قطعاً.. الفرق كبير.. والبون شاسع بين أن تطبع مع العدو وتقبله.. وأن تعرف كل شيء عنه وتزوره.. وتعرف كيف يعيش وكيف يفكر وماذا يفعل وماذا يملك.. ففى الوقت الذى أغلقنا نحن العرب أعيننا عن مواجهة التحديات. وإدراك احتياجات الحاضر.. ومتطلبات المستقبل.. كان هو يسابق الزمن لأن من يملك ما لا تملك.. ويعد العدة.. ليسبقك بسنوات وسنوات.. فى كل شيء.. ورغم دروس الماضى خاصة فى حقبة الستينيات كان العدو يعرف عنا كل شيء.. بينما أغلقنا أنفسنا وعشنا بمعزل عن معرفة أى شيء عنه.. كان هو يعرف ماذا نتناول فى الإفطار والغذاء.. وماذا نفعل وكيف نفكر.. حتى متابعتنا لقمة الأهلى والزمالك وحفلات أم كلثوم.. كان يعلم كل شيء عنها بدقة.. وليست مع الذين يجرمون ويحرمون زيارة العدو.. إذ من القوة أن تعرف من هو عدوك.. وكيف يعيش وكيف يعمل ويفكر.. وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فى حروبه مع كفار قريش وأعداء الأمة. يرسل «العسس» جهاز المخابرات العامة آنذاك، يرسلهم إلى معسكرات العدو ليعرفوا كم عددهم.. وكم عدد فرسانهم ورماحهم.. وعلى قدر ذلك يكون الإعداد للمواجهة.
>>>
لكن ما الذى حدث ليكون الفرق كبيراً.. بين ما يملك الآخر من عدة وعتاد.. وبين ما نملك نحن العرب.. ظهر الفرق الكبير إبان حرب 48 بين الجيوش العربية بسلاح تقليدي.. وبين الدعم البريطانى والغربى للميليشيات اليهودية.. المحتلة للأراضى الفلسطينية.. الذى حدث أننا عشنا بمعزل عن الآخر.. لم نعد العدة للمستقبل.. تعليماً وتسليحاً بينما كان هو يسابق الزمن لامتلاك النووى والذري.. ولم يتوقف إلى الآن عند حد معين بل كل يوم يحاربك بكل أنواع الأسلحة المناسبة.. وكل عصر له ما يناسبه من أسلحة غير معلومة للآخر.. ففى الجيل الرابع والخامس من الحروب.. لم يعد لطلقات الرصاص ولا دانات المدافع أى دور.. وإنما تغييب الوعي.. وتزييف الحقائق.. وتغليف كبسولات السموم بكل ما يقبل عليه شبابنا ومجتمعنا بلا وعي.. وصار إسقاط الدول بأيدى أبنائها أخطر الأسلحة.. وسخر أعداء الأمة.. كل وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية ومواقع التواصل الاجتماعى لتمرير ما يرمون إليه.. وبالأسلوب الذى يجعلك تسقط فى الفخ بإرادتك.. لتفاجأ بطرق «غسيل مخ».. وشعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.. فإذا لم تنجح طرقهم فى تنفيذ مخططهم.. جاءوا بسيناريو جديد وكلما فشل سيناريو جاءوا بآخر.. من سياسى لاقتصادي.. لشائعات.. لفيروسات.. وتخطيط لا يتوقف!!
>>>
والذى يتأمل ويعود قليلاً إلى الوراء.. وتابع نشأة الجماعات المتطرفة المسلحة يجد أن بريطانيا وأمريكا.. هما أساس تمويل وتدريب هذه الميليشيات وتسليحها ومدها بالمال والتخطيط الجيد لها لتنفذ ما يرمون إليه.. بينما يظهر هؤلاء فى ثياب المصلحين.. أو يرتدون مسوح الرهبان.. وعباءة الأديان.. والأديان منهم براء.. وعودوا قليلاً إلى الوراء وشاهدوا كيف استغل الأمريكان هذه الميليشيات فى تفتيت الاتحاد السوفيتى باسم الدين.. والآن أطلقوا أسماء تستهوى الكثيرين باسم الدين.. بينما هى ميليشيات تنفذ أجندة ضد الدول العربية وضد الدين ذاته.. وما إن تسقط دولة.. فلا ترى النور مرة أخري.. وتتحول الدول المستقرة إلى طوائف متحاربة.. وتفجيرات فى كل مكان.. وشاهدوا التجربة العراقية.. وكيف روج الأمريكان لعراق ما بعد صدام.. دمروا بلاد الرافدين ونهبوا الثروات.. تركوا العراق أطلال دولة وبقايا شعب.. وميليشيات مسلحة.. تفجر اليوم مزاراً سنياً وتعلن مسئولية شيعية.. ثم تفجر تجمعاً شيعياً.. وتعلن مسئولية أهل السنة.. وهكذا حرب بين أطراف المجتمع الواحد فلا تعود الدولة.. ولا يبقى شعب.. وهكذا.. فى كل دولة تسقط لا تعود أبداً.. وبأيدى أبنائها.
>>>
من هنا فإن وعى الشعب.. ووحدة الشعب خلف قيادته ودولته.. هى الضمانة الحقيقية من السقوط فى الفخ.