كل بلدان العالم لها مشاكلها.. بلدان متقدمة أو بلدان نامية أو بلدان نايمة.. لازم ولابد وأن يكون هناك شيء ما غلط وله سلبياته على الفرد أو المجتمع بأكمله.. والمشاكل أشكال وأنواع.. فيها ما يتعلق بأمور بسيطة أو سطحية.. وفيها مشاكل مزمنة معقدة.. لم يتم التعامل معها فى بدايتها.. أو لم يتم التطرق اليها بأسلوب واقعى وفعال ودون دراسة الأسباب الحقيقية.. وتكون النتيجة طبعا الخروج بحلول عقيمة أو مبتورة.. فتستمر المشكلة.. وقد تتعقد وتتفاقم ثم تمثل صداعا مزمنا ولفترة طويلة ..
مصر استطاعت والحمد الله التغلب على الكثير من هذه المشاكل على مر السنوات الماضية.. فمثلا فى قطاع الصحة.. كانت البداية فى الحملة القومية الناجحة جدا للوقاية من وفيات الأطفال نتيجة للنزلات المعوية والجفاف عام 1983 وتألق فيها الإعلام المصرى والرائعة كريمة مختار.. وعملها المصريون أيضا عام 2006 حينما أعلنت منظمة اليونيسيف أن مصر خالية تماما من فيروس شلل الأطفال بعد أن كان مستوطنا بها منذ 3000 سنة.. ثم نجحنا فى التحجيم الكامل لمرض البلهارسيا عام 2016بعد أن تسبب فى وفاة الكثير من الشباب أشهرهم عبد الحليم حافظ.. استطعنا أيضا من أن نقلل من وفيات الأمهات نتيجة الحمل والولادة بدرجة كبيرة الى 17 حالة لكل 100,000 حالة ولادة عام 2020 بعد أن كانت 79 عام 2000 ومؤخرا هزمنا الفيروس الكبدى سى والذى كان متفشيا بدرجة مزعجة عام 2018 بعد فحص 60 مليون مواطن وعلاج أكثر من 4 ملايين منهم بالمجان ..
جميل.. ورائع.. وحاجه تفرح.. وتعنى أننا إذا أردنا فنحن ننجز.. وإذا عملنا فنحن نتميز.. وياليتنا نتناول بقية المشاكل المزمنة والتى لم نحسن التعامل معها.
تفشى الأمية وعدم المقدرة على القراءة والكتابة هى إحدى المشاكل المزمنة فى مصر.. رغم أننا نحاول أن نتغلب عليها منذ عام 1976. الإحصائيات تقول إن نسبة الأميين فى مصر عام 2021 بلغت 18٪ من الشعب أكثرهم فى القرى والصعيد وبين الإناث.. ومحافظة المنيا هى عاصمة الأمية فى مصر حيث بلغت نسبة من لا يقرأ ولا يكتب فيها 37٪ ممن يعيش فيها.. جاء فى الخطة الإستراتيجية القومية أننا نعمل لأن نعلن عام 2030 أن مصر خالية من الأمية.القانون المصرى رقم 8 لعام 1991 نص على إنشاء الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار.. وبالفعل أنشأت الهيئة عام 1992 ولها مبنى مهول للإدارة المركزية فى شمال القاهرة ومكاتب فى كافة المحافظات.. يقال انه يعمل بها 8000 إنسان منهم 5 آلاف معلم.. هذه الهيئة تتبع وزارة التربية والتعليم.. والغريب فى الأمر أنها ليست الجهة التى تقوم بالتعليم لمن يريد أن يتعلم القراءة والكتابة.. ولكنها كما نص القانون «الجهة المنسقة مع باقى الجهات» وهذه الجملة هى الكارثة التى عانينا منها أيضا فى المجلس القومى للسكان والذى هو أيضا منوط «بالتنسيق بين باقى الجهات».. والنتيجة لا شيء.. صفر وتحت الصفر.. كل من يعمل فى الحقل الميدانى والمجتمعى يعلم تماما أنه لا توجد أى فصول تعليمية للهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار.. الهيئة تقوم بإعطاء شهادات فقط لمن يتقدم اليها من أجل العمل أو استخراج رخصة قيادة المركبات.. وتقاريرها يثبت انها قامت بمحو أمية عدد من المواطنين هم من حصلوا على الشهادة فقط.
ما رأيكم ياسادة يا كرام أن نستثمر الطاقة الإبداعية والقدرات الرائعة والتوجهات التطوعية للملايين من أولادنا وبناتنا فى المرحلة الإعدادية والثانوية من أجل قيامهم بمحو أمية ممن يستطيعون الوصول.. شجعوهم والحافز ربما يكون إضافة الى المجموع الدراسي.. شهادات شكر وتقدير قيمة.. تسليط الضوء الإعلامى على من يتميز منهم.. تقليص فترة التجنيد أو حتى الإعفاء منه.. هناك الكثير مما نستطيع أن نقدمه لهم تعبيرا على امتنان الوطن لهم.. ولديهم هم الكثير.. والكثير جدا ممن يستطيعون به خدمة الوطن ان شاء الله.. أولادنا وبناتنا هم الحل وليسوا المشكلة.