الحوار الذى انفردت به الجمهورية مع الدكتور محمد معيط بعد توليه منصب المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى عن الدول العربية والمالديف، ونشرته على صفحتين فى عدد الأربعاء الماضي، أعاد لذهنى الحوارات الممتعة التى كان يجريها الدكتور معيط معنا كصحفيين على مدار سنوات طويلة منذ أن كان مساعداً للدكتور يوسف بطرس غالى لشؤون المعاشات والتأمينات الاجتماعية ثم نائبا لوزير المالية لشئون الخزانة العامة وحتى تم تعيينه وزيرا للمالية عام 2018.
فى كل اللقاءات التى جمعتنى بالدكتور معيط سواء شخصية أو صحفية أو خلال الندوات والمؤتمرات التى حاضر فيها، كان الدكتور معيط يتحدث بنفس البساطة والوضوح وحضور الذهن.. يشرح الصعب فيجعله سهل الفهم، ويستخدم الحجة فيتمكن من الإقناع . لديه قناعة بما يفعل ومايقول فتخرج منه الكلمات صادقة.
ودعونى أعترف بأنى ظننت – وبعض الظن إثم – قبل أن يبدأ الدكتور معيط حواره لـ «الجمهورية» هذه المرة، بأن الحديث سيأتى مختلفاً، وكنت أتصور أن الرجل الذى انتقل من متحدث بلسان الحكومة المصرية كوزير للمالية، ليصبح ممثلا لصندوق النقد الدولى الذى ما لبث أن انتهى من المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادى المتفق عليه بين الطرفين، سيكون كلامه مختلفا، وأنه قد يستخدم عبارات أو كلمات من عينة: أن الحكومة المصرية عليها أن تفعل كذا وكذا حتى تتمكن من تنفيذ برنامج الإصلاح بدقة وفى التوقيتات المحددة»، لكنه سرعان مابدد هذه الظنون بقوله فى بداية حديثه إننى أمثل مصالح 12 دولة عربية بالإضافة إلى دولة المالديف، ومسئوليتى هى حماية ورعاية مصالح هذه الدول الممثلة بالصندوق، سواء كانت لها برامج مشتركة للاقتراض أو لا.
ثم بدأ يتحدث بنفس المنطق وبنفس الحماس عن الاقتصاد المصرى والتحديات التى يواجهها، والأزمات الخارجية التى تعرض لها خلال السنوات الأخيرة منذ أزمة «كورونا» وغلق الاقتصاد العالمي، وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على أسعار الطاقة والحاصلات الزراعية وسلاسل الإمداد، والحرب على غزة وتأثيرها على حركة الملاحة فى البحر الأحمر وتراجع إيرادات قناة السويس، والارتفاع الكبير فى تكلفة الديون وأعبائها، وارتفاع معدلات التضخم العالمى وأسعار الفائدة.. رغم ذلك كله وقفت الدولة المصرية صامدة بفضل قيادة سياسية واعية تمتلك رؤية ثاقبة، وحرصاً شديداً على مصالح الوطن، فتحملت المسئولية بكل شجاعة واقتدار، ونجحت الحكومة فى مواجهة هذه التحديات وعبور الأزمات المختلفة من خلال علاج الاختلالات وبناء اقتصاد قوى وصلب وقادر على الصمود والتعافي.
وفى خضم حديثه عن الأرقام والمؤشرات والمعدلات والتحديات الداخلية والخارجية، كان الدكتور معيط يتحدث عن المواطن البسيط الذى لايهتم ولا يعنيه ذلك كله، بل يعنيه ما يملك فى جيبه ومدى قدرته على شراء وتدبير احتياجات أسرته من السلع الأساسية ومستلزمات الحياة الكريمة، ثم يتحدث عن مسئولية الدولة ودورها فى توفير السلع الأساسية لهذا المواطن وتحقيق الحماية الاجتماعية للجميع وبسط الأمن والأمان والاستقرار فى ربوع البلاد.
ثم يتحدث عن مسئولية وزير المالية فى أى حكومة، بأنه الوزير الوحيد الذى يطالبه الجميع بتدبير أكبر قدر من الموارد المالية لزيادة الأجور والمعاشات وتحسين الصحة والتعليم والطرق والمرافق، وفى نفس الوقت يطالبونه بتخفيف الأعباء وخفض الضرائب وإلغاء الرسوم ومنح الحوافز والإعفاءات.. ويقول إن تحقيق هذه المعادلة الصعبة يتطلب جهداً خارقاً، ووعياً كبيراً بحجم المسئولية.
قد أكون بعد نشر هذا الحوار الشيق الذى امتد على مدار أكثر من ساعتين، مطالباً باعتذار للدكتور معيط عن اختصار بعض الفقرات بسبب ضيق المساحة المتاحة بالجريدة، وعزائى أن يكون لنا لقاءات أخرى فى كل مرة يعود فيها للقاهرة بإذن الله.