العلم هو السبيل الصحيح لرقى الأمم وسر تقدمها.. ودراسة العلوم الدنيوية، لا تنافى دراسة العلوم الشرعية.. بل يكمل كل منهما الآخر ولا استغناء للمسلم عن أحدهما.. حيث كان العلماء الأوائل يجمعون بين علوم الدنيا والآخرة.. أمثال ابن سينا صاحب كتاب القانون فى الطب، وأبوبكر فخر الرازى فى الجراحة، والحسن بن الهيثم المعروف فى أوروبا باسم الحسن أو الحازن- أبوالبصريات ورائد المنهج العلمى وغيره من علماء الشريعة واللغة والأدب.
لماذا يقصد طلاب العلم من الدول العربية والافريقية، بل والأوروبيون والآسيويون حتى من أمريكا مصر؟، لأن بها علماء يجمعون بين علمى الدنيا والآخرة باقتدار.
من علماء مصر المعاصرين مشرفة وسميرة موسى والمشد وزويل والباز ويعقوب ومصطفى السيد وحمدان وعازر وغيرهم، لا يحصى عددهم.. استطاع هؤلاء ومن على شاكلتهم أن يعلموا الدنيا بأسرها، كانت مصر قبلة العلم وينبوع العلماء ومقصد طالبى العلم من كل مكان على الكرة الأرضية، منذ فجر التاريخ، ومصر رائدة بأزهرها الشريف الذى نشر العلوم الشرعية والعملية فى ربوع الأرض شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً.
طلاب العلم الوافدون لم يقصدوا مصر ترفاً، وإنما أتوا إليها لينهلوا من معين علمائها فى شتى المجالات، فى الفقه والحديث والتفسير والعقيدة والاقتصاد والقانون والطب والصيدلة والفلك والكيمياء والفيزياء، وكل ما يتعلق بعلوم الدنيا والآخرة.. والأزهر الشريف بأروقته خير شاهد على ذلك منذ أكثر من ألف عام.
لوقت قريب كنت أظن أن الوافدين من بلاد الدنيا يفدون إلى مصر ليتعلموا فى الأزهر الشريف فحسب.
إن جامعات مصر فى طول البلاد وعرضها تعج بالدارسين من جميع دول العالم، ثقة فى مناهج وعلماء هذه الجامعات العتيقة، التى تصنف عالمياً ضمن الأوائل المشهود لها بالاقتدار والحزم والثقة من الجامعات العالمية.
زيادة أعداد الدارسين بالجامعات المصرية من الخارج، تعد شهادة على صدور علمائها، الذين يسابقون الزمن بأبحاثهم ومؤلفاتهم واكتشافاتهم.. كيف لا ومصر بها نحو 115 جامعة حكومية وأهلية وخاصة من أعرق الجامعات فى العالم، والتى يتخرج فيها أعداد لا حصر لها كل عام.
منذ أسبوع كنت على موعد مع كلية طب أسنان جامعة القاهرة، فوجئت بمن تولى الكشف عليّ، اثنان من الأطباء الأردنيين تحت إشراف أستاذ كبير بالكلية، وتم تحويلى على الفور لتنظيف الأسنان إلى طبيبين من السودان، وكذلك تحت إشراف أستاذ مصرى، وبعد اتمام المهمة نقلت لحشو بعض الضروس وإذ بمن يقوم بمهمة الحشو طبيبة موريتانية وأخرى مصرية، كذلك تحت إشراف أستاذ مصرى.. فى نهاية الأمر، اكتشفت أن معظم من قاموا بعلاجى وافدون عرب وكنت أنا امتحان التخرج وكلهم حصلوا على تقدير «امتياز»، وعند إعلان الأساتذة للتقدير هتف الخريجون الأشقاء العرب «تحيا مصر» وهم يبكون من الفرح وهم يشكروننى ويقبلوننى من الفرح.. والحمد لله قاموا بمهمتهم على أحسن حال.. فقلت لنفسى على طريقة الأمثال الشعبية.. حقاً «اطلبوا العلم من مصر».