عنوان هذا المقال، هو ما تطبقه أمريكا وإسرائيل حرفياً ضد الشعب الفلسطينى فى غزة.
الدولتان متفقتان تماماً، ومن أول يوم فى حرب السابع من أكتوبر الماضي، على ألا تنتهى الحرب فى غزة إلا بعد تحقيق أهدافها الثلاثة التى أعلنها ويتمسك بها رئيس الوزراء الإسرائيلي.
الأهداف تنحصر فى القضاء التام على حركة حماس، واستعادة الرهائن الذين تحتجزهم منذ عملية «طوفان الأقصي» واتخاذ كل ما يلزم من اجراءات فى القطاع تضمن عدم تكرار هذه العملية ضد إسرائيل مرة أخري.
من اليوم الأول بدت الحرب أمريكية بأيد إسرائيلية.
تتابع وصول قطع الأسطول الأمريكى من حاملات طائرات ومدمرات إلى مياه منطقتنا لضبط البيئة المحيطة بإسرائيل، وردع خصومها المؤكدين والمحتملين، حتى تستطيع المضى فى الحرب باطمئنان.
وسلمت أمريكا لإسرائيل كل ما طلبته من أحدث الأسلحة والمعدات الحربية، وعززتها بالمعلومات الاستخبارية الواردة من أقمارها الصناعية، وبالمساعدات الفنية والاقتصادية.
وتركت لها مهمة قتل الفلسطينيين طالما كان ذلك ضرورياً لانتصارها وتحقيق أهدافها.
وعندما بدأ عدد الضحايا المدنيين من الفلسطينيين فى الارتفاع، وظهر أن معظمهم من النساء والأطفال، وواجه الصحفيون الرئيس الأمريكى «بايدن» بالأرقام الصادرة عن السلطة الصحية فى غزة، فى أحد مؤتمراته الصحفية، كان رده: «أنا لا أثق فى أية أرقام تصدر عن حماس.. أثق فقط فى أرقام إسرائيل».
وكلما لاحت فرصة لبحث وقف اطلاق النار بعد تصاعد الضغط الدولي، ووصل الأمر إلى مجلس الأمن الدولى بمشروع قرار بذلك، استخدمت أمريكا الفيتو لإحباطه.. مرة لانه لا يتضمن إدانة لحركة حماس – وهو شرط تمسكت به إسرائيل – ومرة لأن أهداف الحرب لم تتحقق بعد، وهو أيضاً شرط إسرائيلي.
وعندما وصلت الحرب إلى المرحلة التى تحولت من هدف القضاء على حماس، إلى هدف القضاء على الشعب الفلسطينى بالقتل أو التهجير القسري، وقدمت دولة جنوب افريقيا دعواها ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية متهمة إسرائيل بارتكاب جريمة «الإبادة الجماعية» للفلسطينيين فى غزة، رفضت أمريكا الاعتراف بأن ما يحدث هو إبادة جماعية، ووصفت الدعوى بأنها لا قيمة لها.
ومع تصاعد الضغوط الدولية، وعجز هذه الضغوط عن النجاح فى انتزاع قرار من مجلس الأمن بوقف اطلاق النار بعد الهدنة الأولي، بدأت الكثير من الدول فى الانضمام لحملة دولية لتقديم المساعدات الغذائية والطبية والانسانية لاهالى غزة وفتحت مصر معبر رفح البرى لتوصيل هذه المساعدات وتدفقت قوافلها براً وجواً على المعبر وتعنتت إسرائيل فى السماح بنفاذها للقطاع، لم تتهم أمريكا إسرائيل بعرقلة نفاذ المساعدات وتجويع الفلسطينيين.. بل اتهمت مصر بغلق المعبر!!
وعندما تزايدت عمليات القتل والتهجير القسرى والتجويع ونسف المستشفيات واستهداف المدارس وغيرها لم تطلب أمريكا من إسرائيل وقف هذه العمليات.. لقد اشارت عليها فقط بـ «القتل الرحيم»، والتى تتوخى فى عمليتها العسكرية «حماية المدنيين».
الآن فقط بدأت أمريكا الاهتمام بالمشاركة فى تقديم الغذاء لأهل غزة عوضاً عن قتلهم بأسلحتها وتمادت فى هذا الاهتمام، ليس فقط باسقاط المساعدات الغذائية بالمظلات من الجو.. بل والتفكير فى انشاء ميناء بحرى على ساحل غزة فى البحر المتوسط لتوصيل المساعدات بحراً.
كل هذا لان إسرائيل تسيطر على المعابر البرية، وترفض تقديم التسهيلات اللازمة لنفاذ المساعدات منها إما بتعقيد اجراءات التفتيش حتى لا تكون بينها أسلحة، ثم تعقيد اجراءات توزيعها بدعوى ضمان ألا يصل شيء منها لحماس.
وأمريكا عاجزة أو تتظاهر بالعجز عن الزام إسرائيل بفتح المعابر رغم ان هذه المعابر لو فتحت جميعاً وتم تسهيل اجراءات دخول المساعدات منها وتوزيعها، لما احتاج العالم إلى إسقاط من الجو أو إرسال من البحر.
ويبدو ان «سلة العقوبات» التى تملكها أمريكا وتغرف منها حزماً توزعها على من تشاء من دول وقادة العالم وقتما تشاء، قد اختفت، وكلما أثيرت مسألة المساعدات أمام الرئيس الأمريكى كان رده: نحن نواصل الضغط على نتنياهو للسماح بمرورها.
الرئيس الأمريكى يضغط ويضغط ويضغط.. لوقف مؤقت لاطلاق النار بهدف استعادة المحتجزين وليس بهدف وقف قتل الفلسطينيين.
ولتمرير المساعدات وفقاً لمبدأ «القتل مقابل الغذاء».. قتلت إسرائيل أطفالاً وهم يحملون أوانيهم انتظاراً للحصول على نصيبهم من الغذاء.. وقتلت غيرهم بعد أن أكلوا..!
مشاهد مصورة عرضتها قناة «القاهرة الإخبارية» هذا الأسبوع لأطفال من غزة، يرفضون وجبات الغذاء الأمريكية المنزلة عليهم من السماء، ويردونها وهم فى ذروة الاحتياج إليها، ويقولون.. لسنا فى حاجة إلى الوجبات من أمريكا.. نحن فى حاجة إلى ان توقف تقديم السلاح لإسرائيل لقتلنا.. لن نأكل أغذية مصنوعة بدم ضحايانا.
رسالة تهتز لها القلوب والأبدان لكل من ينتمى لفصيلة الإنسان.. لكن العدو ترتعد فرائصه منها..
نقطتان ذكرتهما وأريد العودة إليهما..
> قضية الإبادة الجماعية المتهمة إسرائيل بها أمام المحكمة الدولية.. نذكر جميعاً أن من بين ما اتخذته المحكمة من قرارات، يوم السادس والعشرين من يناير، هو مطالبة إسرائيل بأن تقدم ردها على هذا الاتهام خلال شهر.. أى فى السادس والعشرين من فبراير الماضي.. ونحن الآن فى منتصف مارس.
هل قدمت إسرائيل تقريرها بالرد؟!
لا المحكمة أعلنت ذلك، ولا المتابعون للقضية أيضاً، رغم أهمية ان نعرف هل التزمت إسرائيل بتنفيذ قرار المحكمة أم تجاهلته.. وإذا كانت التزمت.. فبماذا دافعت عن نفسها.. وإذا كانت لم تلتزم.. فما هو رد المحكمة؟!
> النقطة الثانية، هى الميناء المثير للشك والمزمع إقامته على ساحل غزة بدعوى توصيل المساعدات لأهلها عن طريق البحر.
فى توقيت متزامن.. أعلنت أمريكا ان انشاء الميناء سوف يستغرق عدة أسابيع قدرتها بشهرين.. وأعلن نتنياهو من جانبه ان الاجتياج العسكرى البرى لرفح والذى يصر على ألا تنتهى الحرب الا به.. سوف يستغرق عدة أسابيع قدرها بشهرين!!
أمريكا قالت ان انشاء الميناء سيعمل به ألف عسكرى أمريكى وركزت على أنهم سيمارسون عملهم من البحر.. من السفينة التى تقلهم.. ولن ينزلوا إلى الأرض أو يدخلوا القطاع!!
قالت أمريكا أيضاً ان إسرائيل ستكون هى المسئولة عن تأمين الميناء!!
ما الذى يمكن استخلاصه من تلازم فترة انشاء الميناء مع الفترة اللازمة لاجتياح رفح مع علم العالم كله بأن أمريكا لا تعارض من حيث المبدأ اجتياح إسرائيل لرفح، ولكنها طلبت فقط من إسرائيل أن تكون «حماية المدنيين» جزءاً من عملية الاجتياح؟!
ومع بداية رمضان، وفى استدرار لمشاعر المسلمين فى أمريكا بالذات حتى لا يفقد أصواتهم فى الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر، نسى الرئيس الأمريكى – كالعادة – أنه قال سابقاً انه لا يثق فى أرقام الضحايا التى تعلنها حماس، وقال فى كلمة بمناسبة شهر رمضان «ان هذا الشهر هو وقت للتأمل. قتل أكثر من ثلاثين ألف فلسطينى معظمهم مدنيون وبينهم آلاف الأطفال وشردت الحرب حوالى مليونين آخرين، والعديد منهم فى حاجة ماسة للغذاء والماء والدواء والمأوي.. ان معاناة الشعب الفلسطينى فى فكري»!!
آ الآن يا بايدن وقد سلمت إسرائيل مائة صفقة سلاح فى خمسة شهور لابادة هذا الشعب؟!
آ الآن وقد جئت بألف جندى ليحكموا الحصار على غزة من البحر، ولتكون عملية الاجتياح تحت أعينهم وليضمنوا إبادة من تبقى من الفلسطينيين قبل ان يصل إليهم الغذاء؟!