كان ومازال ذلك المخطط القديم الحديث، الذي بدأ منذ زمن بعيد بتغيير مسمي «المنطقة العربية» وتحويله إلي «الشرق الأوسط».. ذلك المفهوم الاستعماري، الذي يهدف إلي نزع صفة «العروبة» عن دول المنطقة، من أجل ضم دول أخري غريبة لا تنتمي إليها.. وهو ما يعني بلقنة المنطقة وتفكيك بل وتفتيت الدول المركزية الأساسية فيها، التى بمثابة الأوتاد لخيمة العالم العربي، التي دونها تنهار، وذلك هو المطلوب لأن وجودها يعد عائقاً أمام تحقيق مصالح الدول الكبري في السيطرة علي المنطقة ويحول دون تحقيق «الحلم الصهيوني» فيما يسمي بدولة إسرائيل الكبري.. أن ظاهرة الدولة الفاشلة ليست بالجديدة سواء بالنسبة للعالم العربي أو غيره من المناطق الأخري في العالم فهي تخضع لقانون دورة حياة «الكائن الحي» التي تحدثنا عنها مقدمة عبدالرحمن بن خلدون، التي تناول فيها نشوء الدولة وأسباب انهيارها.. وتبدأ هذه العملية بفرض تحد علي الحكومة المركزية والعمل علي إضعافها.. بيد أن ظاهرة الدول الفاشلة تختلف عن ذلك المفهوم، إذ ان القصد والهدف منها تبرير تلك المحاولات المصطنعة والمهدفة التي تسعي لتفكيك وإضعاف تلك الدول الرواسخ التي يقوم عليها النظام الإقليمي.. حيث يتم تقويضها وتفكيكها من خلال المخططات والتدخلات الخارجية.. ويبدأ مخطط تفكيك أو إفشال تلك الدول من خلال إضعاف وتفكيك الحكومة المركزية علي النحو الذي يؤدي إلي إضعاف سيطرتها، مما يشجع التنظيمات الجهادية علي اختراق أراضيها وإنشاء قواعد عسكرية بها والعمل علي تقويض هيكلها وشيوع الفوضي و الاضطرابات وعدم الاستقرار والتدخلات الخارجية، التي يخشي امتدادها إلي مناطق أخري.. من هنا فإن تلك الدعاوي المغرضة التي يقف وراءها العديد من القوي الخارجية ذات المصالح المتعارضة في المنطقة وعلي رأسها إسرائيل، التي هرعت بالتدخل بدعوي تأمين حدودها من خلال شن 500 غارة جوية قضت فيها علي البنية التحتية العسكرية لسوريا واحتلال هضبة الجولان بالكامل والتوغل في العديد من الأراضي السورية.. وقد رأينا موقف المجتمع الدولي المتفرج ومحاولات التدخل من جانب التنظيم الدولي «الأمم المتحدة» التي لا تغني ولا تسمن من جوع.. إذ أنها ليست سلطة فوق الدول وتدخلها مرهون بموافقة الدول الكبري الفاعلة في النظام الدولي.. ومن هنا فإن ضياع الدول وتفككها لا يعد بالأمر الهين الذي يمكن تداركه بسهولة، كما تظن تلك الأصوات المغيبة والمخدوعة التي تهلل لما حدث في سوريا وهي لا تدرك حجم المأساة التي تنتظر ذلك الشعب، الذي سبق وعاني التشرد والفرار إلي الدول المجاورة التي فتحت له أبوابها.. وتلك حقيقة لا تحتاج تدليلاً.. إن كل هذه النماذج من المعاناة والضنك التي تعانيها تلك الشعوب، ما هي إلا نتاج لذلك المخطط الخبيث لتفكيك دول المنطقة وتقسيمها وتحويلها إلي كيانات عرقية ولونية ودينية تتناحر فيما بينها.. وفي النهاية يُفني بعضها البعض، بعد أن فارقتها نعمة الأمن والاستقرار.