علمنا رسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه كل الآداب الفاضلة، والأخلاقيات الراقية، والسلوك المتحضر الذى يرقى بكل عباداتنا، ويقربنا من خالقنا– عز وجل– فى كل وقت؛ خاصة فى الأيام المباركة التى فضلها الله على باقى أيام السنة وفى مقدمتها أيام وليالى شهر رمضان الفضيل.
فما الذى أرشدنا إليه وغرسه– صلى الله عليه وسلم– فى نفوسنا ونحن نؤدى عبادة الصوم؟ وما الذى أوصانا به لكى تتحقق لنا الطمأنينة والرضا ونحظى بعفو الخالق ورحمته سبحانه ونجنى ثمار الصوم المقبول؟ وما هى الآداب التى تضاعف من أجر وثواب الصوم والتى ينبغى أن يتحلى بها المسلم وهو يؤدى هذه الفريضة؟
خطب رسول الله– صلى الله عليه وسلم– فى آخر يوم من شعبان فقال: «يا أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا، من قرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يزداد رزق المؤمن فيه، من فطر صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل اجره من غير أن ينقص من اجره شيء، قالوا: يا رسول الله أليس كلنا لا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله– صلى الله عليه وسلم-: يعطى الله– عز وجل– هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء، أو مذقة لبن، وهذا شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فمن خفف عن مملوكه فيه غفر الله تعالى له، وأعتقه من النار، استكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم– عز وجل–، وخصلتين لا غنى لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم– عز وجل– فشهادة أن لا اله إلا الله، وان تستغفروه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله تعالى الجنة، وتعوذون به من النار، ومن سقى صائما سقاه الله تعالى من حوضى شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة».
>>>
من هذه الخطبة النبوية يوجهنا رسول الله– صلى الله عليه وسلم– الى أولى وصاياه فى رمضان وهى «الإخلاص فى العبادة» فالصوم سر بين العبد وربه لا يفيد فيه الرياء، ولا يمكن أن يتظاهر الإنسان بالصوم لأنه يختلى بنفسه كثيرا، ويستطيع أن يأكل ويشرب دون أن يراه أحد سوى خالقه، والإخلاص فى عبادة الصوم هو الذى يقود الإنسان إلى جنى ثمار الصوم وهى التى أشار إليها الحق سبحانه بقوله «لعلكم تتقون» فالصوم بإخلاص يقود صاحبه الى تقوى الله وهى أعظم ثمار العبادة والطاعة.
الوصية النبوية الثانية بعد الإخلاص فى العبادة فى رمضان سواء أكانت هذه العبادة صلاة أو صوم أو زكاة أو تدارس القرآن هى الالتزام بأخلاقيات العبادة فالعبادات تهذب سلوك الإنسان، والصائم الحق لا يعتدي، ولا يظلم، ولا يشتم، ولا يسب، ولا يشهد شهادة زور، ولا ينفعل ولا يشتد به الغضب..يقول صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه»، فالمسلم مطالب فى كل شهور العام، وفى شهر الصيام بصفة خاصة، أن يبتعد عن قول الزور، ويتجنب النفاق والخداع والكذب والغش، وان يجعل رسول الله– صلى الله عليه وسلم– قدوة له فى كل حركاته وسكناته، وأن يتحلى بالفضائل ومكارم الأخلاق، ومن توجيهات الرسول– صلى الله عليه وسلم– أيضا ما قاله فى حديثه الشريف: «فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنى امرؤ صائم»، فهذه هى موجبات سماحة الإسلام، وسماحة شهر رمضان بصفة خاصة.
>>>
رسول الله– صلى الله عليه وسلم– هو المثل الأعلى والأسوة الحسنة لنا فى كل وقت، فكل ما صدر عنه من توجيهات وسلوك قويم ينبغى أن نقتدى به ونتعلم منه، وقد ضرب– صلى الله عليه وسلم– أروع الأمثلة فى الصبر والجود والالتزام الأخلاقى فى رمضان، وكل سلوكياته وتوجيهاته تقدم لنا صورة أخلاقية رائعة خلال هذا الشهر الكريم.
لذلك، ينبغى علينا جميعا أن نتخذ من رسولنا العظيم القدوة والمثل فى السلوك الأخلاقى الراقى فى رمضان، حيث كان مثالا فى العبادات والطاعات، وكان يحث المسلمين كافة بأن يتخلقوا بأخلاق القرآن، وكانت سلوكياته متناسقة مع الحكمة من صيام رمضان، فيبتعد عن الخصام والشقاق وقطع صلة الأرحام، ويلزم نفسه الطريق المستقيم الذى ينتهى به إلى إرضاء الله– عز وجل–، وكل من يفعل ذلك طائعا مختارا يكون جزاؤه عند الله تعالى قبول صيامه، والحصول على ثوابه.