أخطاء عديدة وقعت فيها معظم دول «المواجهة» كان لها أكبر الأثر فى ما وصلت إليه المنطقة الآن، من بين هذه الأخطاء أن هذه الدول لم تتفهم دعوة الرئيس الراحل أنور السادات للسلام عقب حرب أكتوبر1973 وبعد مباحثاته الدبلوماسية فى كامب ديفيد عام 1978، الخطأ الثانى هو صمت البعض تجاه الصراع الطائفى والمذهبى والذى كان سبباً مباشراً فى تصاعد الإرهاب فى الشرق الأوسط بوجه عام، والخطأ الثالث هو عدم استيعاب أهمية دعوة مصر فى أعقاب ما يسمى بـ» ثورات الربيع العربي» إلى تشكيل قوة عربية موحدة تكون مهمتها حماية الأمن القومى العربى والدفاع عن الدول العربية التى تتعرض لاستهداف أو انهيار، وقد أدت هذه الأخطاء إلى اضعاف العرب وسقوط معظم الجيوش العربية، فى وقت تم فيه تقديم كل أشكال الدعم لإسرائيل والسماح لها بممارسة أسوأ أساليب الاحتلال واستيلائها على أراض عربية دون أى اعتبار للاتفاقات والقوانين الدولية.
حقيقة فإن المتتبع للأوضاع الإقليمية خلال العقود الخمسة الماضية، يدرك على الفور أن الولايات المتحدة قررت ضرب الوحدة العربية فى الصميم وعدم اتاحة الفرصة للعرب لتكرار ما حدث فى 1973 وقد تبلورت هذه الإستراتيجية الأمريكية بعد ذلك فى ما اطلق عليه «مخططات التقسيم»، غير أن القارئ الجيد للحالة العربية ربما يتساءل: لماذا نجحت هذه المخططات فى عدد غير قليل من الدول العربية وفشلت فى مصر؟، والإجابة هنا تتضمن عوامل عديدة قد يكون أهمها هو الشعب المصرى ذاته وطبيعته الخاصة التى ترفض الهزيمة وتتمسك بالأرض تحت أى ظروف، ثم المؤسسة العسكرية المصرية ودورها المهم فى حماية مصر ومقدساتها وادراكها للمشروع الصهيونى فى المنطقة والذى بدأت معالمه بقيام إسرائيل عام 1948 وعانت منه مصر بالتحديد فى العدوان الثلاثى الذى قامت به كل من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل عام 1956، كذلك الحرب الإسرائيلية عام 1967 والتى انتهت باحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة .
لقد أدركت الدراسات الإستراتيجية والعسكرية المصرية فى وقت مبكر، أن المشروع الصهيونى فى المنطقة يستهدف نقاطاً محددة من بينها التوسع الجغرافى الإسرائيلى على حساب الأرض العربية، والاحتفاظ بقوة عسكرية متفوقة تستخدمها إسرائيل فى تحقيق أطماعها فى المنطقة فى مقابل اضعاف الدول العربية واسقاط جيوشها، كذلك الاعتماد على الولايات المتحدة والقوى الدولية الكبرى لتحقيق هذه الأطماع، وهو ما استوعبته مصر جيداً وبذلت جهوداً كبيرة لمواجهته، سواء بالحرب أو بالسلام لاستعادة سيناء كاملة، وانهاء الاحتلال الإسرائيلى لها، ولكل الأراضى العربية المحتلة فضلاً عن مواصلة حرص الدولة المصرية على دعم الجيش وتنوع قدراته، وهنا نتوقف عند ملاحظة مهمة وهى إدراك الغرب والجهات الإستخباراتية، للدور العظيم والمهم الذى قامت به القوات المسلحة المصرية لاستعادة سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، ثم إدراك نفس الجهات للدور الكبير والمؤثر الذى لعبته القوات المسلحة فى الحفاظ على مصر إبان أحداث يناير 2011، كذلك دورها المهم والحيوى فى محاربة الإرهاب والقضاء على التنظيمات الإرهابية نهائياً قبل عدة سنوات.
النقاط السابقة ربما تجيب عن التساؤل الذى طرحناه فى البداية: لماذا نجحت المخططات الغربية فى عدد من الدول العربية وفشلت فى مصر؟، كما تفسر إلى حد بعيد الأسباب التى من أجلها جرت محاولات توريط الجيش المصرى طوال العام 2024 فى حرب إقليمية يتم استنزافه من خلالها، لا سيما بعد رفض مصر تهجير سكان غزة إلى سيناء ورفضها كذلك تصفية القضية الفلسطينية، الملاحظة الأخرى فى هذا السياق هى الحديث عن الجيش المصرى بعد اختفاء نظام بشار الأسد فى سوريا واحتلال إسرائيل للمنطقة العازلة ضمن اتفاق فك الارتباط عام 1974، كذلك ضرب إسرائيل للبنية التحتية العسكرية السورية، هذا الحديث الذى يستهدف الجيش المصرى جاء عبر التهديد بإعادة التنظيمات الإرهابية إلى سيناء وبالقرب من الحدود المصرية فى الاتجاهين الجنوبى والغربي، أيضاً فإن هذا الحديث جاء عبر الحملات الإعلامية المشبوهة التى تشنها جماعة الإخوان الإرهابية ضد الجيش المصرى فى موجات متتالية تؤكد أن جماعة الإخوان تقف فى صف واحد مع أعداء مصر للإضرار بجيشها، باعتباره أقوى الجيوش العربية والذى يقف عائقاً أمام تنفيذ المخطط الصهيونى لتفتيت الدول العربية وتقسيم المنطقة.
فى الأخير، فإنه رغم أن المخططات و»الحملات» المسعورة ضد بلدنا أثبتت فى أوقات سابقة أن مصر بشعبها وجيشها عصية على مخططات السقوط والفوضي- فإن ما هو قادم من تحديات يتطلب المزيد من والوعى والحرص لأن القادم أصعب ولأن مصر تستحق كل عشق واهتمام، ولأن جيشها العظيم سيظل سندنا وظهرنا وفخرنا بين سائر الأمم.