حيثما توجد حياة يوجد أمل.. هذه حقيقة من حقائق الوجود لكن الأمل لا يهبط على الإنسان وهو نائم فى فراشه بل يحتاج أن يكون فى كامل يقظته ووعيه.
ثم إن الأمل لا يتجسد حقيقة ملموسة على أرض الواقع من تلقاء نفسه، بل يحتاج إلى إرادة قوية.. إرادة قوية للتخلص من اليأس أولاً ودحره، وإرادة قوية لبناء هذا الأمل داخل وعى الإنسان ووجدانه حتى يسيطر على كل فكره وتوجهه.. وإرادة قوية للسعى بكل العزيمة والإصرار لبلوغه وتحقيقه بالعمل وبكل الوسائل المشروعة.
ينطبق ذلك على الأفراد وعلى الأسر وعلى الجماعات، وعلى الشعوب والدول.
وقد كان عام 2024 الذى انقضى من أشد الأعوام صعوبة على منطقتنا العربية وعلينا فى مصر.. شهدته المنطقة صراعات ومواجهات مسلحة وغير مسلحة تأرجحت بنا من قمة الأمل إلى حافة اليأس، وسقط فيه مئات الشهداء والقتلى والمصابين، ودمرت فيه مدن وبنى تحتية مدنية وعسكرية، إلى آخر ما نعرفه جميعا ومازلنا نتابع توابعه من تفاصيل كتبتها شعوبنا بالدم والدموع.
وما جرى للمنطقة عام 2024 لم يكن وليد السنة نفسها، بل كان استمرارا بأشكال مختلفة ودرجات متفاوتة لسنوات عديدة قبلها، بل قل لعقود فاقت ثلاثة أرباع القرن، منذ تمت زراعة إسرائيل فى قلبها.
نحن نعبر إلى عام جديد محملين بأشلاء ما جرى لنا فيما سبقه وفيما قبله.. كل جراحنا مفتوحة فى غزة والضفة الفلسطينية وفى لبنان وفى السودان وفى اليمن وفى العراق وفى ليبيا وأخيرا سوريا.
دول وشعوب منطقتنا العربية ليست وحدها التى خاضت حروبا وتعرضت لتحديات التدمير أو القسيم.. هناك من تعرضوا فى قارات مختلفة لأشد مما تعرضنا له وفى نفس الفترة التى عانينا فيها.. ونهضوا وتسلحوا بالأمل والعمل وأعادوا بناء أوطانهم واقتصاداتهم وجيوشهم وأصبحوا الآن من بين الذين يتصدرون قائمة كبار العالم.. بينما نحن مازلنا نتعثر فى أوجاعنا ونجتر فرصنا الضائعة.
اليابان خرجت من إطلاق قنبلتين ذريتين أمريكيتين على اثنتين من جزرها عام 1945 لتعيد بناء نفسها من جديد لتصبح عملاقا اقتصاديا وتكنولوجيا يجلس على مائدة الدول السبع الصناعية الكبرى على مستوى العالم.
ألمانيا تم تدميرها بالكامل فى نفس التاريخ وهو تاريخ إسدال الستار على الحرب العالمية الثانية.. بل تم شطرها إلى نصفين.. شرقية وغربية.. واستخدامها سلاحا من أسلحة الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالى والشيوعي، نهضت وأعادت بناء نفسها فى كل شطر منها ثم توحدت مرة أخرى وأصبحت أيضا من كبار العالم.
كوريا التى قسمتها الحرب نهضت وأصبح شطرها الجنوبى – كوريا الجنوبية – عملاقا اقتصاديا وتكنولوجيا وشطرها الشمالى عملاقا عسكريا ضمن نادى الدول النووية، ويصدر صواريخه الباليستية وخبراته العسكرية للدول الصديقة رغم كل العقوبات غير المسبوقة التى فرضتها عليه الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
فيتنام التى كانت حتى سبعينيات القرن الماضى أى قبل نصف قرن فقط مقسمة إلى شمالية وجنوبية ويتعرض شمالها لحرب أمريكية بكل الأسلحة، حقق الشمال فيها نصرا عسكريا هو الأول من نوعه على القوة العظمى الأولى فى العالم ثم نصرا سياسيا بإعادة توحيد البلاد، لتصبح اليوم نمراً آسيويا تسعى إليه الدول الصديقة للإطلاع على تجربته والاستفادة من خبراته.
لا أريد الاستطراد أكثر من ذلك فى تقديم الأمثلة لكن ما أيد أن أضيفه، أنه لم تكن هناك أسرار فى أى تجربة من تلك التجارب، ولا حقق أى شعب من هذه الشعوب معجزته بلا أثمان، ولا سعى إلى العلا على طريق مفروش بالورود بل واجه من التحديات والصعوبات والعثرات مثلما واجهت شعوبنا وأكثر لكنه تمسك بالأمل وواصل التضحية والعمل حتى بلغ ما بلغه من درجات التقدم والنفوذ والتأثير فى محيطه وفى العالم.
النظرة إلى أوضاع شعوبنا ودولنا فى منطقتنا العربية لا تسر، مقارنة ببقية العالم.. كل دولة تعرضت لتحدِ كبير، أو لرياح تغيير على مدى ربع القرن الأخير لم تصل بعد إلى مستوى التعافى منه أو من آثاره.
ضحايا ما سمى بالربيع العربى الذى بدأ عام 2011 مازالوا أسرى رياحه وتوابعها.. فلا حالهم أصبح أفضل كما كانوا يأملون ولا عادوا حتى إلى ما كانوا عليه قبله.
لا يوجد ملف واحد من ملفات هؤلاء الضحايا تم انجازه، أو تقدم خطوات إلى حافة الانجاز.. يتساوى فى ذلك الملف الليبى اليمنى والسورى مع السوداني.. بل إن العراق لم يصل بعد إلى نقطة التعافى الكامل من آثار الغزو الأمريكى له قبل ثمانى سنوات من الربيع العربى أى عام 2003.
بل ستجد العكس.. السودان الذى كان موحدا حتى عام 2011 انقسم فى ذلك العام وانفصل نصفه الجنوبى ليصبح دولة جنوب السودان بينما يواجه منذ عامين تحدى انقسام آخر من خلال صراع قوات الدعم السريع ضد الجيش والسلطة الشرعية.
اليمن الذى نجح فى توحيد شماله وجنوبه منذ عقود يتعرض الآن لمحاولة إعادة تقسيمه من جديد فى صراع الحوثيين ضد السلطة القائمة.
ليبيا التى كانت موحدة أصبح فيها حكومات وعشرات المليشيات الأجنبية المسلحة.
أما سوريا فقد أنهت ما تسمى جبهة تحرير الشام حقبة «الأسد» فى الربيع العربي.. لتبدأ حقبة جديدة لا تلوح فيها حتى الآن بوادر استقرار ولا ملامح نجاح أو فشل.
هل هذا وضع طبيعي؟! وهل هو من فعل آخرين أم أنه من صنع أيدينا؟! وهل السكوت على استمراره يعكس رضى به أو تواطؤا فيه، أم عجزاً عن تغييره؟!
وحتى لو توافرت إرادة تغييره.. فإلى أى اتجاه تشير بوصلة التغيير؟! هل لدى دولنا وشعوبنا أهداف مشتركة؟!
هذه أسئلة العام الجديد.. والإجابة عنها تحتاج إلى حلقة أخري.