أكد د. محمد الضوينى وكيل الأزهر الشريف أن دور مؤسسة الأزهر نشر الوسطية الفكرية والتعددية المنهجية بين طلابه الذين يحملون مشاعل النور للعالم .. موضحا فى حواره للجمهورية الأسبوعى أن الأزهر وعلماءه يقفون فى وجه الأجندات الممولة والمشروعات المنحرفة التى تستهدف الأوطان والإنسان.. معلنا رفضه محاولات المساس بقيمة وأهمية التراث .. متناولا الوضع الفلسطينى المقاوم للطغيان الإسرائيلى المدعوم بالفيتو الأمريكي. مطالبا القوى العالمية بإعادة إقرار حق استخدام الفيتو.
كيف ترى فضيلتكم دور الأزهر تجاه العالم الإسلامي؟
الأزهر فى حقيقتِه وجوهرِه صورة من صُوَرِ –العبقريةِ العلميةِ، التى لها امتدادٌ معرفى شمل المغربِ حتى الملايو، يأتيه طلاب العلم مِنَ الأقطَارِ –البعيدةِ، مغتربين عَنِ الأهلِ والوطنِ، وقد أهدى الأزهر إلى كُلِّ قُطرٍ مِنَ –الأقطارِ عقلا متألّقا وشخصية رفيعة كانت بَاب عِلم وَأمان ورحمَة لِذلك البلدِ، ولم يُفّرِّقْ بينَ وافدٍ وغيرِه، بل اهتم اهتمامًا شديدًا بِمن يَفدُ إليهِ مِن شتَّى البُلدانِ –عملا بوصيِة سيدِنا رسولِ اللهِ – حينما جاءه صفوان بن عسّالٍ قائلا: إنى جئتُ أطلبُ العِلْمَ، فقال — مرحبا بطالب العلم؛ إنَّ طالبَ العِلْمِ لَتَحُفُّهُ الملائكة وتُظِلُّهُ بأجنحتِها، ولذلك فقد رحّبَ الأزهرُ بأبنائِه الوَافِدينَ –تَرحِيبَ الأبِ بِابنِه اضطلاعًا بِدورِه العالمى
مع ذكرى افتتاح الجامع الأزهر لا يزال السؤال متجددا عن أبرز رسائله للعالم؟
تبلورت رسالة الأزهر عبر أجيال امتدت لأكثر من ألف عام؛ ليكون المرجعية العلمية الأولى لأهل السنة فى مصر وخارجها، وفق منهجية تتسم بالوسطية، وتجمع بين النقل والعقل، والتأويل المنضبط والتنزيه الواجب للذات العلية، واحترام مذاهب أهل السنة فى العقائد والشرائع دون اندفاع إلى تكفير أو تفسيق أو تبديع، وقد أثبتت الظروف التى تمر بها أمتنا اليوم أن الأزهر الشريف ركيزة مهمة فى صرح الأمة، ينهض للقيام بواجبه خاصة فى الأوقات الحرجة؛ ليثبت أنه درع الأمة وقت الشدة، ويضع رؤية شرعية تواجه الانحراف بشقيه: التطرف الفكرى والتطرف الأخلاقي، ويقف فى وجه الأجندات الممولة والمشروعات الفكرية المنحرفة التى تسعى للنيل من العقائد والأوطان، فرسالة الأزهر الشريف جامعا وجامعة تعزيز الوسطية والاعتدال، ومحاربة الغلو والتطرف بجميع صوره وأشكاله، وترسيخ وحدة المسلمين مهما اختلفت مذاهبهم الفقهية والعقدية، وتباينت منازعهم الفكرية، وتوجهاتهم السياسية، ولا نبالغ القول: إن وراثة النبوة قد حطت رحالها فى جنبات الأزهر المعمور، وظهرت هذه الوراثة فى مناهجه وفى عقول رجاله، فالأزهر ليس مجرد معهد عريق، أو جامعة عالمية هى الأقدم فى تاريخ الإنسانية، وإنما هو فى حقيقته رسالة، ومنهج يجرى من الناس مجرى الدم من العروق والشرايين
هل توجد فوائد لدراسة التراث فى ظل الهجوم المتواصل عليه؟
التراث الأزهرى يُعَلِّمُ الطالب مبدأ الحوار، وشرعية الاختلاف، وعدم الانغلاق فى مذهب واحد بعينه، إنه تراث تعددى يرفض الانغلاق فى مذهب أو التمسك برأى وإقصاء غيره من الآراء، وحينما نتعرض للأطروحات التى تعادى التراث، وترى أن أصوله وفروعه لا تصلح للاعتماد عليها فى وقتنا، ويطالبون بإعادة إنتاج التراث وتوظيفه من خلال «التجديد» الذى أكثروا فيه الكلام، ونتفق معهم فى أهمية التجديد لكن على أساس استبقاء الأصول والثوابت، بما يضمن مواكبة علمية صحيحة لما يستجد من النوازل والقضايا، لكننا نرفض أن يجيء التجديد هدما للثوابت والمُسَّلَمات والقطعيات، وتبديد التراث ومسخه وتشويهه، ثم الزعم بأن النجاة من مشكلات حياتنا فى التخلى عن تراثنا وتاريخنا، فلا شك أن إغفال التراث العلمى النقلى منه والعقلى هو «انتحار حضاري»، ولا يمكن لمجتمع أن يتقدم إلا إذا انطلق من تراثه وتاريخه؛ حتى تكون أقدامه راسخة ثابتة، لذا يجب علينا تهيئة الشباب وتوجيهه للتعامل مع مكونات التراث مع مواكبة العصر، فلا يتخلفوا عن ركبه الحضاري، فالمحافظة على تراثنا وأزهرنا مهمة قومية وطنية من الطراز الأول.-
هل المجتمع يحتاج لإطلاق مبادرات أخلاقية؟
قضية الأخلاق فى الإسلام قضية مركزية تسهم فى تحقيق التكافل المجتمعي، وجميع العبادات بما فيها الصلاة والصيام والزكاة والحج تهدف إلى تحقيق رسالة الإسلام فى ترسيخ مكارم الأخلاق، فالأخلاق والعبادات وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، بل إن العبادات إذا لم تستند إلى ظهير أخلاقى فإنها قد لا تفيد صاحبها يوم القيامة، فحينما أخبر الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حال امرأة تصلى الليل وتصوم النهار وفى لسانها شيء يؤذى جيرانها، فقال: لا خير فيها هى فى النار، وفى الصورة المقابلة، أخبروه إن امرأة تصلى وتصوم رمضان وتتصدق قدر استطاعتها، ولا تؤذى أحدا، فقال: هى فى الجنة، وإننى لأعجب ممن يصومون ويُصَلُون ويزكون، إلا أنهم يصرون على أكل حقوق العباد وظلمهم، ألا يخشى هؤلاء أن يأتوا يوم القيادة مفلسين من الحسنات، بل إن حديث القرآن عن الصوم جعل غايته التقوى لكونها مرتبطة بالجانب العملى فى الحياة، بما يساعد على تنشئة مجتمع قادر على النفع والعطاء، ومما يؤسف له أن الأخلاقيات تراجعت أمام المادية، حتى أصبح تقويم الأمور بالدرهم والدينار، ولا علاج لهذه الظاهرة الغريبة إلا بإعادة صياغة مجتمعاتنا صياغة جديدة تحيى القيم الدينية والأخلاقية مع معاصرة رشيدة تحفظ الإنسان من العزلة عن الواقع.
كيف تنظرون إلى المذابح الإسرائيلية فى غزة؟
إن ذلك يمثل برهانا على ضعف المجتمع الدولى وعجزه أمام تجرد جيش الكيان المحتل من معانى الرحمة والإنسانية، وتشبعهم بالوحشية، وتلذذهم بحصد أرواح الفلسطينيين الأبرياء، واستهداف النازحين بعد المجاعات التى فرضها هذا الكيان المُجْرم، بما يعتبر وصمة عار على جبين الإنسانية الصامتة تجاه ما يحدث فى غزة، وجبن ونذالة غير مسبوقة فى تاريخ التعامل مع النازحين، وجرائم حرب جديدة تضاف إلى السجل الأسود للصهاينة ومذابحهم الوحشية التى تَعُّف عنها حتى الحيوانات فى الأدغال، ويجب على العالم أجمع أن يفيق من غيبوبته لوقف هذا الحصار غير الإنساني، وإجبار الكيان الصهيونى على التراجع، ووقف مذابحه فى حق الأبرياء، وتسيير قوافل الإغاثة بشكل عاجل، وضع حل عاجل لهذا العدوان المُجْرم الذى استهدف كل أشكال الحياة فى غزة، وإن التاريخ لا يغفر خطايا مجرمى الحرب، الذين لا يردهم دين ولا عرف ولا قانون، ولا يؤلمهم تفجير ولا هدم ولا قتل ولا موت، ولا يحكمهم عقل ولا قلب ولا مشاعر، وإن وعد الله لا يتخلف، «وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ – إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ».