لم يفرح العالم بحدث أو موقف أو اتفاق مثلما فرح العالم كله باتفاق وقف اطلاق النار فى غزة.. سكان المعمورة من اقصاها إلى أدناها غمرتهم السعادة بوقف حمامات الدم المراقة طوال 15 شهرا كاملة من العدوان، والذى أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، معظمهم من النساء والأطفال، فضلا عن حالة الدمار الكبير التى يشهدها القطاع إثر الهجمات الصاروخية المتواصلة والتى لم تتوقف على مدار اليوم طوال حقبة العدوان منذ السابع من اكتوبر قبل الماضي.. الاتفاق جاء بعد ماراثون طويل من المفاوضات الشاقة التى قادتها اطراف اقليمية ودولية فاعلة على رأسها مصر وقطر وأمريكا إلى جانب جهود كبيرة للاتحاد الأوروبى مع ترحيب ومساندة من جانب قوى عظمى مثل الصين وروسيا.. نعود إلى مشاعر السعادة التى ملأت القلوب فى انحاء العالم حيث تنفس الجميع الصعداء بالاعلان عن توقيع الاتفاق بشكل رسمى والذى يدخل حيز التنفيذ غدا الأحد ان شاء الله.. فى غزة عمت الزغاريد والأفراح وصيحة «الله أكبر» بعد التوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن فى قطاع غزة برعاية مصرية قطرية.. وفى تل أبيب، بات الميدان الذى لطالما شهد زحاماً للمتظاهرين المطالبين بإطلاق سراح الرهائن، فارغاً، وعمت الفرحة منازل الرهائن فى اسرائيل بعد اشهر طويلة من الانتظار والترقب والمماطلة من جانب نتنياهو وعصابة اليمين المتطرف الحاكمة.. وفى واشنطن قال الرئيس الأمريكى جو بايدن إن حماس وإسرائيل توصلتا لاتفاق لوقف إطلاق النار وسيتمكن الفلسطينيون من العودة إلى أحيائهم فى جميع مناطق غزة.. فيما أكد الرئيس المنتحب ترامب انه صاحب الفضل فى التوصل لهذا الاتفاق وانه لولا نجاحه فى الانتخابات ما كان للفرقاء فى غزة وتل ابيب توقيع اتفاق الهدنة.
وجاء الموقف المصرى سريعا وواضحا حيث رحب الرئيس عبدالفتاح السيسى بالاتفاق وقال: «أرحب بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة بعد جهود مضنية على مدار أكثر من عام بوساطة مصرية قطرية أمريكية».
وجدد الرئيس تأكيده من جديد على ضرورة انقاذ الملايين فى غزة من خلال توصيل المساعدات اللازمة وبشكل فورى من دون إبطاء وقال: «مع هذا الاتفاق، أؤكد على أهمية الإسراع فى إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة لأهل غزة، لمواجهة الوضع الإنسانى الكارثى الراهن، وذلك دون أى عراقيل، لحين تحقق السلام المستدام من خلال حل الدولتين، ولكى تنعم المنطقة بالاستقرار والأمن والتنمية فى عالم يتسع للجميع».
وأكد الرئيس على ثبات الموقف المصرى الداعم للحقوق الفلسطينية المشروعة وضرورة احلال ونشر السلام ووقف الحروب وعدم تصعيد الصراع العسكرى بالمنطقة.
العالم كله سعيد بالاتفاق الا نفر قليل من المتطرفين فى حكومة نتنياهو وعلى رأسهم اليمينى المتطرف إيتمار بن غفير الذى اعلن أنّه سيستقيل من الحكومة إذا أقرّت الاتفاق الذى توصّلت إليه مع حماس لوقف إطلاق النار فى غزة، لكن من دون أن يهدّد بالانسحاب من الائتلاف الحاكم.. وقال بن غفير: «إذا تمّت الموافقة على هذا الاتفاق غير المسئول وجرى تنفيذه، فإنّ حزب القوة اليهودية لن يكون بعد الآن جزءًا من الحكومة»، داعيًا من جهة ثانية إلى «وقف كامل» لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بهدف الضغط للإفراج عن المحتجزين فى القطاع.. ثم تحدث بن غفير بألم وحسرة ومرارة الطرف المهزوم قائلا: «صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس ستنهى كل الإنجازات التى حققناها».
وربما كلمات بن غفير حملت تحريضا واضحا لجيش الاحتلال الاسرائيلى بنقض الهدنة قبل بدء تنفيذها حيث استشهد أول أمس الخميس 73 فلسطينياً؛ بينهم 20 طفلاً، و25 امرأة ونحو 230 اصابة فى غارات شنها الطيران الحربى الإسرائيلى بعد إعلان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس».
ساعات قليلة ويدخل الاتفاق التاريخى حيز التنفيذ.. ستعود الحياة من جديد إلى غزة المنكوبة.. ستتوقف آلات القتل والتدمير عن العمل وسيحل السلام والامان بعد الحرب والدمار.. ستتدفق شاحنات المساعدات الغذائية والطبية على القطاع وسيحصل الأشقاء على احتياجاتهم الاساسية التى افتقدوها أشهرا طويلة عانوا خلالها من الجوع والعطش والحرمان.. سيعود ماتبقى من اطفال إلى احضان امهاتهم بعد طول تشرد وضياع وحرمان.. وستعود الحياة إلى المرافق الاساسية كالمستشفيات والمدارس ومحطات المياه والصرف الصحى والوقود.. سيعود الدفيء من جديد إلى القلوب المرتعشة التى ملأها الفزع والرعب والقلق طويلا.. واتمنى ان تبدأ مرحلة اعادة الاعمار سريعا حتى يعود الملايين إلى بيوتهم ويمارسون حياتهم العادية.. أما الشهداء الذين قضوا نحبهم دفاعا عن الارض والعرض والحقوق الضائعة فلن ننساهم ابدا.. ستظل أرواحهم الحية ترفرف فى سماء غزة بل وسماوات العالم اجمع حتى نحقق أهدافهم وغاياتهم النبيلة التى ضحوا بأرواحهم من أجلها.. وسيظل العالم الحر مطالبا باعادة حقوق الشعب الفلسطينى واقامة دولته المستقلة على الاراضى التى احتلتها اسرائيل فى نكسة يونيو 67 وعاصمتها القدس الشريف.. وحى يتحقق هذا الهدف الغالى سنظل نردد.. المجد للشهداء.. والنصر دائما لرجال المقاومة الشجعان.