عندما قلت إن الدولة المصرية جادة فى ضبط سوق الصرف، لم يكن من فراغ ولا من قبيل الصدفة، إنما كان على علم بما تقوم به مصر الجديدة من إجراءات مهمة، للقضاء على ارتفاع أسعار النقد الأجنبى الوهمى الذى افتعله تجار جشعون لا يريدون استقراراً لهذا البلد العظيم، ويصرون على وقف كل تقدم أو نهضة للبلاد. وفى الاجتماع الاستثنائى الذى عقده البنك المركزى بتحديد سعر صرف الجنيه وفقاً لآليات السوق، يكون بذلك قد وجه أكبر ضربة قاصمة إلى المتلاعبين بسعر الصرف، وقضى تماماً على الأكذوبة الوهمية للدولار الذى تخطى كل الحدود خلال الشهور الماضية.. ولذلك فإن توحيد سعر الصرف الذى سبقه تحقيق أكبر صفقة استثمارية فى «رأس الحكمة» بالساحل الشمالي، قد جاء متواكباً مع إستراتيجية محكمة تعمل من أجل المستقبل.
بالتزامن مع قرار توحيد سعر الصرف، تم تطبيق زيادة قوية على أسعار الفائدة بنسبة حوالى 6٪ دفعة واحدة، ليصل سعرى الإيداع والإقراض ليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية إلى 27.25٪ و28٪ و27.75٪ على الترتيب. كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 600 نقطة أساس والحقيقة أن توحيد سعر الصرف تم فى إطار الحرص على تحقيق حماية كل متطلبات التنمية المستدامة، والمساهمة فى القضاء على تراكم الطلب على النقد الأجنبي. وهنا يتم الإسراع فى وصول التضخم إلى مسار النزول وضمان انخفاض معدلات التضخم الشهرية، وتكون هى المقدمة لخفض الأسعار، كما أن التقييد النقدي، يؤدى إلى تراجع الائتمان الحقيقى الممنوح للقطاع الخاص على المدى القصير، لكن ارتفاع الضغوط التضخمية يشكل خطراً كبيراً على استقرار وتنافسية القطاع الخاص. ولذلك فإن كل الدلائل تؤكد حتمية استقرار الأسعار التى تشجع على الاستثمار والنمو المستدام للقطاع الخاص.
لذلك فإنه تنفيذاً لتعليمات القيادة السياسية، تم إسناد مهمة الإشراف على الإفراج عن البضائع بكل الموانئ المصرية إلى رئيس الوزراء. لأن الرئيس عبدالفتاح السيسى لديه الحرص الشديد على أهمية وسرعة الإفراج عن السلع الغذائية والأعلاف والأدوية وكافة مستلزمات الإنتاج. كما أن عملية الإفراج تعد تعبيراً حقيقيًا على نجاح إجراءات الدولة خلال الفترة الماضية وتساهم فى توفير السلع وتحقيق التوازن وضبط الأسعار.. كما أن الإجراءات التى تقوم بها الدولة خيبت ظنون كل المتربصين الذين لا يريدون خيراً لهذا البلد العظيم.
هذا يعنى أيضاً أن كل هذه الإجراءات ستصب فى نهاية المطاف فى خدمة المواطن ورفع الأعباء عن كاهله.. ولا يمكن إغفال أن القادم أفضل للمصريين فى ظل الجمهورية الجديدة التى تضع نصب أعينها مصلحة الوطن والمواطن. وهذا يتطلب بالضرورة أن تضاعف الحكومة دورها فى ضبط الأسواق والتصدى بكل قوة لجشع التجار حتى يضمن المواطن أسعاراً عادلة لا مبالغ فيها.
القرارات التاريخية التى اتخذتها الدولة المصرية بتوحيد سعر الصرف، ورفع أسعار الفائدة، تعد تاريخية ومهمة جداً وتعد إصلاحاً حقيقياً للاقتصاد المصري، فى ظل نقص الموارد من العملات الأجنبية خلال الفترة الماضية، والذى تسبب فى استفحال السوق الموازية بشكل كاد ينذر بالخطر الفادح، وفى ظل تعرض الاقتصاد العالمى للخطر الفادح وتلقيه العديد من الصدمات، وقد جاءت القرارات الأخيرة للبنك المركزى لتعيد الانضباط إلى السوق المصرفى والقضاء تماماً على السوق السوداء أو كما أقول إنه شهادة وفاة للسوق الموازية، مما يؤثر بالإيجاب على الاقتصاد الرسمى للبلاد.
لذلك فإن قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى يرفع سعر عائدى الإيداع والإقراض وتوحيد سعر الصرف وفقاً لآليات السوق هو خطوة إيجابية جداً تقضى تماماً على كل المضاربات والسوق السوداء للعملات، وهذا يعنى أيضاً زيادة التدفقات النقدية فى البنوك المصرية، وعلى رأسها تحويلات المصريين بالخارج، وعلى حد علمى أن هناك تدفقات نقدية واسعة رغم أن القرارات الأخيرة لم يتعد عمرها حتى الآن سوى ساعات قليلة جداً.. وتعد هذه من أبرز الخطوات الإيجابية والمهمة التى اتخذتها الدولة مؤخراً، ولذلك فإن الشهور القادمة ستشهد تحويلات واسعة وكثيرة من المصريين بالخارج، بعد وفاة السوق الموازية، والمعروف أن هذه التحويلات قد انخفضت خلال الشهور الماضية بشكل ملحوظ، ومن المؤكد أن كل التحويلات ستتم بعد ذلك فى كل البنوك المصرية، وهى جزء مهم من التدفقات النقدية بالعملات الأجنبية إلى جوار دخل قناة السويس والسياحة.
يبقى السؤال المهم الذى يراود أذهان المصريين: هل هذه القرارات ستعود على الأسعار بإيجابية؟! والحقيقة أن هذه القرارات لها مردود إيجابى على نسبة التضخم، لكن ليس فى الحال والتو، فهناك نظرية اقتصادية مهمة، وهى أن الصعود فى التضخم يتم سريعاً، أما الهبوط فيحتاج إلى وقت، للمقاومة التى تتم بطرق غير مباشرة فى هذا الشأن، وبالتالى فإن انخفاض الأسعار سيتم لا محالة بعد خفض نسبة التضخم، والمعروف فى الأساس أن هذه القرارات التاريخية الهدف الرئيسى منها هو محاربة ارتفاع الأسعار وضبط الأسواق، ولذلك الأمل معقود خلال الشهور القادمة على خفض الأسعار التى باتت طبقاً لآليات السوق. والحقيقة الغائبة على كثيرين هى أن الهدف الرئيسى من كل هذه الإجراءات هى حماية المواطن من التضخم وارتفاع الأسعار، وبالتالى فإن النتائج المؤكدة فى هذا الأمر ستعود بخفض الأسعار حتى ولو كان تدريجياً، لكن ليس فى الحال والتو.
المهم أيضاً فى هذه القرارات أن الدولة المصرية جادة جداً فى الإصلاح الاقتصادي، ولديها إصرار شديد على العبور من كل هذه الأزمات التى ألقت بظلالها على المواطن الذى يستحق كل تقدير وتعظيم سلام. أما الجانب الآخر المهم هو أن هذه القرارات ستجذب العديد من الاستثمارات الأجنبية التى تقيم مشروعات، وتتيح الفرص الكثيرة للقطاع الخاص ليشارك فى كل أعمال التنمية التى تطلقها الدولة حالياً على كافة المستويات. وهذا يعنى بالضرورة توفير ملايين فرص العمل من خلال هذه المشروعات التى تتم بعد جذب الاستثمارات، ومن أجل هذا كله صدرت القرارات التاريخية للبنك المركزي.