فقدت السينما المصرية كاتب السيناريو الكبير بشير الديك فى آخر أيام العام الماضى عن 80 عامًا، وهو واحد من أدباء جيل الستينيات الذين هجروا الأدب واتجهوا إلى الكتابة للسينما والتليفزيون مثل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد وحققوا نجاحات باهرة، وكان من حظ بشير الديك أن بدأ مع السينما الجماهيرية خاصة مع المخرج أشرف فهمى فى ثلاثة أفلام «مع سبق الإصرار» و«تمضى الأحزان» و«لايزال التحقيق مستمرًا» وهذه البداية سوف تنقذ بشير الديك بعد تعرفه على المخرج محمد خان وكتابته لفيلم «الرغبة» عام 1980، لأن بشير أدرك منذ البداية أن محمد خان يقدم سينما مختلفة ولا تمثل التيار السائد فى السينما المصرية.
لكن بعد رحيل بشير الديك يكاد يجمع النقاد أن أهم أفلامه كانت مع خان وعاطف الطيب وهى التى منحته النجاح على المستوى العربى بسبب مشاركاتهما فى المهرجانات العربية وغيرها، فقدم مع محمد خان أفلام «الرغبة» و«طائر على الطريق» و«نص أرنب» و«الحريف» و«موعد على العشاء» ومع عاطف الطيب كتب سيناريو «سواق الأتوبيس» و«ضربة معلم» و«الهروب» و»ناجى العلي» و«ضد الحكومة» و«ليلة ساخنة».
اعترف بشير الديك أن ثقافته فى الأساس ثقافة أدبية حصل عليها من قراءة الأدب العالمى المترجم بداية من كتابات مصطفى لطفى المنفلوطى حتى الأدب الروسى لتولستوى وجوجول وديستوفسكي، وهم عمالقة الدراما الذين كانوا يعرفون كيف يقدمون شخصيات رواياتهم وخلفيتهم الاجتماعية والنفسية وهو أكثر ما كانت تتميز به أعمال بشير الديك خاصة فى فيلم «سوق الأتوبيس»، الذى أتذكر جيدًا الضجة التى أحدثها فى الحياة الثقافية والسينمائية عام 1983 وكانت كل صفحات السينما فى الجرائد والمجلات لا تتحدث إلا عن «سواق الأتوبيس» وميلاد المخرج الشاب عاطف الطيب فى ثانى أفلامه بعد «الغيرة القاتلة» بينما كان «سواق الأتوبيس» هو الفيلم رقم «13» فى قائمة أفلام بشير الديك ولم يكتب النقاد عن أفلامه السابقة إلا القليل من المقالات.
ثم نأتى إلى ظاهرة فيلم «الحريف» وهو الفيلم الوحيد الذى وافق النجم الكبير عادل إمام على بطولته للمخرج محمد خان، وهو ليس من الأفلام الكوميدية التى اشتهر بها عادل إمام لذلك لم يسعد الجمهور بالفيلم ولكنه عاش فى ذاكرة السينما المصرية حتى اليوم خاصة أنه ينتمى لمرحلة الواقعية الجديدة كما سماها الناقد الكبير سمير فريد، كما أن «الحريف» هو شخصية حقيقية لشاب اسمه «سعيد الحافي» كان نجم الكرة الشراب الأول فى ملعب نادى الحطابة بالقلعة وله جماهيرية فائقة.
ولبشير الديك مرحلة شديدة الأهمية مع نجمة الجماهير نادى الجندي، وتأتى الأهمية لأن كتابات الديك أعادت الاحترام للسينما الجماهيرية ولم تعد السينما السطحية التافهة بل السينما التى تعتمد على قصة درامية وحبكة قوية مهما كانت المبالغات فى أداء نادية الجندى مثل أفلام: «الإرهاب» و«شبكة الموت» و«عصر القوة» و«مهمة فى تل أبيب» و«الجاسوسة حكمت فهمي» و«امرأة هزت عرش مصر»، وفى النهاية يمكن القول إن إبداع بشير الديك كان إضافة قوية للسينما المصرية سواء السينما الجماهيرية أو ذات المستوى الخاص.