدمات الطبية.