تمر هذة الأيام الذكرى الـ107 لميلاد الزعيم الوطنى والقومى جمال عبدالناصر (ولد فى 15 يناير 1918) ولأنه لا يزال حيا بفكره وسيرته العطرة ومواقفه القومية الصلبة وثبات وصواب رؤيته تجاه قضايا الأمة الكبرى فإن جماعة (الإخوان الارهابية) تُصر وفى كل ذكرى لميلاده أو وفاته أو ثورته المجيدة (ثورة يوليو 1952) أن تذكره هى وأتباعها ومؤيدوها السذج.. بالسوء كما كل الحكام المصريين ولا تجد فى أحد منهم سوى الاتهام بالفساد والكفر والجهل.. ولعل أخطر ما تتهم تلك الجماعة الارهابية رؤساء مصر دونما استثناء هو (الخروج من الملة والدين) وأنهم وحدهم هم (الإسلام الصحيح) وكان عبدالناصر هو الاكثر وضوحا فى اتهامات الإخوان ولايزالون عبر أبواقهم الرخيصة- مثلهم- يتهمونه بذلك رغم أن الرجل بصداميه معهم (1954-1965) كان يمثل الثورة والدولة والدين الحق وكان صراعه فى الأصل مع الإخوان هو صراع حول السياسة والحكم.. وهو الأمر الذى لايزال مستمرا مع كل رؤساء مصر حتى اليوم (2025): السياسة والحكم وليس الدين والكفر!
> إن عبدالناصر فى فهمه للدين كان أكثر إسلاما من الإخوان وكل الجماعات الارهابية التى أشاعت فى مصر والمنطقة، الفتنة والفوضى والدم من الإخوان الى القاعدة وداعش والنصرة! فماذا عن (إسلام- عبدالناصر) الذى حاولت جماعة (الإخوان الارهابية) نفيه عنه وكأنهم حاملو صكوك الوطنية والدين وحدهم دون خلق الله؟
.. من هنا وجب التذكر والاهتمام والتدبر.. ولعل فى مواقفه ورؤياه تجاه علاقة الدولة بالدين وموقع الإسلام كحضارة وثقافة فى قضايا الوطن.. ما يتطلب إعادة تأمل لما قاله وفعله هذا الزعيم الكبير.. على ذلك يفيد الامة فى صراعاتها الراهنة مع الإخوان ودواعش وغلاة هذا الزمان والذين لا يقلون شذوذا وجهلا وعنفا عن دواعش زمن عبدالناصر.
> فى البداية يحدثنا التاريخ فيقول إن عبدالناصر لدى (الدواعش القدامي: الإخوان) وفى مجمل وثائقهم (حاكم يعادى الإسلام) لمجرد أنه يعاديهم، حيث هم الإسلام، ومن عاداهم يصبح بالتبعية خارجاً عن الملة، وعبدالناصر لديهم لا يمتلك رؤية إسلامية صحيحة بل رؤية فاسدة وأحياناً (كافرة) فهل هذه الاتهامات صحيحة؟ وهل كان عبدالناصر علمانياً، معادياً للإسلام بالفعل؟
> سيظل عبدالناصر، حاضراً، بفكره وتجربته، مهما طال الزمن أو بعد، ربما يعود ذلك إلى أن تجربته كانت ثرية بإنجازاتها؛ وربما يعود ذلك إلى أنها جاءت فى لحظة تاريخية فاصلة من عمر الأمة، فخلقت واقعاً جديداً مفصلياً فى تاريخ مصر الحديث.. وربما لأسباب أخرى سياسية داخلية وخارجية كان لهذه التجربة الناصرية بريقها وديمومتها.. اليوم نحاول أن نعيد قراءة رؤية عبدالناصر للإسلام وهى الرؤية التى نحتاجها اليوم، تعبيراً عن جدلية الصراع بين أنظمة الحكم الوطنية وبين الإخوان ودواعش الفكر التكفيرى الجدد.. والسؤال الأساس هنا ما الذى نستفيده من فكر وتجربة عبدالناصر تجاه علاقة الدين بالدولة وبالثورة.. وما هى الدروس الرئيسية فى تلك التجربة والتى قد تفيدنا مصريا وعربيا اليوم (2025) فى صراعنا مع الأجيال الجديدة من التكفيريين الدواعش الذين هم الابناء الشرعيون لحركة الإخوان وجهازها السري؟
أولا : أن الدين فى إدراك عبدالناصر هو جزء من عملية التنمية الشاملة والتغير الاجتماعى فهو يساهم فى عملية التحول تجاهها، ويخضع لنفس الشروط ولذات التحديات وخاصة فى المجتمعات ذات الثقافة التقليدية والتى يلعب الدين ورجاله فيها دوراً مؤثراً، والدين هنا أصبح يلعب دوراً فى التنمية من خلال كشف أعدائها حيث «شريعة الله هى شريعة العدل وهى شريعة المساواة، أما شريعة الرجعية فهى شريعة ضد الإسلام وضد الدين مهما تمسحت به» خطاب عبدالناصر فى 22/3/1966.
وحيث يرتبط الدين لدى عبدالناصر بالعدالة «فالذى يريد أن يطبق الدين لا يقسم الشعب إلى أسياد وشعب من العبيد.. ده.. ده هو الكفر» كما يقول فى خطابه فى 1/5/1966.
ثانيا : من أبعاد موقع الدين فى إدراك عبدالناصر، هو أنه كان يرى أن للدين الإسلامى دورا مؤثرا فى توحيد وتضامن العالم الإسلامى تجاه أهداف اجتماعية وسياسية وهنا ينبغى التأكيد على نقطتين مهمتين:
الأولى : الدين عند عبدالناصر لم يكن هو الإسلام وحسب، ولكنه مثٍّل لديه كل التراث من قيم وتقاليد وتاريخ ديني، عاشته مصر والمنطقة العربية، يعنى هذا أدخال المسيحية، وبعض العادات الدينية والفرعونية وغير الفرعونية، والتى لايزال المواطن العربى والمصرى يمارس بعض طقوسها كالموت، أو زيارة القبور أو إرسال الرسائل إلى الموتى وما شابه ذلك أما الإسلام فهو أكثر تحديدا وأقل شمولاً من الدين عند عبدالناصر.
أما الثانية : فهى أن الدين ككلمة أو كفكرة، استخدمت عند عبدالناصر فى المجال الداخلى المصرى أو الإقليمى العربي، فهى لم تتعد كثيراً عنده إلى حيث الإطار الدولى أو إطار العالم الثالث أو الإسلامي، فالدين استخدم فى مواجهة الرجعية العربية وأعداء الاشتراكية والتنمية أيضاً أعداء الجمود الفكري.
ثالثا : هو رفض الرؤية المتزمتة والتفسيرات الجامدة للدين وللإسلام، ويفرق عبدالناصر هنا بين الإسلام كعقيدة ثابتة ومقدسة وبين الفكر الدينى المتجدد والمتغير ويرفض عبدالناصر هنا أيضاً احتكار بعض القوى الدينية لحق تفسير الدين وخاصة الإخوان ومن شابهم!
رابعا : من محددات موقع الدين فى فكر عبدالناصر، نجد أنه يرى أن الدين لا يصلح كأيديولوجية سياسية مستقلة بل يصلح كأداة وكمنطلق وكأحد العناصر لأيديولوجية سياسية هى القومية العربية.
الخلاصة.. إن (إسلام- عبدالناصر) تعود إلى مرحلة ما قبل عام 1952، حيث تعرف وفهم آليات عمل وفكر وسياسات كل من حركة الإخوان الارهابية ومصر الفتاة والقوى السياسية الأخرى وكيف أن الدين- وتحديداً الإسلام- قد احتل موقعاً مهماً فى فكره، ولكن برؤية مستنيرة وليس منغلقة وأن أبرز أبعاد الرؤية الناصرية للإسلام تمثلت فى كونه رافعا رئيسيا فى عملية التعبئة السياسية، والتنمية الشاملة، والقومية العربية، ومواجهة الصراع الخارجي.. وهذا هو الفهم العظيم والحقيقى للإسلام وهو مالم يرتفع (الإخوان والتنظيمات الارهابية) له.. بل اقتصر دورها ووظيفتها على نشر الفوضى والعنف والدين المزيف بين الناس.. وعلينا أن نحذرهم دائما !