كما هو المتوقع فى هذا التوقيت ومع اقتراب نهاية أى فصل تشريعى تطلق جميع الأحزاب فى مصر نوبة صحيان لإثبات وجودها ونشاطها على الساحة الشعبية والسياسية حيث نرى حالياً حالة من الانتفاضة الحزبية يحاول معها كل حزب إعادة ترتيب أوراقه ووضع أجندة لتحركاته والعمل على ضم كوادر لها ثقل شعبى تستطيع من خلاله الفوز بأكبر عدد ممكن من مقاعد مجلسى النواب والشورى فى الفصل التشريعى الثالث والذى سوف يبدأ خلال النصف الثانى من عام 2025.
وتزخر الساحة الحزبية حالياً بنحو 106 حزب سياسى وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة من لجنة شئون الأحزاب إلا أن الغالبية العظمى من هذا العدد تبقى غير فعالة بسبب نقص التمويل أو غياب البرامج السياسية الواضحة وليس أدل على ذلك من أن الأحزاب التى نجحت فى الحصـــول على التمثيل فى البرلمان لم يتجاوز عددهــــا 25 حزباً فقط بينـــما شارك 15 حزباً فى مجلس الشــيوخ خلال الاستحقاق النيابى الأول والثانى 2015 و2020 من بينها 5 أحزاب فقط لديها هيئات برلمانية حيث يزيد عدد نوابها على 10 نواب.
وعلى الرغم من أن التنوع الحزبى فضيلة سياسية وتعبير واضح عن ثقافة الديمقراطية التى تنهض بالاساس على المشاركة الفعالة من جميع التكوينات السياسية والاجتماعية التى تتأسس على مرجعيات فكرية ومعرفية تضع فى حسبانها أن الأحزاب فى خدمة الأوطان والجماهير وإنها وسيلة مثالية لتحقيق المصالح الوطنية وتلبية احتياجات المواطنين والدفاع عمن تمثلهم من قواعد شعبية متباينة ومتعددة ومختلفة إلا إننا نرى أن معظم برامج الأحزاب القائمة تتشابه فيما بينها وتتداخل أفكارها وأهدافها دون أن يكون هناك أى تمايز بينها وهذا ما ترتب عليه عزوف رجل الشارع عن الاهتمام بتلك الأحزاب التى لا تظهر إلا وقت الانتخابات والاستحقاقات التشريعية على الرغم من أن هذه الأحزاب يجب أن يكون لها دور إيجابى ومؤثر فى صناعة الوعى السياسى لجماهير الشعب وصناعة نخب وكوادر سياسية قادرة على ممارسة العمل الحزبى والسياسى لمواجهة التحديات المتشابكة والمعقدة التى يمر بها العالم حالياً.. وكذلك فى تناول القضايا التى تهم الشارع المصرى ومن بينها الوضع الاقتصادى الذى يجب أن تتضافر فيه جهود جميع الأحزاب كى تقدم حلولاً مبتكرة لمشاكل المواطن الاقتصادية مثل ارتفاع الأسعار والبطالة والتضخم.. كذلك أن يكون لها دور فى التعامل مع التحولات الاجتماعية حيث يجب أن تضع الأحزاب برامج تظهر قدرتها على تحسين حياة المواطنين فى ظل التغيرات الاجتماعية التى تشهدها مصر حالياً.. وفى إطار تحقيق العدالة الاجتماعية فلابد أن تسعى الأحزاب الى العمل على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين وتوجيه الدعم للطبقات الفقيرة بالإضافة الى ضرورة اقتحام قضايا التعليم والصحة والعمل على التطبيق الفعلى للحريات السياسية وحقوق الإنسان كجزء أساسى من برامجها.. كل هذا يتوقف على قوة تلك الأحزاب ومدى قدرتها على تحقيق تلك الأهداف ومن ثم على المنافسة للوصول إلى تمثيل برلمانى معتبر لها يكون المواطن المصرى هو الداعم لها طالما استشعر أن هذه الأحزاب قادرة على تحقيق آماله وتطلعاته ومتطلباته فى توفير حياة كريمة له بالتنسيق مع الأجهزة الأخرى للدولة.
ويتبنى حالياً اتجاه للعديد من المثقفين والسياسيين ورجال الفكر فكرة العمل على تشكيل منظومة حزبية تشمل تحالفات سياسية وليست تحالفات إنتخابية بحيث تندمج الأحزاب التى تتشابه برامجها فى كيان أو تحالف قوى يركز على إعداد برنامج انتخابى موحد وبناء قوائم انتخابية مستقلة مع تكثيف الجهود المشتركة فيما بينها لتنظيم فعاليات مباشرة فى الشوارع والميادين لتعريف المواطنين بالمرشحين من هذا التحالف والذى يجب أن يسعى إلى اختيار الكوادر الجديرة بتمثيله سواء على مستوى الكفاءة أو القبول الشعبي.
إلا إننى أرى ومن خلال ممارستى للحياة السياسية أن تحالفاً بهذا الشكل ليس من السهل القبول به فلن تجد أى رئيس حزب حتى ولو كان ليس له أى تواجد شعبى أو تمثيل برلمانى يتنازل عن رئاسته لهذا الحزب لتشكيل كيان حزب سياسى موحد.. ومن هنا فإن تلك الفكرة لن تجد لتنفيذها سبيلاً.
أعتقد أن الانتخابات التشريعية القادمة سوف تشهد فرصاً أكبر لاشراك عدد أكبر من الأحزاب والمواطنين يكون هدفهم الأسمى صالح الوطن والمواطن بإذن الله.