هل يوجد إنسان فى هذه الحياة خال من الابتلاء أو محصن ضد البلايا والارزاء خاصة فى هذا العصر اللعين؟!
والإجابة بكل تأكيد لا.. فالجميع مبتلى وبدرجات متفاوتة.. وكلهم تحت الاختبار بلا استثناء الكبير الصغير الغنى الفقير المؤمن والكافر والمتأرجح والمتردد على حافة الهاوية والعابد الناسك والمتبتل والقديس ومن هو أقرب إلى الشيطان الرجيم.. كل له حظه وعلى قدر وسعه ومراد الله له..
ولما كانت درجات البلاء متفاوتة فى الشدة والقوة ما بين الشوكة يشاكها المرء وحتى أقسى وأقصى درجات الألم والعذاب النفسى والبدنى وغيره.
جاءت نظرة الناس لأنواع الابتلاءات متفاوتة فمنهم من يفهمها على حقيقتها ومراد الله منها وانها اختبار للعبد فى الحياة ومدى قوة إيمانه وهل هو اصيل فى النفس والقلب أم هو ادعاء وزيف ومباهاة واختيال..
من هنا كانت التفسيرات والتبريرات لكثير من الابتلاءات على أنها غضب من الله أو عقاب وانتقام على فعل ما أو تصرفات خارجة على الإطار العام من الأدب والأخلاق أو مخالفة لأمر الله ومعصيته.. مثل ما نسمعه عندما يتعرض أناس لأمراض خطيرة أو لحوادث مؤلمة فى تصادم السيارات أو وقوع حرائق أو حتى التعرض لكوارث طبيعية من زلازل وبراكين وأمطار وحرائق وغيرها.
المؤمن يرى الابتلاء رغم أنه محنة يراه منحة من الله وليس عقوبة ويأمل وينتظر الأجر والمثوبة ويرجو الله أن يعينه بالصبر عليها حتى يكون الابتلاء شفاء وطهورا.. وكان الصحابة يسألون النبى صلى الله عليه وسلم عن اصعب أنواع البلاء واشده حتى يستعدوا له..عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ.
وقيل إن من أصعب الابتلاءات التى يتعرض لها المسلم أن يؤخر الله له العقوبة على المعصية فى الآخرة.. ولهذا دعا سيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه أن يعجل الله له العقوبة فى الدنيا فأمره النبى أن يسأل الله العافية».
> والابتلاء كما يعرفه أهل اللغة وأصحاب المعاجم هو الاختبار والامتحان كما قال ابن منظور: بلوت الرجل بلوًا وبلاءً، وابتليته: اختبرته… والبلاء يكون فى الخير والشر، يقال: ابتليته بلاءً حسنًا وبلاءً سيئًا.
>> ولفظ »الابتلاء« بمشتقاته ورد فى القرآن الكريم فى ثمانية وثلاثين موضعاً جاء فى ثلاثين موضعاً بصيغة الفعل من ذلك قوله تعالي: »الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا« »الملك: 2«، وورد فى ثمانية مواضع بصيغة الاسم كقوله سبحانه فى حق بنى إسرائيل: (وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم) (البقرة:49).
ولفظ (الابتلاء) أكثر ما ورد فى القرآن الكريم بمعنى الاختبار والامتحان.. وورد بدرجة أقل بمعنى النعمة والمنحة وجاء فى بعض المواضع ما يحتمل المعنيين..
>> احصى العلماء عددا كبيرا من الحكم والمقاصد للابتلاءات منها:
إن إنزال البلاء لرفع درجات المؤمنين الصابرين الصادقين ولتمحيص وبيان الصادق من الكاذب وتكفيرًا لخطايا المؤمنين ومحوًا لسيئاتهم وعقوبة للكافرين والمنافقين ببعض ذنوبهم فى الدنيا وفيها ردع للعباد عن غفلتهم وإعراضهم عن ربهم..
>> قيل إن أفضل حصانة للثبات فى وجه أعاصير الابتلاء وزلازل الامتحان هي: التحقُّق بإيمان والتحلى بالصبر والاعتصام بالتوكل على الله سبحانه.قال بديع الزمان رحمه الله تعالي: «فالمؤمن يعتقد بما يقول؛ لذا يجد فى كل شيء بابًا ينفتح إلى خزائن الرحمة الإلهية، فيطرقه بالدعاء، ويرى أن كل شيء مسخَّر لأمر ربه، فيلتجئ إليه بالتضرع. ويتحصن أمام كل مصيبة مستندًا إلى التوكل فيمنحه إيمانُه هذا الأمانَ التام، والاطمئنان الكامل.
>> وقيل أيضا «من أهم وسائل العلاج عند البلاء أن يعلم أن حظه من المصيبة ما تحدثه له، فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط، فحظك منها ما أحدثته لك فاختَرْ خير الحظوظ أو شرها، فإن أحدثَتْ له سخطًا وكفرًا، كتب فى ديوان الهالكين، وإن أحدثت له جزعًا وتفريطًا فى ترك واجب، أو فى فعل محرم، كتب فى ديوان المفرطين، وإن أحدثت له شكاية وعدم صبر كتب فى ديوان المغبونين، وإن أحدثت له اعتراضًا على الله، وقدحًا فى حكمته، فقد قرَع باب الزندقة، وإن أحدثت له صبرًا وثباتًا لله كتب فى ديوان الصابرين، وإن أحدثت له الرضا عن الله، كتب فى ديوان الراضين، وإن أحدثت له الحمد والشكر كتب فى ديوان الشاكرين، وكانت تحت لواء الحمد مع الحامدين، وإن أحدثت له محبة واشتياقًا إلى لقاء ربه كتب فى ديوان المحبين المخلصين».
>> قال ابن عباس: إنّ الله جعل فى هذه الأمة أمانَيْن، لا يزالون معصومين مُجارِين من قوارع العذاب ما دامَا بين أَظهُرِهم: فأمانٌ قبضه الله إليه، وأمانٌ بقى فيكم، قوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) . فما دام العبد يستغفر فهو فى أمان من الله تعالى ولن يَقْضِى له قضاءً إلّا وهو خير له.. والله المستعان