يُخيل إليَّ أن الرصيف البحرى المؤقت الذى تنوى الولايات المتحدة تشييده على ساحل غزة فى البحر المتوسط ما هو إلا ثغرة فى جدار الحق الفلسطيني، كتبت هنا منذ أيام متسائلا بكلمات وأدوات مهذبة عن احتمالات وجود نوايا وخطط غير مرئية من وراء تدشين هذا الرصيف، استخدمت مفردات «ربما» و»قد» وهى مفردات صيغت فى المدارس الدبلوماسية العريقة، لكن الحقيقة أننى لا أتحمل مزيدا من المراوغات السياسية ولا أستطيع أن أدور فى مداراتها مغمض العينين، مبدئيا وبشكل واضح رفضت الدولة المصرية تصفية القضية عن طريق سياسة التهجير اياً كان شكله وتوصيفه سواء أكان إجباريا أم اختياريا، تعرضت مصر لضغوط شديدة وتكبدت خسائر ضخمة ودفعت فواتير عديدة، كانت خطوط مصر الحمراء شديدة الوضوح، واتضح للجميع ان مصر لن تقبل مهما كانت التحديات والتداعيات بصفقة تفضى إلى نقل الفلسطينيين إلى سيناء، من هنا وبعد أن أغلقت مصر هذا الملف تم صرف الأنظار عن هذه الجزئية بمنمنمات أخرى من عينة المساعدات الإنسانية براً وجواً والوصول إلى هدنة إنسانية والعراقيل التى وضعت ومازالت أمام تلك المحاولات المصرية الصادقة لوقف نزيف الدم الفلسطينى المراق، بيد ان – وربما – الولايات المتحدة قد استلمت قائمة الأوامر الاسرائيلية بسرعة تشييد ميناء أو رصيف بحرى تحت عنوان ادخال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين وهو العنوان الذى لا يملك أحد أن يقف أمامه بالنقد أو الهجوم أو التشكيك، فأى اجراء أو تحرك يساعد فى التخفيف عن اشقائنا المنكوبين فى القطاع فلابد وان يكون موضع دعم وتشجيع من الجميع ومن هنا لا أستطيع ان أهاجم من يدعم المشروع من جانب العرب والفلسطينيين، فأهدافهم نبيلة وراسخة وليست موضع شك ! لكن وفيما يبدو ان الهدف الأمريكى الأساسى وكما ذكرنا هنا من قبل وعلى استحياء هو تجهيز رصيف لنقل الفلسطينيين خارج أراضيهم تحت ضغوط القتل والتجويع، إسرائيل ستواصل القصف والقتل والتجويع ولن يكون امام الفلسطينيين إلا الفرار من القتل والى اى مكان، هنا سيفتح الميناء أبوابه وتكون السفن والمراكب منتظرة على السواحل لتشحن وتنقل السكان الأصليين إلى مناطق وبلدان أخرى ربما تم الترتيب معها مسبقا، نفس صورة وطريقة وآلية وصول السفن المحملة باليهود والصهاينة من أوروبا إلى الأراضى الفلسطينية قبل عقود مضت وتحت الرعاية البريطانية، فهل يعيد التاريخ نفسه ويتم استكمال المخططات الصهيونية بإخراج السكان وطردهم من بلادهم عن طريق البحر وبرعاية أمريكية هذه المرة؟ بيد أن هناك خطة لا أعلم أبعادها ولا حدودها ولا تفاصيلها لكننى أشتم رائحتها، خصوصا أن تنظيم الإخوان وكتائبه الاليكترونية لم يهاجموا المشروع كعادتهم ولم يوجّهوا سهامهم تجاهه حتى الآن، وأنا أعرف طريق الحق بسهام اعدائي، وسهام اعدائى لم توجه لهذا المشروع وهذا يعنى انه باطل وخراب، وهنا لابد من التأكيد على أن مصر تحملت ما لم تتحمله دولة أخرى فى سبيل الحفاظ على الحق الفلسطيني، لذلك ادعو الجميع إلى الانتباه والتدقيق وعدم التسرع، فربما كانت الولايات المتحدة تزرع شجرة ليستظل بها الفلسطينيون لكن أخشى ان تكون تلك الشجرة هى «شجرة الزقوم» والتى لا تنبت إلا فى قعر جهنم.