يبدو أن التوتر الذى يصحب التعرض للمواقف الصعبة لا يخلو من فوائد صحية، وهو أمر شديد الغرابة. فالتوتر حتى وقت قريب كان يصنف ضمن المشاعر السلبية التى تؤثر على كفاءة الجهاز المناعى وتطلق قوى الهدم فى أجسامنا. فما الذى حدث، ولماذا تغيرت النظرة إليه؟.
البداية كانت ملاحظة عابرة. لاحظ العلماء أن الكثيرين يصابون بالمرض خلال العطلات الصيفية والإجازات السنوية وحتى يومى الراحة الأسبوعية، وأن نوعية الأمراض التى يصابون بها توحى بدرجة ما من درجات الضعف فى الجهاز المناعي. فما علاقة العطلة الصيفية أو الإجازة السنوية بالمرض؟.. المفروض أن العطلة فرصة للاستجمام والاسترخاء والمرح والفرح والكثير من المشاعر الإيجابية.. والمفروض أن هذه المشاعر تنشط المناعة الطبيعية وتزيد قدرة الجسم على مقاومة الأمراض وليس العكس.. وبعد دراسات طويلة اكتشف العلماء السر: خلال العطلة يتخلص الناس فى الغالب من التوتر.. والقليل منه مفيد للصحة والمناعة..!.
وحتى لا نسلم أنفسنا لمشاعر التوتر أو نفتعل أسبابها فى سعينا الدائم للبحث عن الصحة أوضح العلماء أن التوتر المقصود هو التوتر المؤقت الذى لا يستمر طويلا.. كذلك الذى يصحب الاستعداد لدخول الامتحان وينتهى بعده. أما التوتر المستمر فإنه يؤدى الى إضعاف المناعة وزيادة القابلية للإصابة بالأمراض المعدية. هذه الحقيقة الغريبة نشرت فى دورية الاستشارات النفسية الطبية المتخصصة على لسان عالمة متخصصة فى الطب النفسى والعلاقة بين الحالة النفسية والمناعة الطبيعية.
الباحثون فى جامعة كنتوشى فى الولايات المتحدة، وجامعة كولومبيا البريطانية فى كندا، توصلوا إلى هذه النتيجة بعد دراسة حوالى 300 بحث علمى حول هذا الموضوع واشترك بها حوالى 19 ألف متطوع. حيث اكتشفوا أن المواقف التى تسبب التوتر لفترات قصيرة، تعمل على تحفيز الردود البدائية للبشر التى تعود إلى الأزمنة السحيقة التى تعرض فيها البشر إلى مخاطر الهجوم من قبل الحيوانات المتوحشة، وتؤدى إلى تحفيز الخطوط الدفاعية لجسم الإنسان بصورة مشابهة لتلك التى تنتج بعد الإصابة بالخدوش.. وأن التوتر الدائم يؤدى إلى نتائج عكسية. فالظروف التى تؤدى إلى الإصابة بالتوتر الدائم، وتقلب حياة الإنسان رأسا على عقب، مثل رعاية مصاب بمرض مزمن أو فقد أحد الأقارب أو الأزواج أو التعرض للتحرش أثناء الطفولة، تسبب الإضرار بالصحة وتؤدى إلى إضعاف جهاز المناعة وتترك الفرد عرضة للإصابة بالأمراض.
البروفيسور فليب هودسون عضو الجمعية البريطانية لعلم النفس عقب على نتائج هذه الدراسة بقوله إن الانسان يحتاج الى بعض الضغوط فى حياته، حيث يعمل التوتر على تأكيد قدرته على التعامل مع التحديات. ولا يختلف الأمر إذا كان بسبب عضة نمر وحشى أو مواجهة مقابلة للحصول على عمل.
العلماء توصلوا إلى أن جهاز المناعة يعمل بالتوازى مع الجسم، فبمجرد أن يحصل الجسم على الراحة فإن جهاز المناعة يستريح أيضا، ولذلك نجد أن الفرد قد يصاب بالبرد أو الشعور بالمرض عند الحصول على اجازة طويلة.