عادت لبنان من بعيد بانتخاب العماد جوزيف عون رئيسا للبلاد بعد طول غياب دام أكثر من عامين ظل خلالها مقعد الرئيس شاغرا ما أثر على الأحوال السياسية والاقتصادية فى البلد الشقيق بشكل سيء للغاية وهو الأمر الذى تصور معه نتنياهو وعصابته بأنها لقمة سائغة حان وقت التهامها.. ومع نجاح الفرقاء فى لبنان الشقيق فى وحدة الصف والتضامن وعبور الأزمة السياسية الطاحنة وانتخاب الرئيس عون.. تتجه كل الأنظار نحو سوريا الشقيقة التى دخلت مؤخرا النفق المظلم.. وراح الجميع داخل سوريا وخارجها يتساءل: هل تعود سوريا أيضا؟ وجاءت الإجابة سريعا من جانب أهل الفكر والثقافة فى البلد الشقيق.. ففى خطوة مهمة تحيى الأمل فى عودة سوريا الحبيبة إلى أهلها وهويتها من جديد انتفض مئات المثقفين والمفكرين الحقيقيين فى سوريا ضد محاولة محو التاريخ الوطنى السورى وطمس الهوية الوطنية السورية من خلال العبث الكبير والمخل بمناهج التعليم فى مختلف المراحل التعليمية فى سوريا حيث قررت وزارة التربية والتعليم فى الحكومة السورية المؤقتة تعديل المناهج الدراسية بشكل شامل.. وشملت تغييرات جوهرية فى اللغة والمفاهيم الدينية والتاريخية، مما أثار ردود فعل متنوعة فى الأوساط السياسية والمدنية السورية.. أبرز هذه التعديلات كان حذف مادة التربية الوطنية بالكامل، بالإضافة إلى استبدال العديد من العبارات التى تحمل طابعًا دينيًا أو تاريخيًا بعبارات تتماشى مع أيديولوجيا معينة مثل استخدام عبارات مثل «دفاعًا عن الله» بدلاً من «دفاعًا عن وطنه».. وجاء حذف مادة التربية الوطنية ما يعكس غيابًا واضحًا للمقاربة الشاملة لبناء هوية وطنية جامعة فى مرحلة حاسمة من تاريخ سوريا.. والأخطر أنهم قرروا إزالة صور شخصيات تاريخية مثل حافظ الأسد وبشار الأسد من المناهج والكتب المدرسية، رغم ما قد يراه البعض خطوة نحو التحرر من إرث نظام الأسد، إلا أنها قد تكون محكومة بمنطق انتقائى يهدف إلى محو جزء كبير من الذاكرة التاريخية السورية.. ومع إزالة حقبة حافظ الأسد أزالوا معها كافة الأحداث التى شهدتها البلاد فى تلك الحقبة وأهمها وأعظمها على الاطلاق حرب أكتوبر 1973 حيث تلاحمت الجبهة السورية مع الجبهة المصرية وشنوا حربا شاملة على إسرائيل بهدف تحرير الأراضى المصرية والسورية التى احتلتها إسرائيل عنوة فى يونيه 1967 ونجحت القوات المسلحة المصرية فى عبور قناة السويس والانتقال إلى البر الشرقى وتحطيم خط بارليف المنيع وحرر أبطال مصر مساحات كبيرة من سيناء.. بينما حقق الجنود السوريون تقدما ملحوظا على جبهة الجولان بهدف تحريرها من قبضة العدو الصهيوني.. ثم يأتى هؤلاء ليمحوا من كتب التاريخ فصلا بطوليا نادرا فى تحرير الأراضى الشامية السورية من دنس الاحتلال الصهيوني!!
مع دخول هذه التعديلات حيز التنفيذ لم يسكت السوريون فانتفضوا حفاظا على التاريخ والتراث والهوية الوطنية من العبث الممنهج والمتعمد وظهرت مقاومة شعبية منظمة ترفض أى محاولات لفرض الأيديولوجيات التى قد تعمق الانقسامات داخل المجتمع.. ومن المتوقع أن تتواصل هذه المقاومة فى صور وأشكال متعددة، بدءًا من الاحتجاجات السلمية وصولاً إلى تنظيم حملات إعلامية عبر منصات التواصل الاجتماعى لنشر الوعى حول خطورة هذه التعديلات وقد ينضم إلى هذه الاحتجاجات سوريون فى المهجر وربما تتدخل منظمات دولية وإقليمية فاعلة لدعم الجهود السورية الوطنية للحفاظ على الهوية والتراث وعدم العبث بالتاريخ والجغرافيا والمبادئ الوطنية الراسخة عبر قرون من الزمان.. لقد قال السوريون فى احتجاجاتهم إن سوريا وجدت أولا ثم جاء التاريخ بعد ذلك فى إشارة قوية إلى عراقة الحضارة السورية وانها عصية على التغيير والطمث من جانب أقلية لا يمثلون كل أطياف سوريا.. سوريا تاريخيًا كانت ومازالت تمثل نموذجًا للتعايش بين مختلف الأديان والطوائف، ومن المؤسف أن تهميش هذا التنوع فى المناهج قد يؤدى إلى تغييب مفاهيم المواطنة المشتركة التى كانت تجمع السوريين على مدار عقود.. بدلاً من تعليم الأطفال احترام واحتضان التنوع، قد يتم زرع بذور التفرقة والتمييز..
والغريب أنه فى الوقت الذى امتلأت ساحات دمشق بالمثقفين الرافضين لتعديل المناهج التعليمية.. فوجئت الإدارة الجديدة بثورة أخرى ضدهم ولكن هذه المرة من داخل تنظيم تحرير الشام وخرجت جماعة أطلقت على نفسها اسم «أحرار هيئة تحرير الشام» لتعلن تمردها على الجولانى وحكومته ويتهمونه ورجاله بأنهم ضد الإسلام ولا يمثلون الدين الإسلامى وأن الجولانى تخلى عن رداء الإسلام وارتدى بدلة أعداء الإسلام.. طبعا إلى جانب وجود فصائل وتنظيمات كثيرة ومتناحرة تسيطر على كثير من الأراضى السورية وتناصب الجولانى وهيئته العداء وأنها لم تستجب للدعوة التى اطلقتها الحكومة المؤقتة بالوحدة والانضمام إلى الإدارة الجديدة مما يؤكد أننا بصدد حرب أهلية واسعة النطاق ستشهدها سوريا الحبيبة فى الأيام القادمة.