فى رأيى أن أحداث يناير فجرت كوارث وتركت عواقب وخيمة وزلزالية على حاضرنا ومستقبلنا الذى تأثر سلباً ليس فى جوانبه الاقتصادية فحسب بل امتدت الآثار لتطال نواحيه الاجتماعية وحتى الاخلاقية التى كانت أشد المتضررين مما جري؛ ذلك أن ثمة انحرافات أخلاقية وسلوكية ضربت مجتمعاتنا بعنف فاهتزت لها منظومة القيم؛ وقد شهدنا كيف علت لغة السباب فى الشارع وعلى الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي، وتحت ستار التغيير والثورة على الفساد جرى التطاول والتشكيك فى كل شيء، وهى دعاوى تهاوت بسببها قيم اجتماعية وتعرض المجتمع بسببها لنكبة أخلاق وفقدان ثقة، كما جرت تصفية الحسابات والنهش فى الرموز وانتهاك الخصوصيات ومحاولات هدم الدولة وافتعال معارك وهمية حول الهوية لم تشهد لها مصر مثيلاً على مدى تاريخها الضارب فى العراقة والقدم.
ولم يكن ثمة هدف من وراء تلك المعارك الوهمية سوى هدم أركان الدولة وأعمدتها الأساسية من جيش وشرطة وإعلام وقضاء، تمهيداً لإحلال نظام جديد على غرار الحرس الثورى الإيرانى النموذج الذى حاول قادة الإخوان استلهامه ومحاكاته ليكون لهم جيشهم وميليشياتهم الخاصة التى تدين لهم بالولاء والطاعة وتأتمر بأوامرهم.. ولولا ثورة 30 يونيو ما توقفت مآسى ما بعد يناير وما انكشفت مؤامرات ومحاولات استهداف الدولة التى تصدى لها الشعب والجيش بكل قوة!!..
ولا ينكر منصفٌ أن منطقتنا دخلت اليوم منعطفًا خطيرًا يجعل الحفاظ على الدولة بكل مؤسساتها الوطنية فريضة تتضاءل دونها الغايات.. فشتان بين الأمان والخوف..بين الضبابية ووضوح الرؤية.. ورغم ما قد يشعر به المواطن من صعوبات فى العيش فإن الحفاظ على الأوطان يعلو ما سواه، فمصر أبقى من الجميع ولن يحفظ لها وحدتها واستقرارها إلا المخلصون من أبنائها الذين لا وطن لهم إلا هذا البلد الذى جعل الله أهله فى رباط إلى يوم الدين.
وليسأل كل منا نفسه: ألا تشعر بقلق عميق إزاء ما يحدث حولنا فى غزة والسودان وليبيا ولبنان وغيرها من بلاد العرب التى صارت فى مهب الريح بفضل ما عرف بثورات الربيع العربى التى كانت وبالًا عليهم، وفتحت عليهم أبوب جهنم.. وظنى أن مراكز استطلاع الرأى لو جابت الشوارع والحوارى والأزقة لتسأل المواطن البسيط: ما رأيك فيما قيل إنه ثورة يناير.. لجاءت الإجابات صفعة على وجه من هندسوا مشهد يناير وتآمروا على بلادنا التى خسرت الكثير والكثير وتحتاج سنوات وسنوات من العمل الجاد والمتواصل كى تعوض ما خسرته..؟!
ولا يجادل أحد أن مصر الموضع والموقع كُتب عليها أن تكون رمانة ميزان الشرق؛ فإن استقرت وازدهرت نام الشرق بل والعالم ملء جفونه، وإن أصابها لا قدر الله مكروه ضاع استقرار الشرق وتهدد الأمن فى المنطقة وفى العالم دون مبالغة.. وارجعوا للتاريخ لاستخلاص العبر والدروس إن أردتم دليلًا على صدق قولي.
ورغم كل ما تحقق من استقرار فى مصر فلا تزال هناك معارك علينا أن نخوضها بضمير وطني، معارك التنمية ومجابهة الزيادة السكانية والفقر والتخلف والأمية والإهمال والفساد.. وبالتوازى معها تخوض الدولة معارك أخرى لإعداد القوة تدريباً متواصلا وتحديثاً لا يتوقف للتسليح والعتاد ردعاً لمطامع الطامعين، وتحسباً لأى عدوان محتمل ودرءًا لأى مخاطر قد تداهم بلادنا.. وما أكثر الأخطار المحدقة بنا من كل الاتجاهات الاستراتيجية؛ الأمر الذى يضاعف مسئولية كل واحد فينا لينهض بدوره فى حماية بلده والحفاظ على مستقبله ومستقبل أولاده.
وعى شعبنا وإرادته الصلبة وقدرته على تحمل أعباء الإصلاح وعبور الأزمات ومواجهة حروب الجيلين الرابع والخامس بصلابة واقتدار ينبغى أن يكون الرهان الحقيقى وأن يواصل الإعلام دوره فى إيقاظ الهمم وتحصين الوطن بالوعى فى مواجهة كل وعى زائف يستهدف دغدغة المشاعر واستهداف وحدتها وتماسك جبهتها الداخلية ..وعلى الحكومة واجبات كبيرة أيضًا، ومطلوب منها أن تضاعف الجهود لرفع منسوب الأمل الذى ينبع من شعور المواطنين بأنهم شركاء فى بناء المستقبل، وأن الحكومة تعمل بصدق وشفافية لتحقيق تطلعاتهم؛ وأن يشعر المواطن بتحسن حقيقى فى معيشته؛ تحسن يقطع الطريق على المزايدين الذين يتربصون بمصر وشعبها، ولا يفوتون شاردة ولا واردة إلا وانتهزوها لمحاولة إشعال الاحتقان وتغذية الغضب والفتن..!!
لا أحد ينكر ما تبذله الحكومة من جهود لاحتواء التضخم لضمان استقرار الأسعار وتخفيف العبء المعيشى عن المواطنين وخلق فرص عمل عبر الاستثمار المنتج فى مشاريع البنية التحتية والصناعات الصغيرة والمتوسطة لتعظيم مردودها الاجتماعي..وهو ما يجب أن يستمر بوتيرة أكبر حتى يجنى المواطن ثماره فى حياته اليومية.
كما ينتظر الناس من الحكومة زيادة الدعم الاجتماعى وتوسيع شبكات الحماية للفئات الأكثر ضعفًا مثلما حدث مرارًا وتكرارًا فى السنوات الأخيرة، بالتوازى مع تحسين الخدمات العامة للنهوض بقطاعى الصحة والتعليم وزيادة مخصصاتهما لتلبية الاحتياجات المتزايدة التى تفرضها الزيادة السكانية المستمرة؛ بحسبان التعليم والصحة بوابة أى تنمية حقيقية.
الناس تنتظر مزيدًا من الحوار المجتمعى مع كل الفئات، وإدارة التوقعات عبر التحاور بصدق مع المواطنين فى شتى المناسبات والمنتديات والمحافل حول التحديات الراهنة وما يمكن تحقيقه على المدى القصير والطويل، لخلق حالة حوار تمهد لخلق القناعات والمواقف بصلابة وثبات، مع الانفتاح على الشباب والاستماع لأفكارهم وتصوراتهم عن المستقبل، والتركيز على مشروعات تنموية تسهم فى تحفيز الشعور الوطنى مثل تطوير القرى والمدن الفقيرة، واستصلاح الأراضى الزراعية، ثم العمل على إبراز الإنجازات والتواصل الإيجابى لتوعية المواطنين عبر نوافذ ومنصات الإعلام لنشر الوعى بإنجازات الدولة، وتعظيم الاستثمارات فى المشروعات الثقافية والفنية التى تعزز الهوية الوطنية وتبث روح التفاؤل.
ويبقى أن تصحيح مسار 25 يناير واجب.. ولا يزال الأمل معقودا على وعى هذا الشعب وفطرته وبصيرته وولائه التام ودعمه المطلق لدولته فى مواقفها وخياراتها مهما تكن التضحيات والصعوبات.. فلا بديل للأوطان وليس بعد الوطن إلا الضياع.. فاحذروا يا أولى الألباب!!
وقد أثبت شعبنا فى أصعب الظروف أنه السند والظهير الأقوى للدولة، وكم تحمل بصبر كل التحديات والمصاعب ونجح بشهادة الرئيس السيسى فى العبور بمصر إلى بر الأمان.. وهو على العهد دائمًا أبدًا.