«عودة الكتاتيب» وتجديد الخطاب الديني.. كانا محور لقاء جمع الرئيس السيسى مع وزير الأوقاف د.أسامة الأزهري.. والحق أن الحديث عن الكتاتيب يعيدنا إلى زمن جميل مضى تعلمنا فيه أصول الكتابة والقراءة وحفظ القرآن على أيدى شيوخ أجلاء، ولم يتوقف الأمر عند حدود الأحرف والكلمات بل تجاوزه إلى غرس القيم والأخلاق فى نفوسنا فصارت نقشا على حجر.. أجيالنا تعلمت كل شيء من خلال الكتاتيب.. كنا نكتب على اللوح، أحرفًا وكلمات وآيات فتشبعت نفوسنا بحب آيات الله، ونشأنا أصحاء الفكر والذهن والعقيدة فأتقنا اللغة العربية بلسان قويم لا عوج فيه، وقدرة فطرية على التعبير استلهامًا لروح الآيات القرآنية التى تصنع المعجزات.. كما تعلمنا فى الكتاتيب كتابة الخط العربى الجميل الذى تفتقده للأسف أجيال اليوم الذين انشغلوا بالكى بورد عن القلم فلا يستطيع كثير منهم أن يحسن الكتابة بيديه على الورق ولا حتى الكتابة الإملائية الصحيحة وارجعوا لامتحانات الجامعات لتروا العجب العجاب.. وشتان بين أجيال تحصنت بالقرآن ولغته العظيمة وبين أجيال تغربت فى أحضان لغات اجنبية شتى بدعوى المدنية والتحضر فلم يزدادوا إلا انسحاقًا وانقيادًا واستسلامًا لحضارة مادية بائسة لا روح فيها ولا اخلاق بعد أن تخلوا عن لغتهم وهويتهم..!!
ومن يمن الطالع استهلال العام الجديد بالحديث عن «عودة الكتاتيب» فى مبادرة طيبة يتبناها الرئيس السيسى الذى وجه وزير الأوقاف د. أسامة الأزهرى بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة، والاستمرار فى برامج تدريبهم وتأهيلهم علمياً وثقافياً وفقاً لأحدث النظم والأساليب ذات الصلة، كما وجه بالدراسة الدقيقة لمبادرة عودة الكتاتيب وجدوى تطبيقها ومدى تأثيرها فى تنشئة الأجيال.
مبادرة عودة الكتاتيب تعيدنا إلى جلال الزمن الجميل، فالكتاتيب صروح تعليمية وتربوية ومنارة وسطية تبنى الوعى الدينى والقيم الاخلاقية النبيلة فى نفوس الصغار لينشأوا جيلا عفيا لديه مناعة قوية ضد محاولات التذويب والتغريب والاستعمار الثقافي..!
وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهرى يستحق الإشادة لحرصه على رعاية وإنجاح مبادرة «عودة الكتاتيب» لإعادة إحياء مشروع تحفيظ القرآن الكريم بالقرى المصرية من جديد ضمن المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان» ، والتى تعكس حرص وزارة الأوقاف على استعادة الدور الريادى للكتاتيب فى تنشئة الأجيال على قيم القرآن الكريم.
أما الكتاتيب فهى ليست مجرد أماكن لتحفيظ القرآن الكريم؛ بل هى صروح تعليمية وتربوية تزرع القيم النبيلة وتحفظ الهوية وتبنى الإنسان المصرى على الأخلاق الرفيعة والفهم العميق لمعانى الدين والانتماء الصادق للوطن وإحياء اللغة العربية السليمة فى نفوس الأجيال الجديدة باعتبارها لغة القرآن الكريم مما يحمى الأجيال القادمة من الإرهاب والإلحاد معاً.
ويبقى أن مشروع الكتاتيب يجسد التكامل بين العمل الوطنى الجماعى والجهود المجتمعية فى تحقيق أهداف بناء مجتمع قوى ومتماسك، ويبقى ضرورة اعتماد الوسائل التكنولوجية الحديثة فى تطوير منهجية الكتاتيب لتتماشى مع احتياجات العصر ومتطلباته، وذلك هو التجديد المنشود، فلكل عصر أدواته وتقنياته، ومواكبة المستجدات يعكس حيوية المجتمع وقوته وقدرته على استلهام روح الدين الذى جعله الله تعالى صالحا لكل زمان ومكان.. نتمنى عودة الكتاتيب العصرية بروح العصر وأدواته بالغة التطور لتملأ الفراغ وتعيدنا للتعليم الحق الذى يبنى الفكر والوجدان ويحفظ لهذا الوطن خصوصيته وتفرده وإشعاعه الحضاري.. وكل التحية والتقدير للجهود الهادفة لاستعادة روحنا الحضارية فقد تخرجت أجيال وأجيال من العباقرة بفضل التعلم فى الكتاتيب التى يمكنها خلق جيل جديد بهوية أصيلة قوامها اللغة والثقافة العربية الأصيلة التى نخسر كثيرًا إذا أهملناها وارتمينا فى أحضان غيرها بلا هدف ولا هدي.