إن الفكر المتطرف، أضحى اليوم (2025) أخطر من (الطلقة)، فهو يؤسس لجرائم لإرهابيين على شاكلة داعش وأخواتها ويقدم لهم البنية الشرعية التحتية والمدد الفقهى لكى يبرروا القتل والذبح للمخالفين سواء أكانوا أفراداً أو دولاً، واليـوم ومع عودتـه من بـوابة بعــض البــلاد العربيـة (بـ نيولوك جديد!) تحتاج مؤسساتنا الإسلامية الكبرى إلى أن تواجه فكر التطرف الدينى وفى طليعة هذه المؤسسات يأتى الأزهر الشريف، ذلك الرمز الإسلامى والوطنى الشامخ، وسنحاول فى هذا المقال أن نقترب من هذا الصرح الكبير فى محاولة متواضعة لإبراز الدور الذى كان، وإلى مباركة الأدوار الجادة الجديدة تجاه قضايا الأمة وشئونها، فماذا عن الأزهر اليوم؟ وماذا عن التحديات التى تواجهه؟
>>>
أولاً: وفى البداية يحدثنا التاريخ أن الأزهر الفاطمى الذى أنشأ فى العام (359هـ/970م) كانت تتجاور وتتحاور بداخله المدارس الفقهية المختلفة دونما عنف أو صراع أو تكفير كما هو حاصل اليوم، كان الفاطميون أصحاب المذهب الإسماعيلى الشيعى قد أنشئوا الأزهر للتبشير لمذهبهم ودولتهم ومع ذلك سمحوا للمذاهب السنية الأربعة (الشافعية ـ المالكية ـ الحنبلية ـ الحنفية) بالتواجد وبقوة ليس فحسب داخل الأزهر الشريف، بل لقد خصصوا لهم مسجد عمرو بن العاص وكان معقلاً لفقهاء أهل السنة والجماعة، والطريف أن الحكام الفاطميين جعلوه المسجد الرسمى لدولتهم رغم خلافهم المذهبى مع أصحابه فكان منبره هو المنبر الرسمى للخليفة الفاطمى فى صلوات الجمع فى شهر رمضان وفى العيدين وفى عهد هذه الدولة استقبل الأزهر، وبرحابة صدر إسلامية واسعة، رموزاً من فقهاء وعلماء أهل السنة الكبار أمثال (أبو حامد الغزالي) الذى هرب من بطش السلطة العباسية ولجأ إلى مصر دون أن يغير أفكاره ومبادئه ودعوته بل وحتى دونما إسقاطه لخلافاته الكبرى مع المذهب الشيعي، وفى عهد هذا الأزهر الفاطمى وحكامه استقبلت مصر العالم الكبير أبو الحسن بن الهيثم الذى لقب لاحقاً بآينشتاين العرب.
كان ذلك فى الأزهر الفاطمى وحوله قبل أكثر من 900 عام ترى أين نحن من هذه الرحابة والسماحة الإسلامية التى أُسس عليها الأزهر وصار رمزاً ومنارة إشعاع فكرى وأداة لتوحيد الأمة قيماً ومذاهب وفرقاً!!
>>>
ثانياً: هذا الأزهر المتجاوز للفتن والصراعات والجامع لأصحاب المذاهب، كان أيضاً قائداً لثورات مصر ضد الاحتلال الأجنبي، (انظر ثورات مصر الأولى والثانية ضد الحملة الفرنسية مع بداية القرن التاسع عشر ثم مواقف الأزهر الرائدة ضد الاحتلال الإنجليزي) وصولاً إلى دوره التقريبى المهم بين المذاهب فى الأربعينيات على يد الشيخ عبدالمجيد سليم.. وإنشائه لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية، ثم الشيخ العلامة محمود شلتوت وفتاويه المهمة والمؤكدة لوحدة الأمة.. ثم دور الأزهر فى حروب مصر إبان عهد عبدالناصر (1956 ـ 1967) وصولاً إلى حرب ا لانتصار فى أكتوبر 1973 وما تلاها، هذا هو الأزهر العظيم.
❊ إن أخطر ما يهدد مؤسساتنا الدينية الكبرى اليوم هو الاختراق الفكرى الداعشى الجديد وفى هذا خطر عظيم، لماذا؟ لأن هذا الفكر المتطرف هو الذى تستند إليه داعش وأخواتها التى أدمت الأمة.. وأدمت معها الإسلام ولازالت موجودة ولازالت خلاياها النائمة موجودة بيننا وفى كل بلادنا العربية والإسلامية ولازالت تنسى فلسطين وغزة تماماً!!، ويحدثنا تاريخ الأزهر أن هذا الفكر سبق وحذر منه عشرات من علماء الأزهر الكبار ومنهم العلامة الشيخ محمد الغزالى (عليه رحمة الله) وأسماه بـ(فقه البداوة) الذى ينشغل بطول اللحية وتقصير الثوب والسواك وتكفير الناس ونقاب المرأة بدلاً من انشغاله بقضايا الدين والناس وبدلاً من انشغاله بحرمة وجود قوات الاحتلال الاجنبى وحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 2023 وحتى اليوم!!.
>>>
إن هذا الفكر هو الذى أوصلنا إلى مذابح ليبيا والعراق وسوريا المذهبية وإلى طائفية لبنان المميتة، وإلى تكفير الدول والحكام بعد أن شبع من تكفير الواقع المعاش وأهله ومذاهبه بما فيها مذهب أهل السنة والجماعة وليس الشيعة فقط، إن هذا الفكر يحاول الآن.. أن يخترق مؤسساتنا الاسلامية الكبرى بسبب فتنة ثراء بعض الدول وبسبب الجهل بجوهر الاسلام ورسالته وهو فكر داعشى يمثل أحد الأسباب الكبرى فى تعطيل رسالة مؤسساتنا الدينية وعدم استعادتها لدورها التاريخى المهم، وإذا أردنا أن نعيد – مثلا – للأزهر وباقى المؤسسات العربية الدينية.. مجدها فلنواجه وبقوة هذا الاختراق الفكرى والمالى والسياسى للفكر المتطرف قبل أن يستفحل ويبعد عن دوره ورسالته القومية والإسلامية.
>>>
ثالثاً: إن الأزهر يمثل لدى المسلمين فى العالم وكما قال لنا يوماً أحد علمائه الكبار ووفقاً لنص كلماته (إذا كانت الكعبة فى مكة تمثل للأمة الإسلامية رمزاً للتوحيد ورمزاً للإسلام فإن الأزهر هو كعبة العلم والعلماء) انطلاقاً من هذا المعنى المعبر ندعو مع قادة الازهر الشريف إلى حركة إحياء تعليمى ودينى وثقافى وسياسى داخل الأزهر الجامع والجامعة، وهى حركة نؤكد أن شيخ الأزهر يقوم بها وأن باقى أركان مؤسسته العظيمة يقومون به.. ولكنهم يحتاجون الدعم والمساندة المستمرة لمواجهة فكر التخلف والتطرف الداعشي.
> إن الأزهر الذى نطالب به هو الأزهر (القائد) لا (المقود) الأزهر الرافض للانغلاق المقاوم للاختراق الأجنبى ولفتنة الغلو والتطرف التى هدمها جيشنا وشرطتنا المصرية العظيمة.. بأرواحهم.. لعن الله من أيقظها فى مصرنا الحبيبة!!.
❊ وعلى المستوى العربي.. فإن كافة مؤسسات الدعوة والدين بحاجة إلى مبادرة وعنفوان تجاه قضايا الأمة الرئيسية وفى مقدمتها مواجهة الفكر الداعشي؛ بالفعل وليس بالقول والفتوى فحسب، بعد رياح الخماسين القادمة به فى (نيولوك جديد فى المنطقة جوهره إرهابى وظاهره ديمقراطي!!) ومواجهة هذا الفكر أضحت ضرورة قبل أن نكتشف بعد طول زمن أن (تنظيم داعش وأخواته من الإخوان والقاعدة) قد عاد مجدداً، وهو الآن يعود بخلاياه المتسلفة والمدعية للدين ونحن نيام، قد عاد بفكره وربما بأشخاصه، إنها معركة المستقبل والدين الحق فلا ينبغى لنا إلا أن نواجه.. وسننتصر!