لا يجوز أن تمر ذكرى الاحتفال بمناسبة اليوم العالمى للغة الضاد.. دون التطرق إليها والحديث عن جمالياتها وفنونها وخطوطها الرشيقة الرائعة.. لأنها من أجمل لغات العالم وأكثرها ثراءً وتشويقاً ولأنها اللغة الوحيدة من بين لغات العالم التى لا حصر لها.. والتى اختارها الله سبحانه لتكون لغة القرآن ليس هذا فحسب بل لتكون لغة أهل الجنة.. وهذه الأفضلية لم تأت من فراغ لأن تلك اللغة جميلة فى مجملها وبديعة وطيبة تتناسب مع كل عصر بمفرداتها ومحسناتها البديعية وبلاغة أصحابها وفصاحة ألسنة المتكلمين بها.. لذا جاء القرآن ليعجز هؤلاء رغم أنهم امتلكوا الكثير من ناصيتها وتخيلوا أنه لا يمكن لأحد أن يحاربهم ويتفوق عليهم.
صراحة.. يسعدنى أن أكون من المتكلمين باللغة العربية وأحد الدارسين لها فى كلية الآداب.. فقد تعرفت عن قرب على جمالياتها وشعرائها وفحولها الذين تعلقت أشعارهم على أستار الكعبة أمثال زهير بن أبى سلمى وعنتر بن شداد والنابغة الذبيانى وامرئ القيس وغيرهم من أصحاب المعلقات السبع ناهيك عن البلاغيين والنحاة الذين أثروا الحياة اللغوية وأضافوا إليها الكثير وهذا ما جعل عميد الأدب العربى طه حسين يقول بقولته الشهيرة التى لم أنسها لأنى أحفظها عن ظهر قلب ألا وهي: لغتنا العربية يسر لا عسر ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج إليه من ألفاظ لم تكن معروفة فى العصر الحديث.
ونحن كعرب نشرف بلغتنا لأنها ليست مجرد لغة مؤلفة من بضعة حروف وتراكيب ومفردات بل هى هوية وتاريخ وستظل أعظم وأشرف اللغات كما أنها من أقدم اللغات السامية وأكثرها تحدثا حيث يبلغ المتحدثون بها حوالى نصف مليار نسمة بخلاف أكثر من مليار ونصف المليار مسلم الذين يقرأون القرآن بها رغم المترجمات ببعض اللغات لأن القراءة بلغة القرآن لها متعة ما بعدها متعة واللجوء إلى الترجمة ليس إلا لفهم المعاني.
الحقيقة.. تتميز لغتنا بقدرتها على التعريب واحتواء الألفاظ من اللغات الأخرى بشروط دقيقة ومعينة لما فيها من ترادف وأضداد ومشتركات لفظية كما تتميز بما تحويه من المجاز والطباق والجناس والسجع والتشبيه والاستعارة والكناية وهى ما تفتقر إليه غالبية اللغات الأخرى وإلا ما نزل القرآن باللغة العربية ليتحدى نصحاء العرب والبلغاء منهم بأن يأتوا بآية قرآنية وليس سورة حتى ولو اجتمع المتكلمون بالعربية.
ولأن الله شرف لغتنا علينا ألا نهملها خاصة الفصحى التى كان يتكلم بها القدماء ويحرصون على التخاطب فيما بينهم بها ولنعلم أن إهمال الفصحى سيعزلنا عن فهم الكتاب والسنة المطهرة بل والتراث أيضاً كما يجعلنا خاصة الأجيال الصغيرة تميل نحو الثقافات الأخرى وبالتالى سيتم هدم الثوابت الأخلاقية ومن قبلها الدينية وهذا لا يتأتى إلا بتطوير مناهج تدريس اللغة العربية للنشء بالمدارس ليس فى المدارس الحكومية وإنما بمدارس اللغات التى للأسف يحرم بعض القائمين عليها تدريسها ليس هذا فقط بل وتدريس الدين الإسلامى بحجة أنها مناهج تتبع بلدانها كالانجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها الأمر الذى جعل غالبية المصريين الدارسين بها لا يعرف عن اللغة العربية إلا القشور وعندما يتحدث بها يجد فيها صعوبة فى اللكنة وكأنه من أصحاب تلك اللغة المدرجة أنه لا يجيد القراءة للكتب العربية ولا حتى لكتاب الله ولا يستطيع التعبير والتواصل فى التخاطب مع الغير وهذه بادرة غير مرضية ومؤشر لهدم ثوابتنا مع أن تلك الدول حريصة كل الحرص على انتشار لغتها والتمسك بها بدليل ندرة إنشاء مدارس باللغة العربية فى بلادها أو حتى التدريس للغة العربية ضمن مناهجها إلا ما ندر مما يعدونا للتساؤل هل هانت علينا لغتنا لهذه الدرجة للغة كرمها الله وللغة وصفها شاعر النيل حافظ إبراهيم بقوله «أنا البحر فى أحشائه الدر كامن».
الغريب ورغم جزالة لغتنا ورصانتها وجمالياتها إلا أننا كثيراً ما نسمع فى مجتمعاتنا رطانة غريبة والتدليل بمصطلحات ومفردات منها خلال التخاطب وكأن العربية غير قادرة عن توصيل المعلومة مع أنها كانت قبلة الغرب من العلماء والدارسين فى العصور الوسطى حيث كانوا ينهلون من فيض العلماء العرب ويغترفون منه غرفاً حتى نقلوا كل مؤلفات واكتشافات العرب فى الطب والفلك والفيزياء والكيمياء أمثال جابر بن حيان والخو،ارزمى والكندى وابن سينا وأبى بكر الرازى والحسن بن الهيثم والفارابى وابن البيطار وابن باجة والإدريسى وابن اسحاق وغيرهم مما لا حصر لهم والذين كان لهم الفضل فى تطور الغرب والإضافة عليها حتى بلغوا من التطور الجارى الآن والذى للأسف نأخذ عنهم بعدما كانوا يأخذون عنا وكانت مدارسهم وجامعاتهم تقوم بتدريس كتب العلماء العرب حتى القرن السابع عشر خاصة فى الطب والفيزياء والكيمياء وعلوم الفلك التى برع العرب فيها حتى من أيام الفراعنة والدليل تعامد الشمس على قدس الأقداس بمعابد أبو سمبل وكذلك بالأقصر وقصر قارون بالفيوم قبل ثلاثة آلاف عام من ميلاد المسيح عليه السلام.