جعل الله تعالى الاختلاف سببا للائتلاف
شهاب الدين الابشيهى فى كتابه «المستطرف فى كل فن مستظرف» يقول فى الفصل الثانى فى القناعة والرضا بما قسم الله تعالي..جاء فى تفسير قوله تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة.. أن المراد بها القناعة.
وقال صلى الله عليه وسلم: «القنــاعة مــال لا ينفد». وقيل: يا رسول الله ما القناعة؟ قال: «الأياس مما فى أيدى الناس وإياكم والطمع فإنه الفقر الحاضر».. وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه من القناعة بالجانب الأوفر، وإنه كان يشتهى الشيء فيدافعه سنة.
قال الكندي: العبد حر ما قنع … والحرّ عبد ما طمع
وقال بشر بن الحارث: خرج فتى فى طلب الرزق، فبينما هو يمشى فأعيا، فآوى إلى خراب يستريح فيه، فبينما هو يدير بصره إذ وقعت عيناه على أسطر مكتوبة على حائط، فتأملها فإذا هي:
إنى رأيتك قاعدا مستقبلى … فعلمت أنك للهموم قرين
هوّن عليك وكن بربّك واثقا … فأخو التوكّل شأنه التهوين.. طرح الأذى عن نفسه فى رزقه … لمّا تيقن أنّه مضمون
قال: فرجع الفتى إلى بيته، ولزم التوكل وقال: اللهم أدّبنا أنت.
قال الجاحظ: إنما خالف الله تعالى بين طبائع الناس ليوفق بينهم فى مصالحهم، ولولا ذلك لاختاروا كلهم الملك والسياسة والتجارة والفلاحة وفى ذلك بطلان المصالح، وذهب المعايش، فكل صنف من الناس مزين لهم ما هم فيه، فالحائك إذا رأى من صاحبه تقصيرا أو خلفا قال: ويلك يا حجّام والحجام إذا رأى مثل ذلك من صاحبه قال: ويلك يا حائك، فجعل الله تعالى الاختلاف سببا للائتلاف، فسبحانه من مدبر قادر حكيم، ألا ترى إلى البدوى فى بيت من قطعة خيش معمد بعظام الجيف كلبه معه فى بيته لباسه شملة من وبر أو شعر، ودواؤه بعر الإبل وطيبه القطران وبعر الظباء، وحليّ زوجته الودع، وثماره المقل، وصيده اليربوع «2» وهو فى مفازة «3» لا يسمع فيها إلا صوت بومة، وعواء ذئب وهو قانع بذلك مفتخر به.
وقال سعد بن أبى وقاص رضى الله تعالى عنه: يا بنى إذا طلبت الغني، فاطلبه فى القناعة، فإنها مال لا ينفد، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس، فإنك لم تيأس من شيء إلا أغناك الله عنه.
وأصاب داود الطائى فاقة كبيرة، فجاءه حماد بن أبى حنيفة رضى الله عنه بأربعمائة درهم من تركة أبيه وقال:
هى من مال رجل ما أقدم عليه أحد فى زهده وورعه وطيب كسبه، فقال: لو كنت أقبل من أحد شيئا لقبلتها تعظيما للميت، وإكراما للحي، ولكنى أحب أن أعيش فى عز القناعة.
وقال عيسى عليه الصلاة والسلام: اتخذوا البيوت منازل، والمساجد مساكن، وكلوا من بقل البرية، واشربوا من الماء القراح، واخرجوا من الدنيا بسلام.
>>>
غزة فى القلب
اللهم يا حنّان يا منّان، يا واسع الرحمة، نسألك أن تحمى أهل غزة، وأن ترفع عنهم البلاء والظلم. اللهم احفظهم بحفظك، وكن لهم معيناً ونصيراً، اللهم اجبر كسرهم، وداو جرحهم، وارحم شهداءهم، واشف مرضاهم، وكن عوناً لمحتاجيهم.