مشهد لم يفارق مخيلتى كلما جاءت سيرة الزعيم الراحل وقراره الشجاع بتأميم قناة السويس.. المشهد أدته الفنانة الراحلة أمينة رزق فى فيلم ناصر 65 باقتدار.. عندما أصرت على مقابلة عبدالناصر فى مكتبه بمنزله بمنشية البكرى وهى حاملة صرة بداخلها ملابس أحد أجدادها الذين شاركوا فى حفر القناة ومات ضحية الإهمال والسخرة.. المشهد كان معبراً بصوت الراحلة ذى الشجون وهى تحمله أمانة بإرجاع حق هؤلاء الفواعلية.. وكان المشهد رغم أنه الوحيد الذى ظهرت فيه الفنانة إلا أنه يحمل العديد من الرسائل وضعه المخرج كمدخل لما أقبل عليه عبدالناصر بقرار التأميم.
أقول ذلك بمناسبة الجدل الدائر حول إعادة تمثال ديليسيبس صاحب فكرة مشروع حفر قناة تصل بين البحرين الأحمر والأبيض والذى بدأ فى أبريل 9581 بفرمان من سـعيد باشـــا والى مصر آنــــذاك واســـــتغرق الحفــر 01 سنوات انتهت عام 9681 وتقديراً لهذا المهندس الفرنسى تم عمل تمثال له فى المدخل الشمالى للقناة واستمر عشرات العقود فى مكانه إلى أن تم نقله إلى متحف قناة السويس بالإسماعيلية نزولاً عن رغبة الأهالى الثائرين بعد الاعتداء الفرنسى البريطانى والإسرائيلى عام 6591 والذى سمى بالعدوان الثلاثي، ولأنه يعد بمثابة رمز الاستعمار وأيضا لأن الأهالى اعتبروا المقاول الفرنسى بحسب وصفهم سارق لفكرة القناة وأنه إحدى أذرع التدخل الأجنبى بشئون مصر، ووصل الأمر إلى القضاء الذى قرر تأجيل نظر الطعن على إعادة التمثال إلى مكانه القديم إلى جلسة 12 يناير الجارى للاطلاع على تقرير المفوضين.
رغم تباين الآراء حول إعادة التمثال الذى مازالت قاعدته موجودة فقد رأى المعارضون أن ديليسيبس يعد رمزاً للاستعمار ولا يجوز وضعه بمدخل القناة، بينما رأى الموافقون أنه – أى ديليسيبس – قدم خدمات لمصر وساهم فى إنشاء القناة التى تدر مليارات الدولارات لمصر سنويا.. فى حين نسى الجميع الأهم ألا وهو الفلاح المصرى الذى قام بحفر القناة معاوله مشمرا عن ساعديه لانجاز هذا الصرح الكبير الذى فيه الخير لمصرنا الحبيبة، ولكن للأسف لم يتم تقدير أعمالهم لأنهم كانوا يساقون بالقوة من القرى والنجوع بعشرات الآلاف بلغوا حوالى المليون إلى أماكن الحفر دون مراعاة ظروف البعض منهم وكانوا لا يتقاضون أجورا على ذلك وكان الوالى سعيد باشا لا ينظر فى أحوالهم المعيشية ولا الصحية ولا الاجتماعية وكان يتكتفى القائمون أو المشرفون عليهم بإطعامهم وإيوائهم فى خيام، الأمر الذى معه ساءت أحوال الكثير منهم وفقدوا حياتهم وكأنهم كالقطيع لدرجة أن أعداد المتوفين بلغت حوالى 021 ألفاً نتيجة الجوع والعطش والأوبئة والسخرة، وهذا الرقم مخيف وكبير مقارنة بأعداد المصريين الذين بلغوا أيامها حوالى 01 ملايين نسمة.
لذلك كان الأولى والأجدر أن يتم عمل تمثال للفلاح كرمز لحفر القناة ووضعه فى مدخل القناة بدلاً من ديليسيبس هذا.. فهو الذى حفر وهو الذى مات من أجل أولاده وأحفاده وليس هذا الفرنسى الذى هو أصلا سارق لفكرة شق القناة وليس مبتكرها والدليل أن فكرة القناة بدأت عام 8971 مع قدوم الحملة الفرنسية على مصر حيث فكر نابليون فى شقها إلا أنها لم تكلل بالنجاح لأسباب أهمها عدم ضمان احتلال مصر لفترة طويلة حيث كانت المقاومة شرسة من قبل المصريين ولأن عملية الحفر مكلفة للغاية وتحتاج إلى مئات الآلاف من العمال والفلاحين ناهيك عن المبالغ الطائلة، ولم يكن نابليون فقط هو الذى فكر بل سبقه من آلاف السنين المصريون أنفسهم فقد أجمع المؤرخون على أن الفرعون المصرى سنوسرت الثالث عام 4781 ق.م كان أول من فكر فى شق القناة بين البحرين إلا أنه عدل وأوصل القناة من السويس إلى النيل بالدلتا، وهذا لا يعنى أن ديليسيبس هو الأول فى ذلك وبالتالى فلا أحقية لوضعه كرمز وإنما الأحق هو الفلاح المصرى الذى لولاه ما تم إنشاء هذا المشروع وخروجه إلى النور.
أتمنى أن يعاد النظر فى أمر ديليسيبس وإنما التفكير فى عمل مسابقة بين كليات الفنون الجميلة لتصميم تمثال للفلاح لأنه هو الأساس ويتم وضعه فوق قاعدة التمثال واعتقد أن ذلك لن يتكلف الكثير من الأموال ليتم رد اعتبار أجدادنا من الفلاحين، وبالتالى يتم حسم هذا الجدل ليعاد الحق لأصحابه، وليبقى ديليسيبس فى المتحف بالإسماعيلية غير مأسوف عليه ولكى يرتاح الأهالى والمطالبون بتكريم أجدادنا جميعا.
أعتقد أن هذا الاقتراح أو هذه الرؤية سترضى كافة الأطراف وتنهى هذا الجدل وتمثل إرضاء للأهالى وهذا حقهم.. أتمنى وصول تلك الرؤية للمسئولين والنظر إليها بعين الاعتبار وبجدية.
>> وأخيراً:
> كل التحية والتقدير للفلاح المصري.. فلولاه ما كانت مصر سلة العالم الغذائية.
> أخيراً تم اختيار رئيس لبنان بعد مخاض استمر لأكثر من عامين.. قلبى مع جوزيف عون فالمسئولية ليست سهلة.
> وداعاً بايدن ـ أهلاً ترامب.
> المتحف الكبير يتأهب للافتتاح الرسمى فى احتفالية كبيرة عالمية.. جميعنا فى اشتياق لهذا الحدث التاريخي.
> نجوم هوليوود يبكون ذكريات التهمتها النيران فى ولاية كاليفورنيا.
> الريف على خريطة التنمية للانطلاق بمصرنا الحبيبة إلى الجمهورية الجديدة.
> وبرافو ـ المبادرة الرئاسية الأضخم للتطوير والذى سيشمل أيضا تأهيل الترع وحماية الجسور والآبار الجوفية بالطاقة الشمسية.