بنفس الهدوء والبساطة والوضوح الذى يتميز به، وبنفس الرؤية الثاقبة والعلم الغزير الذى يمتلكه، تحدث الدكتور محمد معيط لـ « الجمهورية » فى حوار صريح، هو الأول له منذ تسلمه منصبه الجديد كمدير تنفيذى بصندوق النقد الدولى . . الخبرات الكثيرة والمزايا العديدة التى اكتسبها الدكتور معيط على مدار سنوات طويلة، جعلته ملما بالعديد من القضايا والاحداث، ومدركا لحجم التحديات التى تواجه مصر والمنطقة والعالم، يتحدث عنها بعمق وبفهم كبير، ليس فقط حول القضايا والتحديات المتعلقة بالاقتصاد المصرى، بل بالاقتصاد العالمى بصفة عامة..على مدار أكثر من ساعتين، تحدث الدكتور محمد معيط، عن حالة الاقتصاد المصرى بدقة شديدة، وكيف استطاع الصمود فى وجه تحديات وأزمات عالمية بدأت مع انتشار وباء كورونا عام 2020، وما نتج عنها من اغلاق الاقتصاد العالمى وتوقف النشاط الاقتصادى فى معظم دول العالم، ومرورا بالآثار الناتجة عن الحرب الروسية ـ الاوكرانية، ثم تداعيات الاحداث فى دول شقيقة وما سببته من نزوح الملايين من مواطنيها إلى مصر بلد الامن والامان، وحتى الحرب الاسرائيلية على غزة والخسائر التى تحملها الاقتصاد المصرى بسبب تراجع إيرادات قناة السويس نتيجة لتأثر الملاحة فى البحر الأحمر.. رغم كل هذه الأحداث وآثارها الضخمة، ظل الدكتور معيط متفائلا كعادته، مؤكدا أن الاقتصاد المصرى الذى نجح فى الصمود أمام العديد من الأزمات ولم ينكسر، قادر على أن يتعافى، وأن ينطلق الى آفاق ارحب لأنه يملك كل المقومات اللازمة لذلك.
> بداية الحوار كانت بسؤال مباشر من «الجمهورية» عن توصيف الوضع العالمى وما يعانيه من تحديات اقتصادية، والتى يتحمل المواطن المصرى تداعياتها بشكل كبير، وإلى أين نحن ذاهبون؟ أو بمعنى آخر الى أين يتجه العالم؟
>> أجاب د. محمد معيط دون تردد : الوضع الاقتصادى العالمى حالياً يشهد حالة من عدم اليقين عالية جداً، وهناك الكثير من الغموض حول ما سيحدث غداً، وبالتالى بدأ الكثير من الأشخاص الذين أتحدث معهم يقولون: «أنا لا استطيع تحديد ما سيحدث»، ومع ذلك، هناك طموحات تعمل على دفع الاقتصاد للأمام، على الرغم من الظروف الصعبة.
نحن نعيش الان فى ظل معادلات اقتصادية معقدة مثل ارتفاع معدل التضخم، ومعدلات الفائدة المرتفعة، والتوترات الجيوسياسية المستمرة، بالإضافة إلى تحديات المناخ وتأثيراته السلبية على النمو الاقتصادى
وإذا تحدثنا عن تأمين احتياجات العالم من السلع والطاقة فهناك حالة من القلق بشأن تأمينها بسبب عدم اليقين.. وبالتالى هناك تكلفة مرتفعة على الاقتصاد العالمى.
وأصبح من الواضح أن تحقيق أهداف الألفية 2030 يواجه صعوبات كبيرة. فعندما نتحدث عن أهداف مثل القضاء على الفقر، وتوفير التأمين الصحى الشامل، وخفض معدلات البطالة، وتحسين مستوى المعيشة، نكتشف أن هناك فجوة كبيرة بين ما تحقق حتى الآن وما هو ممكن تحقيقه بحلول عام 2030.
و عند النظر إلى هذه التحديات، يتضح أن القضاء على الفقر يتطلب أكثر من مجرد إرادة سياسية؛ وإنه بحاجة إلى تنمية اقتصادية حقيقية وتوفير تمويلات ضخمة لخلق فرص عمل.
هنا تكمن مشكلة كبرى تتعلق بالديون العالمية، والتي تجاوزت حالياً 100 تريليون دولار، أى حوالى 93 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 100 ٪ بحلول عام2030.
هذا الوضع يفرض تحديات كبيرة على تمويل مشاريع التنمية والخدمات الاجتماعية، لكن المشكلة لا تقتصر على الديون فقط، بل تمتد إلى خدمة الدين نفسها، والتى أصبحت عبئا ثقيلا على الدول المتقدمة والنامية على حد سواء ونجد أنه مع ارتفاع أسعار الفائدة، تزداد تكلفة خدمة هذه الديون، مما يعنى تقليص الموارد المتاحة لتمويل الأولويات الأخرى مثل التعليم والصحة.
أما التضخم، فهو عامل آخر يزيد من تعقيد الوضع. فارتفاع الأسعار يعود إلى الاضطرابات فى سلاسل الإنتاج والأزمات الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا والحروب المستمرة، خاصة فى أوروبا. وهذه الاضطرابات الاقتصادية أدت إلى زيادة تكاليف السلع والخدمات، وأثر ذلك بشكل خاص على الدول التى تعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجاتها الأساسية.
وما يزيد الوضع سوءاً هو تأثير العملات المحلية أمام الدولار فى الدول النامية والناشئة، حيث ترتفع تكلفة المنتجات بسبب ضعف العملات المحلية أمام الدولار، ما يؤدى إلى زيادة العبء على المواطنين ويشكل تحديا إضافياً للحكومات فى توفير السلع الأساسية.
لذلك فإن العالم بحاجة إلى إعادة التفكير فى إستراتيجيات التنمية العالمية، والعمل على تقليل التحديات الاقتصادية التى تعيق الوصول إلى تلك الأهداف.
> الجمهورية: وما الأسباب التى أدت إلى هذا الوضع الاقتصادى الذى يعيشه العالم اليوم؟
>> د. معيط: الوضع الاقتصادى الذى نعيشه اليوم هو نتيجة مجموعة من العوامل المتشابكة، التى تسببت فى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق. فمستويات الأسعار التى نشترى بها السلع والخدمات لم تعد كما كانت، بل ارتفعت بشكل ملحوظ نتيجة عدة أسباب تتراوح بين التضخم العالمى وتقلبات أسعار العملات. فالموجة التضخمية التى نشهدها اليوم تأتى نتيجة لاعادة تمويل تكلفة الدين فى ظل الارتفاع المتواصل لأسعار الفائدة، ما جعل تكلفة التمويل أعلى من ذى قبل.
فى السنوات الماضية، لم يكن هذا الوضع ملحوظاً كما هو الآن، لأن الفائدة كانت منخفضة فى العديد من الاقتصادات الكبرى مثل أوروبا وأمريكا واليابان. هذا يعنى أن تكلفة التمويل كانت أقل، وأسعار السلع كانت مستقرة إلى حد ما. لكن مع ارتفاع أسعار الفائدة فى تلك الدول، أصبحت تكلفة التمويل أكثر عبئاً على الحكومات والشركات، ما أدى إلى زيادة الضغوط الاقتصادية فى مختلف أنحاء العالم.
المشكلة الأكبر تكمن فى أن العديد من الدول، سواء كانت اقتصادات قوية أو ضعيفة، أصبحت تواجه عبئا كبيراً فى سداد ديونها. فهناك بعض الدول تتجاوز نسبة ديونها 250 ٪ من الناتج المحلى، وهو رقم يعكس مدى تفاقم الأزمة، وفى بعض الحالات، تجاوزت النسبة 100 ٪، وهناك دول أخرى من المتوقع أن تصل ديونها إلى 121 ٪ من الناتج المحلى. هذا يعنى أن هذه الدول ستكون مطالبة بمبالغ ضخمة لسداد ديونها، مما يعكس حجم التحديات التى تواجهها.
وعند النظر إلى الأرقام، نجد أن الديون فى بعض الدول وصلت إلى مستويات غير قابلة للاستدامة.. وإذا افترضنا أن دولة ما اقترضت مبلغاً ضخماً، فإن تأثير هذا الدين سيكون واضحاً فى ميزانيتها السنوية. ومع زيادة تكلفة الفائدة، تصبح هذه الميزانية أكثر إرهاقاً.
فعندما يزداد بند خدمة الدين، سواء كان داخلياً أو خارجياً، فإن الميزانية بالكامل تتأثر بشكل كبير، ويصبح من الضرورى تخصيص مزيد من الموارد لسد هذه الفجوة.
و هنا نصل إلى التحدى الأكبر الذى يواجه الدول فى هذه الفترة: كيف يمكنها التعامل مع العبء الكبير الناتج عن هذه الديون؟ وكيف يمكن إدارة هذه التحديات المالية فى ظل الزيادة المستمرة فى أسعار الفائدة والتضخم؟ هذه الأسئلة تتطلب حلولاً مبتكرة تتجاوز مجرد التقليل من التكاليف أو زيادة الضرائب، بل تتطلب استراتيجيات اقتصادية شاملة تهدف إلى تحسين الكفاءة الاقتصادية وتحقيق الاستدامة المالية على المدى الطويل.
> الجمهورية: إذاً ما الحل؟ وهل هناك خطوات محددة يمكن اتخاذها فى هذا الصدد؟ نسمع دائمًا عن مسئولية الدول الكبرى.. هل توجد خطوات يمكن للعالم أن يتبعها للتعامل مع هذه الأزمة وحلها؟ علما بأن الرئيس السيسى، فى أكثر من مؤتمر دولى، طالب بفكرة مساعدة الدول الفقيرة والنامية والناشئة فى تخفيف عبء الدين والفائدة.. هل هناك احتمال أن يحدث ذلك؟
>> د. معيط: هذا الموضوع يتناول جانبين رئيسيين، وأرى أن الجانب الأول هو الأكثر أهمية والمتعلق بالتضخم، حيث إن انخفاض التضخم سيؤدى إلى تراجع تكلفة التمويل.
فكلما انخفض التضخم، انخفضت أسعار الفائدة، ونحن نتابع عن كثب تحركات الفيدرالى الأمريكى، لأن جزءًا من تمويل العديد من دول العالم يرتبط بهذه التحركات. وبالتالى، كلما انخفضت أسعار الفائدة، فسيؤدى ذلك إلى تراجع الأعباء عن كاهل هذه الدول.
مرة أخرى، من مصلحة العالم كله أن يتعاون فى هذه المرحلة لدعم استقرار الاقتصاد العالمى، خاصة فى مساعدة الدول التى تواجه مخاطر اقتصادية بسبب عبء الديون. فالعديد من هذه الدول تعتمد على النشاطات الاقتصادية العالمية، ما يجعلها عرضة للمخاطر الاقتصادية الخارجية التى تؤثر بشكل كبير على اقتصادها. على سبيل المثال، الأوضاع فى البحر الأحمر أثرت على اقتصادنا فى مصر، ما يوضح كيف أن الأزمات الإقليمية تؤثر على الجميع. لذلك، من مصلحة العالم التعاون من أجل بناء آليات مستمرة تساعد الدول على تجاوز هذه المرحلة الحرجة، و هناك أدوات لهذا التعاون، مثل زيادة قدرة المؤسسات المالية الدولية على توفير التمويل. ويجب أن يكون هذا التمويل بتكلفة منخفضة وفترات سداد طويلة، مع شروط ملائمة لهذه الدول. لماذا؟ لأن الدول التى تحاول الحصول على تمويل بتكلفة مرتفعة ستواجه عبئا ثقيلا، بينما تستطيع المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، توفير تمويل منخفض التكلفة، لكن هذه المؤسسات بحاجة إلى زيادة رئوس أموالها لتتمكن من القيام بذلك بفعالية.
إحدى أهم وظائف مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين هى تقديم تمويل منخفض التكلفة للدول التى تمر بظروف استثنائية، ليس فقط لتغطية احتياجاتها الأساسية، ولكن لدعمها فى مواجهة أعباء الديون. وفى الواقع، حتى الدول ذات الاقتصادات المتوسطة أصبحت تحت نفس الضغوط، ما يستدعى وجود آليات جديدة للمساعدة. لذلك، أؤكد ضرورة الاستمرار فى دعم هذه الآليات لتوفير أدوات مالية دولية تساعد فى تعزيز النمو العالمى.
والمشكلة التى تؤرق الدول هى مدى استمرارية النمو العالمى، التقديرات تشير إلى النمو العالمى هذا العام سيصل إلى 3.2 ٪ ومن المتوقع أن ينخفض.
لكن لماذا يقلقنا هذا الانخفاض؟ لأن هناك قطاعات اقتصادية مرتبطة بشكل مباشر بالنمو العالمى. على سبيل المثال، إذا كان هناك تراجع فى السياحة أو الصادرات، فإن الاقتصاد العالمى سيتأثر بشكل كبير. فعندما لا تمتلك الدول ما يكفى من المال، لن تتمكن من تحفيز نموها أو تصدير منتجاتها. لذلك، يهمنى للغاية استمرار النمو العالمى، لأن النمو العالمى يعنى وجود حركة اقتصادية نشطة، مع استثمارات، وتجارة، وتصدير، وهذا يسهم فى خلق فرص العمل.
لهذا السبب، أعود وأؤكد أن أهم شيء فى هذه المرحلة هو أن الدول التى تعمل بجد وتحقق النمو ستتمكن فى النهاية من سداد ديونها.
> الجمهورية: هنا يأتى السؤال حول سمعة المؤسسات الدولية وكراهية الشعوب لها، على سبيل المثال، بمجرد أن تذكر صندوق النقد أو البنك الدولى، تلاحظ حالة من الرفض والانتقاد بسبب الشروط التى تفرضها.. هل يؤثر هذا فى تعامل الشعوب مع هذه المؤسسات؟ وهل هناك نية من هذه المؤسسات لتحسين سمعتها، خاصة فى دعمها للدول الناشئة؟
>> د. معيط: فى الحقيقة، أعتقد أن هناك قناعة راسخة بأن المساعدة فى تعزيز النمو، وخلق فرص العمل، وتحسين المستويات المعيشية للشعوب هى عناصر أساسية لاستمرارية واستدامة واستقرار الاقتصاد العالمى. وبناءً عليه، وبحكم وجودى فى صندوق النقد الدولى، أجد أن هناك تفهمًا لاستراتيجيات التواصل مع الشعوب وشرح البرامج، كما أن الاهتمام ببرامج الحماية الاجتماعية يُعد عنصرًا أساسيًا من عناصر الإصلاح. والإصرار على تضمين ذلك فى أى برنامج إصلاحى يتعلق بتعامل مع الفئات الأكثر عرضة لتبعات الإصلاح، فمن الضرورى أن يكون التعامل مع الآثار السلبية المترتبة على ذلك جزءًا لا يتجزأ من مكونات الإصلاح.
هذا الأمر أصبح من المسلمات الأساسية فى أى عملية إصلاح. وأعتقد أن هناك من يرى أن الإصلاح يعنى تحمل بعض الآلام، مثلما يحدث مع الطبيب أو الجراح. ولكن كان من المفهوم سابقًا أن الإصلاح قد يسبب المعاناة مثل التعب، البكاء، والصراخ. هذا ليس منهجيًا فى عملى، وأنا أحتاج إلى تقليل هذه المعاناة والتعامل مع الوضع بشكل أفضل. وحتى أن برامج الإصلاح دائمًا ما ترتبط بالحياة الاجتماعية.
> الجمهورية: هل دور هذه المؤسسات يقتصر على الشرح فقط ؟ هل مجرد شرح البرامج للشعوب هو المطلوب، أم أن هناك آليات أخرى؟
>> د. معيط: الشرح هنا هو جزء من توضيح الآليات التى يتضمنها البرنامج. فمثلاً، عند الحديث عن برامج الحماية فى بعض البلدان، يجب ضمان فاعليتها وضمان وصولها إلى الفئات الأكثر عرضة والأكثر تأثراً سلباً. يجب أن تكون هذه البرامج واضحة فى أهدافها، وكذلك تمويلها ينبغى أن يكون محددا فى البرنامج، إلى جانب ضمان استماعنا لآراء المجتمع.
نعم، كان فى الماضى، التركيز بشكل أساسى على مجتمع الأعمال، لكنه أصبح الآن يشمل أيضًا آراء المواطنين والمجالس النيابية. وبذلك، تصبح هذه الآراء جزءًا من عناصر ضمان نجاح البرامج و اجتيازها بسلام. والخبرة تعلمنا أن بعض البرامج قد تواجه مقاومة شديدة من المجتمع عند تنفيذها، لدرجة قد تتسبب فى إيقاف تنفيذها بسبب الضغوط على المواطنين. وعلى سبيل المثال فإننا فى مصر وجدنا الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما يرى أن هذه البرامج ستشكل عبئا على المواطنين، فإنه يقرر التوقف مؤقتاً لإعادة مراجعتها. ومع مرور الوقت، بدأت المؤسسات تتفهم هذا الأمر، وأظهرت مرونة فى التعامل مع هذه التحديات.
> الجمهورية: نحن أمام مجتمع يحتوى على دول كبرى متقدمة، وايضا مجتمع يضم دول متوسطة وناشئة مثل مصر تواجه تحديات ومعضلات، وسنطلق عليها كما سمّاها الدكتور محمود محيى الدين: «المربكات العالمية» هذه التحديات موجودة، ونحن ندفع ثمنها من خلال الحرب الروسية، ثم جائحة كورونا، وأيضًا الحرب فى غزة، إضافة إلى ما يحدث فى البحر الأحمر، هذا المشهد فى ظل وضع اقتصادى عالمى صعب، وكذلك فى ظل حالة عدم اليقين كما ذكرت حضرتك، لكن بالتأكيد لديكم فى صندوق النقد الدولى توقعات أنه خلال عامين أو ثلاثة معدلات النمو المستهدف عند 3.2 ٪ يمكن أن تتحقق أم أن الصورة غير واضحة تماماً ؟
>> معيط: للأسف التوقعات تشير إلى أنها سوف تنخفض.
> الجمهورية: فى ظل الوضع العالمى الحالى، هناك سؤالان مهمان: أولا هل نحتاج إلى إعادة النظر فى موازنات الدول؟ بمعنى كيف يمكن تشكيل موازنات الدول فى الوقت الحالى؟ وهل يجب إعادة قراءتها من جديد بحيث تتناسب مع الوضع الاقتصادى العالمى المتغير؟ ثانيًا، كيف ترى الاقتصاد المصرى من موقعك الدولى الحالى خاصة فى ظل تشكيك البعض فى قدرة الاقتصاد المصرى و فى التقارير الصادرة من الحكومة و عدم تصديق المواطنين لتقارير المؤسسات الدولية التى تمنح مصر تصنيفات ائتمانية ومعدلات نمو تفوق المعدلات العالمية، فى ظل الأزمات الحالية؟ حضرتك كيف ترى الوضع؟
>> د. معيط: دعنى أبدأ بالجزء الأول من السؤال. فى الواقع، هناك حاجة ملحة لأن تمتلك الدول مساحات مالية تسمح لها بالتعامل مع الصدمات غير المتوقعة فى المستقبل. فالمجهول فى الوقت الحالى يشمل العديد من التحديات، مثل التوترات الجيوسياسية أو الأمراض الجديدة. على سبيل المثال، اليوم نتحدث عن فيروس جديد فى الصين للأطفال، وهناك قلق من ظهور فيروسات أخرى قد تؤثر على العالم.
علاوة على ذلك، من الصعب التنبؤ بتطورات التوترات الجيوسياسية، وهو أمر غير مرئى فى الوقت الحالى. لذلك، يجب على الدول توفير مساحات فى موازناتها لمواجهة هذه الصدمات المحتملة.
المشكلة تكمن فى أنه فى حال لم تكن هناك مساحة مالية كافية، قد تواجه البلد صدمة ضخمة يصعب التعامل معها. ومع التغيرات المناخية التى تضاعف الأعباء، يصبح الأمر أكثر تعقيدًا. وهذا يتطلب أن تكون الدول مستعدة بتوفير مخزون مالى كاحتياطى لمواجهة أى تحديات غير متوقعة.
فكل دولة يجب أن تحدد أولوياتها بناءً على التحديات التى تواجهها. على سبيل المثال، بعض الدول فى أوروبا قد تواجه تحديات فى النمو السكانى، وبالتالى قد تخصص تمويلاً لدعم تشجيع النمو السكانى. بينما فى مصر، يوجد نمو سكانى كبير، يفوق قدرات الدولة و قد تكون الأولوية فى إدارة هذا النمو وتوفير فرص العمل.
أما إذا نظرنا إلى وضع الاقتصاد العالمى، نجد أن هناك العديد من التحديات التى تواجهه فمنذ عام 2020، مررنا بالكثير من الأزمات والصدمات.
وفى حالة مصر، هناك ضغوط داخلية وخارجية إضافية بسبب الوضع السكانى، و التحديات الاقتصادية، وأزمة الإقليم. ومن ناحية أخرى، لا بد من التفكير فى إيجاد حلول للمشكلات المتراكمة، مثل توفير الإسكان الاجتماعى والطاقة والبنية التحتية، بالإضافة إلى تحديات أخرى تتعلق بالنقل والمرافق.
هذه الضغوط تظهر بشكل واضح فى الوضع الاقتصادى، وهو ما ينعكس سلبًا على الوضع الاقتصادى و القدرة على النمو والتطور.
لكن من المهم فى مصر أن نتلاحم خلال هذه المرحلة لمواجهة التحديات المختلفة، سواء كانت داخلية أو نتيجة للظروف العالمية، وأن تكون الأولوية هى المرور من هذه المرحلة الصعبة بأمان، والحفاظ على استقرار الدولة. حتى تظل مصر متماسكة وقوية، على الرغم من جميع الأعباء التى تتحملها.
ما نمر به فى الوقت الحالى من أزمات اقتصادية وتحديات عديدة يعطينا دروسًا قاسية. لكن، علينا أن نكون على يقين بأن المرحلة المقبلة تتطلب تخطيطًا دقيقًا وإدارة حكيمة، حتى نتمكن من تجاوز هذه الأوقات الصعبة والوصول إلى مرحلة أكثر استقرارًا وازدهارًا.
> الجمهورية: هل المواطن العالمي فى الدول الغربية أكثر حظاً من المواطن المصرى؟
>> د. معيط: بحكم عملى الخارجى والتنقل المستمر، وجدت أن التضخم يسبب آلاماً شديدة فى الدول الأوروبية، أقل شيء أود ذكره أن أسعار السلع والخدمات فى هذه الدول تضاعفت ثلاث مرات .. ورغم أن التضخم بدأ فى التراجع إلا أن المواطن هناك لايزال يعانى من الحالة التضخمية وأثرها على مستوى المعيشة.
لا أنكر أن التضخم كان له تأثير كبير على الشارع المصرى، حيث عانى الجميع من تداعياته. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أننا نمر بفترة صعبة وسنتجاوزها معًا.
كما أذكر أنه فى عام 2016، عندما بدأنا تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى، كانت الأوضاع الاقتصادية صعبة للغاية، وكان الإصلاح مؤلمًا، لكننا تجاوزنا التحديات وبدأنا فى التعافى تدريجيًا.
نحن نحتاج إلى الحفاظ على صمودنا، لأن الوطن هو الأساس، وكل التحديات ستزول إذا بقيت عزيمتنا قوية.
نجد أنه بحلول عام 2017 بدأت الأوضاع فى التحسن ، وبدأ الناس خلال الفترة من عام 2018 وحتى 2019 يشعرون بثمار الإصلاح الاقتصادى تدريجياً، إلى أن جاء فيروس كورونا فى 2020.
لكن هل كان من الممكن تجنب ذلك؟ هل كنت أنا من تسببت فى كورونا؟ هل كنت أنا من بدأت الحروب أو رفع أسعار البترول من 50 إلى 150 دولاراً للبرميل؟ هل كنت أنا من رفعت أسعار القمح من 180 إلى 550 دولاراً؟ لذلك، عندما أتحدث عن التفاؤل، نعم، أنا متفائل بوضع مصر الاقتصادى.
> الجمهورية: لماذا ترى التفاؤل فى الوضع الحالى؟ أنا كمواطن ألاحظ أن الدولة تطلب قرضا من صندوق النقد الدولى كل عام، كما أن أسعار السلع والخدمات ترتفع باستمرار كيف يمكن تفسير ذلك ؟
>> د.معيط: أنا متفائل رغم كل هذه الأزمات، لأننا لدينا القدرة على التحمل فعندما نمر بمشاكل، قد نشعر وكأننا لا نستطيع الخروج منها، ونشعر بالضيق ولكن فى الواقع، هناك دائما أمل إذا تحملنا الألم قليلا، سنبدأ فى التعافى تدريجيا.
الاقتصاد المصرى قادر على التعافى من الآثار السلبية التى تراكمت منذ 2020 حتى الآن، لكن هذا يتطلب صبرا وتضافر الجهود.
أعتقد أنه مع تزايد دور القطاع الخاص فى الدولة، وزيادة الاستثمارات، سنتمكن من التغلب على التحديات الوضع الحالى صعب، وأنا متفائل بأننا سنتحرك نحو التحسن خلال عام 2025 إذا استمررنا فى العمل على ذلك، فسنشهد تحسنا ملموسا فى السنوات القادمة.
أنا متفائل لأننى أشعر أن مصر قادرة على تجاوز هذه الفترة الصعبة فبعد الأزمات التى مررنا بها منذ 2020، تزداد قوتنا، وكما أشار الأستاذ مصطفى أمين فى مقولته الشهيرة: «الأزمة التى لا تقويني، تكسرني» وأنا لا أريد أن تكسرنا هذه الأزمات، بل أريدها أن تقوينا، حتى نخرج منها أقوياء.
> الجمهورية: من خلال منصبكم فى صندوق النقد الدولي، ما رؤية الصندوق للاقتصاد المصري؟ وهل تتفهم ادارة الصندوق كل هذه التحديات؟
>> د. معيط: أنا اعتقد أن هناك تقديرا كبيرا جدا من إدارة الصندوق لسيادة الرئيس السيسي، وتقديرا كبيرا جدا لمصر ودورها وأهمية استقرارها واستدامة وضعها، لان مصر خلال السنوات الماضية استطاعت ان تكون رمانة الميزان فى المنطقة.
فإدارة الصندوق متفهمة جدا للوضع الحالى فى مصر لأنه منذ 2020 حتى الآن ومصر تتحمل كل الاعباء الناتجة عن كورونا وتبعات الحرب الأوكرانية وكذلك الحرب فى غزة بالاضافة إلى الموجة التضخمية التى تواجه معظم الاقتصادات، بالاضافة إلى نصف مليون طفل يولد سنويا، ومليون خريج سنويا يحتاج فرصة عمل ، وكذلك كمية اللجوء إلى مصر من دول شقيقة تمر بظروف صعبة وترى أن مصر مكان آمن لها. حتى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى عبر عن هذه التحديات صراحة وعلانية وإدارة الصندوق يرون ذلك بأعينهم ويضعونه فى الاعتبار ومن ثم يقومون بتقسيم هذة الآثار السلبية وتأثيرها على أوضاع الاقتصاد المصري، والحمد لله أنه تم الاتفاق على المراجعة الرابعة ولدى تفاؤل شديد من أن المراجعات القادمة أفضل ولدى نفس التفاؤل من أننا سنخرج من هذا البرنامج أقوياء بحيث انه يمكننا الاعتماد على أنفسنا واحتياجنا للمؤسسات المالية الدولة سيصبح أقل.
هذا التفاؤل ينبع من قوة واستمرارية الاقتصاد المصرى لمدة خمس أو ست سنوات وقدرته على امتصاص كل هذه الصدمات والازمات.
> الجمهورية: الاقتصاد المصرى مر بالكثير من الازمات والامتحانات وأثبت صلابة شديدة فى مواجهة كل هذة التحديات هل يمكن أن تلخص هذه المرحلة فى كلمتين خاصة انكم كنتم داخل «مطبخ صناعة القرار »؟
>> د.معيط: هنا لابد من التفرقة بين أمرين أنا كمواطن فى الشارع اهتمامى الاول سيكون حول ما امتلكه، وما أستطيع شراءه بما لدي، وهذا هو معيار القياس بالنسبة للمواطن. والثانى كمريض يذهب إلى الطبيب وهو يصرخ من الالم والطبيب يرى أن المريض سوف يعانى لبعض الوقت ولكنه سوف يتعافى مع مرور الوقت أنه يمكنه أن ينمو مرة أخرى وأثار ذلك على معدلات النمو حيث كنا نطمح أن نصل إلى 6 ٪ أو 7 ٪ وبالفعل تخطينا 5 ٪ ولكن كل هذة الازمات التى عصفت بالكثير من الاقتصادات أدت إلى تراجع معدلات النمو ولكن يمكننا أن نعود مرة أخري.
ترجمة ذلك بالنسبة لى هو وأننى أقوم ببناء مستشفى أو مدرسة أو أفتتح محطة مترو جديدة فمن خلال ذلك أستطيع توفير فرص عمل وأن أعطى مرتبات فأنا أؤمن بالاقتصاد المصرى وقدرته على الصمود، والتحديات والازمات خلال الفترة الماضية لم تستطيع أن تقصم ظهره أو تكسره ولكنها جعلته يتألم، لكنه سوف ينهض مرة أخرى وسيخرج من هذه الازمة ليعوض المواطن والذى تحمل الكثير من الاعباء خلال السنوات الماضية ولنا خير مثال على ذلك ففى 2017 قامت الدولة باعطاء وعمل زيادات كبيرة فى المرتبات والمعاشات بنسب أكبر من نسب معدلات النمو لتعوضه عن الآثار السلبية التى مر بها الاقتصاد ككل.
> الجمهورية: هل يقدم صندوق النقد الدولى برامج حماية اجتماعية للدول المتعاملة معه أم لا ومن خلال منصبكم داخل الهيئة التنفيذية للصندوق كيف تخدم مصر؟
>> د. معيط: هناك خلط بين اختصاصات البنك الدولى واختصاصات صندوق النقد الدولي. فالبنك الدولي يعمل فى الأساس على تمويل برامج مرتبطة بالتنمية، مثل تكافل وكرامة، التأمين الصحى الشامل، وتطوير التعليم، وهى برامج تهدف لتحسين جودة الحياة وخلق فرص عمل و على المدى الطويل، لمدة 10 أو 20 أو 30 سنة.
لكن صندوق النقد الدولي دوره الأساسى يتركز على التدخل فى فترات الأزمات الاقتصادية، لتقديم برامج تساعد الدول على استعادة الاستقرار للاقتصاد الكلي. وقد نجد انه عند تنفيذ هذه البرامج، تظهر أحيانًا آثار سلبية على الفئات الأكثر عرضة للتأثر، مثل ارتفاع الأسعار وتقليل الدعم لذلك، بدأ الصندوق يضع برامج حماية اجتماعية بالتوازى مع الإصلاحات الاقتصادية، لتخفيف العبء على هذه الفئات، الآن أصبح الصندوق يهتم بإدراج برامج الحماية الاجتماعية كجزء من الإصلاحات. على سبيل المثال، فى الاتفاق الأخير بين السلطات المصرية وصندوق النقد، ستجد هذا التوجه واضحًا. لكن تجدر الإشارة إلى أن مصر لديها برامج حماية اجتماعية مستقلة تمامًا عن الصندوق أو البنك الدولي، مثل برامج التمويل لمشروعات فى جنوب مصر أو دعم الصناعات الصغيرة، وهذه تتم من خلال مؤسسات أخرى مثل بنك التنمية الأفريقى والإسلامي.
وعن دورى بمجلس المديرين التنفيذيين فى صندوق النقد يتكون من 25 عضوا تعرض عليهم القرارات للمناقشة ومن ثم الموافقة عليها أو لا، ومنهم من يمثل دولة معينة كالصين والولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وفرنسا وروسيا وذلك لان هذه الدول لديها حصة من رأس مال الصندوق ومنهم من يمثل مجموعة من الدول، وأنا أمثل 12 دولة عربية من بينها مصر بالإضافة إلى المالديف، ومهمتى هى مراعاة كل ما يتعلق بهذه الدول سواء من لها برامج مع الصندوق أو من تتناقش كل عام للاطلاع على المؤشرات الاقتصادية الخاصة بها أو ما يعرف بالبند الرابع.
> الجمهورية: منذ سنوات طويلة ونحن نتحدث عن تحسن مناخ الاستثمار فى مصر وفى حديث من وقت قريب لوزير الاستثمار قال بان المناخ الاستثمارى فى مصر ما زال يحتاج الكثير من الاستثمارات فماذا ينقص مناخ الاستثمار فى مصر خاصة أن لدينا دولا شقيقة حققت الكثير من النجاحات الاستثمارية كالامارات والمغرب؟
>> د. معيط : لابد أن ندرك أن الإصلاح الاقتصادى عملية مستمرة لاتنتهي، وهناك جهود كبيرة لتحسين مناخ الاستثمار، ولكننا بحاجة لمزيد من الخطوات على سبيل المثال، يجب العمل على تسهيل الإجراءات، وتحفيز الاستثمارات للقطاع الخاص الأجنبى والمحلى بشكل أكبر فالتحديات لا تنتهي، وكل وزير أو مسئول يضع أولويات تتناسب مع الموارد المتاحة كوزير مالية سابق، كنت أركز على زيادة الإيرادات لتلبية الاحتياجات أما وزير الاستثمار، فمهمته تهيئة مناخ يساعد المستثمرين على تحقيق أرباح، مقابل توفير فرص عمل للشباب التوازن بين الإيرادات والإنفاق، وبين تحفيز الاستثمار وتحقيق العدالة الاجتماعية، هو ما نصبو إليه جميعا.
> الجمهورية: هناك مشكلات يعانى منها بعض المستثمرين فى مصر، أبرزها تعدد جهات الرسوم مما يجعل المستثمر، أثناء دراسة جدوى مشروعه، يكتشف أنه مُطالب بأعباء إضافية قد تؤثر على قدرته على تحقيق الأرباح المخططة.
أما النقطة الأخرى فتتعلق بالمساندة التصديرية. فى ظل الحديث عن الإيرادات من قناة السويس، يمكننا تعويضها من خلال زيادة دعم الشركات المصدرة لجلب العملة الأجنبية ومع تقليص الدعم التصديري، السؤال هو: كيف سيؤثر ذلك على هذه الشركات التى تسعى إلى زيادة صادراتها لتعزيز موارد النقد الأجنبي؟
وأيضًا فيما يخص ملف توطين الصناعة والمبادرة الحالية لدعم توطين الصناعة بنسبة 30 ٪ ترى بعض المصانع أنها غير كافية لشراء الآلات والمعدات فهل نحن بحاجة إلى مبادرات إضافية لدعم القطاع الصناعي، وإعادة تشغيله، وتعزيز نسبة المكون المحلي؟
وأخيرًا يدور النقاش الآن حول تطبيق نظام الدعم النقدي. السؤال هنا: ما هو الشكل الأمثل للدعم النقدي؟ وكيف يمكن ضمان تحقيقه لأهدافه المتمثلة فى توجيهه للمستحقين بكفاءة؟
>> د. معيط سأبدأ بالاجابة على السؤال الأخير.. نجاح أى منظومة يعتمد على قياس فعاليتها فى تحقيق الأهداف الاستراتيجية، مع تقليل الفاقد وسوء الاستخدام، والتحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى قد يتطلب تدريجًا، أو تجربة التطبيق فى مناطق محددة، وإعطاء فرصة للاختيار لان نجاح التجربة مرهون بمرونتها لمواكبة التضخم وضمان اقتناع الجميع بأهميتها لتحقيق الحماية الفعالة للمحتاجين ولدى يقين تام بأن ما يتم الآن هدفه الاساسى هو وصول الدعم لمستحقيه.
أما بالحديث عن البحث عن مصادر النمو وتحديد القطاعات الاقتصادية التى يمكن أن تحقق هذا النمو ليس كل الدول تستطيع تحقيق نمو اقتصادى من نفس القطاعات، فمثلاً الصين تساهم بــ 28 ٪ فى الاقتصاد العالمى ونجد أن مشاركتها فى النمو العالمى تأتى من التصدير والاستثمارات، أو الإنفاق على الاستهلاك، وغيرها من المجالات وحتى الآن، تم تحقيق تقدم كبير جدًا فى تعزيز النمو من خلال زيادة الإنفاق الاستهلاكى والاستثمارات المحلية فالنمو يعتمد بشكل كبير على التصدير والاستثمارات، لكن يجب أن نحدد القطاعات الأكثر إنتاجية لتحقيق هذا الهدف من بين القطاعات المهمة، القطاع الإنتاجي، قطاع التشطيب، وقطاعات أخرى مختلفة.
فاليوم، نحن بحاجة إلى زيادة التصدير وتقليل الاعتماد على الواردات بقدر الإمكان لتقليل فاتورة الواردات وتعزيز الإنتاج المحلى كل هذا يتطلب منا وضع استراتيجيات فعّالة لتحقيق أهداف النمو.
> الجمهورية: الدول النامية، وخاصة فى إفريقيا، تواجه تحديات كبيرة مثل مخاطر المجاعة ونقص المياه والآثار الناتجة عن التغيرات المناخية هذه الدول تحتاج إلى برامج فعالة من الصندوق لمواجهة هذه التغيرات، وليس فقط الاعتماد على دعم الدول الكبري، لأن عدم الاهتمام بها سيؤدى إلى تفاقم التهديدات المناخية بشكل عام؟
> هل الصندوق الدولى يمكن أن يكون له دور كبير فى هذا الشأن من خلال تقديم تمويل ميسر للدول النامية لمساعدتها على التكيف مع التغيرات المناخية؟
>> د. معيط: الحديث هنا ليس فقط عن التخفيف من الآثار السلبية، بل عن إيجاد حلول مستدامة لهذه الدول التى تتحمل أعباءً كبيرة دون أن تكون مساهمتها فى التلوث أو التغيرات المناخية كبيرة.
التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الملوثة، هو أحد الحلول، لكنه مكلف جدًا كذلك معالجة قضايا المياه، والتصحر، وتآكل السواحل، كلها تتطلب موارد مالية هائلة والعدالة هنا تعنى أن تتحمل الدول الأكثر تلويثًا مسئولية أكبر فى تمويل هذه الحلول.
وصندوق النقد الدولى بدأ فى تبنى أدوات تمويل جديدة مثل «صندوق الاستدامة»، الذى يُعنى بدعم الدول النامية لمواجهة التحديات المناخية كما أن هناك تعاونًا بين المؤسسات المالية الدولية والبنوك التجارية لتوجيه التمويلات نحو مشاريع مستدامة تقلل من الآثار السلبية على البيئة.
المطلوب الآن هو تعزيز هذا الاتجاه وتحفيز الدول والمؤسسات المالية على تحمل مسئولياتها تجاه التغيرات المناخية، بما يضمن مستقبلاً أكثر استدامة وعدالة.»
> الجمهورية : هناك محاولات لتجمعات مثل البريكس، فى التعامل بالعملات المحلية، هل ممكن لهذه المحاولات ان تخفف من اعباء القروض وتكلفة التمويل؟
>> د. معيط: فكرة أن الدول قد تتبادل التجارة فيما بينها باستخدام عملاتها المحلية هى أمر يعود لقرارات الدول ذاتها. ولكن لكى تصبح عملة معينة عملة دولية أو عالمية، هناك متطلبات يجب تحقيقها. حاليًا، توجد عملات عالمية مثل الدولار، اليورو، واليوان الصيني، التى تلبى هذه المعايير. ولا يوجد ما يمنع التفكير فى عملات دولية جديدة فى المستقبل، بشرط أن تتوافر المتطلبات اللازمة لذلك على سبيل المثال، اليورو لم يكن موجودًا فى الماضي، لكن الاتحاد الأوروبى عمل على تحقيق الشروط الضرورية لابتكار هذه العملة وتداولها على نطاق واسع. الأمر يعتمد بشكل أساسى على اتفاق الدول وتنسيقها لاستخدام عملة معينة بما يتناسب مع اقتصاداتها.
> الجمهورية: برنامج الطروحات كان جزء من برنامج الاصلاح الذى تنفذه مصر، برأيك، هل هناك سوء فهم لدى البعض بشأن هذا البرنامج؟
>> د. معيط: عملية الطروحات وإدارة الأصول تعتمد بشكل أساسى على تحقيق الكفاءة والقيمة المضافة، الفكرة هنا ليست أن الدولة هى المالك الوحيد، بل أن هناك جهات أو أفراد قد يكون لديهم كفاءة أعلى فى الإدارة. عندما تتحسن إدارة الأصل، تزداد قيمته؛ على سبيل المثال، أصل قيمته 100 يمكن أن تصل قيمته إلى 200 مع إدارة أكثر كفاءة.
الكفاءة فى الإدارة تضيف قيمة كبيرة، وهو أمر تتبناه العديد من دول العالم، حيث تسعى لجلب أفضل الكفاءات لإدارة الأصول، سواء فى القطاع العام أو الخاص. وعندما تقرر الدولة زيادة مساهمة القطاع الخاص فى الاقتصاد، فهى تتيح فرصًا أكبر للاستثمار وتتيح للأطراف الأكثر كفاءة إدارة هذه الأصول لتحقيق أفضل النتائج.
> الجمهورية: ما هى رسالة الطمأنينة للمواطن البسيط، وما المطلوب منهم لدعم الوضع الحالي؟ وما هى الرسالة المطلوبة للمستثمرين لتوضيح دورهم ومسئولياتهم فى تعزيز الاقتصاد من خلال أعمالهم؟
>> د. معيط : أنا مدرك تمامًا أن المواطن يشعر بتحديات الوضع الاقتصادى والأسعار، وهذه ليست المرة الأولى التى تواجه فيها مصر تحديات كهذه عبر تاريخها. ما أريد تأكيده بشكل قاطع، ومستعد لتكراره حتى آخر يوم فى حياتي، هو أن الحفاظ على مصر واستقرارها وسلامتها يأتى فوق كل اعتبار. نعم، قد نمر بفترات صعبة، لكن بعد كل عسر يأتى يسر. أما بالنسبة للقطاع الخاص ورجال الأعمال، فإننا بحاجة إلى تكثيف الجهود وزيادة الإنتاجية. يجب علينا العمل على خلق فرص عمل جديدة، لأنها الطريق الأمثل لتحقيق الدخل وتحقيق الحماية الاجتماعية. الحل ليس فقط فى تقديم الدعم المباشر، بل فى توفير فرص عمل تمنح الناس القدرة على بناء حياتهم بكرامة واستقلالية.
أريد أن أوضح نقطة هامة تتعلق بالاقتصاد. عندما يقوم الأفراد بوضع أموالهم فى البنوك للحصول على عائد معين، فإن البنوك بدورها تستثمر هذه الأموال، سواء من خلال شراء أذون خزانة أو تمويل المشاريع، لتقديم العائد للمودعين وتحقيق أرباح تدفع منها الضرائب للدولة.
لكن، المشكلة الأساسية التى تواجهنا هى التضخم، التضخم سرطان أى اقتصاد، علينا أن نركز على معالجة الأسباب الحقيقية وراء التضخم، وليس فقط التعامل مع نتائجه. التضخم مرتبط بزيادة الإنتاج؛ فالتوازن بين العرض والطلب هو المفتاح. إذا احتاج السوق 100 وحدة من سلعة معينة وتم إنتاج 150 وحدة، سينخفض السعر بسبب الفائض. أما إذا كانت الكمية المنتجة أقل من المطلوب، فسترتفع الأسعار.
لذلك، الحل يكمن فى تعزيز الإنتاجية وزيادة العرض بما يواكب الطلب. عايشنا فترات فى 2018 و2019 و2020 عندما تراجع التضخم إلى مستويات منخفضة وصلت إلى 4 ٪ تقريبًا، مما سمح بتخفيض تكلفة الاقتراض. التحدى الآن هو إعادة تحقيق هذا التوازن من خلال الإنتاج والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للتضخم.»
> الجمهورية: فى الخمسة وعشرين مدير تنفيذى فى الصندوق بيقولوا لحضرتك ايه عن مصر؟
>> د. معيط: انضممت للصندوق منذ فترة قصيرة لكن تأكد ان هناك تعاطف وتفهم قوى جدا جدا جدًا، من المديرين التنفيذيين لمصر. ولذلك اتوقع ان شاء الله فى مناقشة المراجعة الرابعة ان هيكون هناك دعم قوى لمصر.
> الجمهورية: اسألك ليس كمسئول دولى وانما كخبير، ماهو حجم الاستثمارات الذى تحتاجه مصر سنويًا حتى تتحرك؟
>> د. معيط: ما تحتاجه مصر من استثمارات سنوية كى تتحرك اقتصاديًا ليس مجرد رقم يمكن تحديده بسهولة، الاستثمار مرتبط بمعدل النمو المستهدف، وهذا النمو بدوره يتأثر بالظروف الاقتصادية المحلية والدولية. فمثلاً، أوروبا لا تشعر بقلق شديد إذا كان نموها الاقتصادى بحدود 1 ٪ أو 1.5 ٪، لأن لديها استقرارًا سكانيًا، ولا تحتاج إلى استثمارات ضخمة لتلبية الاحتياجات مثلما تحتاج مصر.
لكن فى مصر، مع النمو السكانى الكبير، نحتاج إلى استثمارات ضخمة لتلبية احتياجات الشعب من مدارس ومستشفيات وطرق وخدمات أساسية. فمثلاً، إذا كان فى منطقة ما يعيش 20 ألف شخص، ولكن بعد مرور سنوات أصبح عدد السكان 300 ألف، فهل البنية التحتية من مدارس ومستشفيات ستظل كافية؟ بالطبع لا. ولذلك، نحتاج إلى زيادة فى الاستثمارات بشكل كبير.
معدل نمو الاقتصاد يجب أن يكون مرتبطًا بالنمو السكاني. إذا كان النمو السكانى 2 ٪، يجب أن يكون النمو الاقتصادى 6 ٪ أو أكثر كى نتمكن من تلبية احتياجات المواطنين. هذا يعنى أن الاقتصاد يجب أن ينمو بمعدل 6 ٪ سنويًا، وهو يتطلب تمويلاً كبيرًا، سواء من داخل الدولة أو من الخارج، لتغطية تكاليف المشاريع والبنية التحتية الجديدة.
> الجمهورية: هل يقلقك سعر الجنيه امام الدولار ام معدلات التضخم؟
>> د. معيط: السيطرة على التضخم هى أولوية كبرى لأنها تؤثر بشكل مباشر على كل من الأفراد والشركات. إذا تمكنا من السيطرة على التضخم، سنتمكن من تحقيق الاستقرار الاقتصادى والنمو المستدام، التضخم هو السرطان.
> الجمهورية: ما الفرق الذى تشعر به بين كونك وزيرًا للمالية وبين كونك مديرًا تنفيذيا لصندوق النقد الدولي؟
>> د. معيط : الله يكون فى عون القيادة السياسية والحكومة و وزير المالية، لانها مسئولية وما بعدها مسئولية فى ظل هذه الظروف الصعبة.