من المهم أن نفهم ما يدور وما يحاك لنا، وما يحدث فى المنطقة ويستهدف بعض الدول وفق مخطط شيطانى تمت هندسته على مدار عقود ويجرى تنفيذه بشكل متدرج ومتتال ومتسارع فى الفترة الأخيرة، لأن الفهم والوعى والإرادة أهم أسلحة النجاة والمواجهة التى نخوضها من أجل البقاء والعبور من براثن المؤامرة والمخطط لذلك.. نعرض فى هذه السطور بعض المواقف القديمة والجديدة والحقيقة أن تفاصيل المخطط باتت واضحة، سواء فى آلياته وأهدافه، خاصة استهداف الدولة الوطنية ومؤسساتها سواء بالفوضى أو الإرهاب أو الحروب الجديدة التى تعتمد على هز وضرب الثقة فى مؤسسات الدولة بالأكاذيب والشائعات والتشويه والتشكيك ثم الحروب بالوكالة من خلال الميليشيات الإرهابية، أو مواجهات مع جيوش نظامية.
أهم أهداف قوى الشر والمخطط الشيطانى هو تدمير وتفكيك الجيوش الوطنية، والتى تعد هى العمود الفقرى وقلب وعقل وصمام الأمان لحماية الدولة الوطنية أرضاً وشعباً، وتصون الأمن القومي، وتجابه التهديدات والمخططات التى تستهدف بقاء ووجود الدولة.
هناك تساؤلات مهمة نستطيع أن نفهم من خلالها حقيقة ما يدور ويستهدف تفكيك الجيوش الوطنية.. ونبدأ بسؤال مهم، لماذا تم تدمير الجيشين العراقي، والسوري، وما هى الأهداف التى حققها المخطط فى السعى لتنفيذ سيناريو الشيطان؟
تسجيل تليفزيونى منذ سنوات مع محمد الجولانى قائد الميليشيات الإرهابية التى سيطرت على سوريا قبل أيام، وكان قبلها قائداً لجبهة النصرة الإرهابية وقبلها عضو فى تنظيمى داعش والقاعدة، يقول الجولانى للإعلامى الإخوانجى أحمد منصور إن هدف التنظيمات والميليشيات الإرهابية هى تدمير وتفكيك الجيوش الوطنية العربية بلا استثناء.. ثم ننتقل إلى تساؤلات مهمة مرتبطة بما قاله الجولانى من قبل، الحرب على قطاع غزة وصلت إلى الشهر الرابع عشر، دون أن نجد تصريحاً وحيداً من هذه الميليشيات الإرهابية يدين العدوان الإسرائيلى وحرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال، رغم أن هذه الميليشيات تتاجر وترفع راية الإسلام زوراً وبهتاناً وأحاديث الأفك عن الأقصى الأسير، والعدو الصهيونى وما إلى ذلك من خداع ودغدغة وتضليل للجماهير العربية، وبعد سيطرة ميليشيات الجولانى الإرهابية على سوريا بحماية ودعم وغطاء جوى 4 دول كبرى مع إسرائيل، استغلت دولة الاحتلال الصهيوني، حالة الفوضى فى سوريا وقامت بالاجهاز الكامل على القدرات العسكرية والإستراتيجية للجيش الوطنى النظامى السورى والقضاء على أسلحته وطائراته ومقاتلاته، وأنظمة الدفاع الجوى ومنها ما هو متطور وأيضاً تدمير البحرية السورية، ليس هذا فحسب بل توغل إسرائيل فى الأراضى السورية وامتلاك مساحات كبيرة على مسافة 25 كيلو متراً من دمشق ليس هذا فحسب بل تنفيذ إبرار جوى فى مدينة درعا ودخول مواقع عسكرية وإستراتيجية ووصل الأمر إلى تهجير السوريين من قراهم.. فى ذات الوقت لم تحرك الميليشيات الإرهابية بقيادة الجولانى ساكناً بل خرج بتصريحات أقل ما توصف أنها تكشف العلاقة بين الجولانى والمخطط الصهيو ــ أمريكي، وأنه هو نفسه مشروع أمريكى تم إعداده وتجهيزه ويجرى الآن تغيير مساره من إرهابى معلن للجميع إلى زعيم سياسي، خرج على السوريين بثبات الواعظين لكن سرعان وفى القريب العاجل ما سوف يسقط القناع وتتكشف الحقيقة، الجولانى قال: لن تكون سوريا مصدراً لتهديد إسرائيل، وأن سوريا منهكة ليست فى حل الدخول فى مواجهة مع تل أبيب وهو يشاهد بأم رأسه تدمير الجيش السورى وقدراته التى هى ملك للدولة السورية والشعب السورى ووقف مع ميليشياته يشاهد ويتفرج، إذن الهدف الذى يجمع بين الجولانى والكيان الصهيونى هو تدمير وتفكيك الجيوش العربية، وهو ذروة السعادة والهدف فى عقلية الكيان الصهيوني، ويفسح المجال أمامها للتوسع والتوغل، لاستكمال أوهامها فى إقامة إسرائيل الكبري.. وبهذا انتهى الجيش السورى وقبله الجيش العراقي، وإسقاط الدولة وتدميرها وضمان عدم عودتها، أو سهولة تقسيمها يبدأ من تدمير وتفكيك جيوشها الوطنية.
لذلك فإن الحقيقة والواقع يقولان إن هذه الميليشيات الإرهابية التى تتستر بالدين وقد خرجت جميعاً من رحم تنظيم الإخوان الإرهابى ما هى إلا أدوات فى أيدى المشروع الصهيو ــ أمريكي.. وأن أجهزة المخابرات الأمريكية والصهيونية، والبريطانية هى من تديرها وتحركها عبر وكلاء إقليميين لمشروع الشرق الأوسط الجديد.
قلت فى مقالات كثيرة إن تخلى إسرائيل بقيادة نتنياهو عن ثوابتها منذ شن العدوان على قطاع غزة مثل إطالة زمن الحرب، وتحمل الخسائر الفادحة فى الأرواح، والخسائر الاقتصادية، وتعدد الجبهات وعدم المبالاة بمصير الأسرى والمختطفين، ليس أمراً عادياً، بل يشير إلى أن هناك مشروعاً شاملاً ومخططاً شيطانياً يجرى تنفيذه وأن نتنياهو هو مجرد مقاول ينفذ «الماكيت» أو المخطط الذى تمت هندسته وكانت نواته هو «طوفان الأقصي» الذى مكن إسرائيل من تحقيق العديد من الأهداف، تدمير غزة والقضاء على المقاومة، واحتلال القطاع، وإبادة الشعب الفلسطينى فى غزة وحصاره، والإضرار بالقضية الفلسطينية ثم لبنان واحتلال مساحات من الجنوب اللبنانى وصولاً إلى الليطاني، وضرب قدرات حزب الله، ثم السيطرة على سوريا وقطع خط الإمدادات منها إلى حزب الله، وامتلاك مناطق ومساحات جديدة بعد الجولان فى العمق السوري، والسيطرة على جبل الشيخ الذى هو كنز إستراتيجى لإسرائيل لطالما حلمت به للسيطرة على سوريا ولبنان والقضاء على الجيش السورى ثم بدأ الدور على الحوثيين فى اليمن.. لذلك فإن طوفان الأقصى قدم هذه الأهداف على طبق من ذهب للكيان الصهيوني، والمخطط الشيطانى فى إقامة الشرق الأوسط الجديد، لذلك أتساءل دائماً ما هى الحسابات والتقديرات التى بنت على أساسها فصائل المقاومة الفلسطينية قرارها فى تنفيذ طوفان الأقصي، والمقاومة نفسها بات مصيرها فى المجهول بعد سيطرة نتنياهو على القطاع، وباتت ضرباتها الضعيفة أقرب إلى وصف ضربات ما قبل الموت والرحيل، لذلك علينا أن نعيد الحسابات من جديد عن جدوى طوفان الأقصى وفقاً لما تحقق من معطيات وأهداف جميعها فى صالح الكيان الصهيونى والميليشيات الإرهابية التى تعمل جميعاً لخدمة مشروعه.
تحيا مصر