يخطيء من يتوهم أن سقوط نظام بشار الأسد، كان بسبب تلك التنظيمات المسلحة، خاصة وأنها موجودة منذ سنوات طويلة ولم تستطع زحزحة النظام ولم تتغلب عليه رغم كثرتها وقوتها، وذلك بسبب التماسك النسبى الذى كان فى الجيش السوري، والغطاء والدعم الإيرانى والروسي، حماية لمصالحهما فى المنطقة عامة انطلاقا من سوريا، لكن كل تلك العوامل المساندة تهاوت مرة واحدة، وتخلى الجميع عن بشار، بصفقات أو تحقيقا لمصالح ومنافع، والأهم من هذا كله ما لقيته الجماعات التى تولت مقاليد الأمور فى سوريا من دعم كبير، خاصة من الذين لا يريدون نظام بشار أو ممن يحاولون إلحاق الخسائر بروسيا وإيران، والتقت مصالحهم عند هذه النقطة التى كتبت نهاية حكم البعثيين.
الوقفة الأولى والتى تعد غاية فى الأهمية، فور الإعلان عن سقوط بشار، ظهر «الجولاني» على سطح الأحداث باعتباره الزعيم «المخلّص»، لكن كان الغموض يحيط بتلك الشخصية الفجائية، وانهالت الاستفسارات حول أصوله وفكره، ولم يكن الكثيرون يعرفون عنه إلا معلومات متناقضة حتى لم يكن هناك تأكد من اسمه وكنيته وجنسيته ولا تعليمه ولا نشأته ومسقط رأسه، وهذا مازال قائما حتى الآن، فرغم أنه يتولى مقاليد الأمور ويتصرف كرئيس لسوريا وعين رئيساً للوزراء وشكل حكومة وجمع الفصائل، لكن لم يكن هناك تأكيد نهائى حول «من يكون» ومازال يعتبر الرجل الغامض، حتى بعدما تم الإفصاح عن بعض المعلومات ومنها أن اسمه «أحمد الشرع» وليس الجولاني، وقد نفى اهالى المناطق التى تردد أن الشرع ينتمى إليها أو عاش وتعلم فيها، نفوا معرفتهم به وشددوا على أنه لا أصول له ولا فروع فيها، ويظل كل ذلك فى عداد الغموض الذى ينتظر التوضيح، أو تكشف عنه الأحداث والأيام القادمة، ويظل الحال مثل اللغز يحتاج إلى حل.
ولا يمكن أن يمر تصريح النتن ياهو مرور الكرام ودون أن نتوقف امامه طويلا، عندما بادر بالإعلان عن أن الكيان الصهيونى هو الذى كان وراء إسقاط الأسد، ثم ما حدث بعد ذلك من تحرك الجيش الصهيونى واحتلال جبل الشــيخ الاستراتيجــى وتوغــل لمسـافة 18 كيلومترا فى سوريا وواصلت تقدمها إلى أكثر من 40 كيلومترا، بحجة حماية نفسها من أى تغير مع الوضع الجديد، وظهر النتن ياهو مع قيادته الأمنية كلها يتباهى بما ارتكبه من جريمة احتلال المزيد من الأراضى السورية، حتى يجعل الجميع ينسى قضية الجولان المحتل وينشغل بالاحتلال الجديد، وحتى مع الافتراض جدلا أنه إذا خرج أحد وطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية فإنه يتحتم عليه أن يطالب بإنهاء الاحتلال الجديد وقد لا يحق له الحديث عن القديم، وفى كل الأحوال فإن الدولة العبرية تسير على نفس أسلوبها، بمد أرجلها خطوات إلى الأمام لتنقل أى تفاوض من النقاط المهمة إلى الفرعية والتى تكسب بها الأرض.
ثم كانت أمريكا أول من بارك إنهاء حكم الأسد وتراجعت وقامت بإلغاء طلب رأس أحمد الشرع، وأرسلت إليه مبعوثيها بما ينم عن أنها كانت على علاقة به وعلى دراية بما يدار ويدبر فى الخفاء قبل انهيار الأوضاع ونهاية بشار.
وعندما طالبت السوريين فى البداية بتأجيل الإحتفالات والأفراح والليالى الملاح ابتهاجا بالتخلص من الأسد، لم أقل ذلك من قبيل التشاؤم، ولكن تحوطا مما يخبئه المتربصون وما يخطط له الذين يريدون إسقاط سوريا كلها وليس النظام الحاكم فيها، كما كان يتم التخطيط بوهم الربيع العربى الذى تحججوا فيه بالعمل على إنهاء الحكومات «الديكتاتورية» بينما يعملون على إسقاط الدول كلها.
إننى أرى اليوم سوريا على مائدة يتداعى عليها الأكلة يريدون أن يلتهموها، وأيدى النهش تتسابق للحصول على أكبر جزء من تقسيم الكعكة المقسمة أصلا وتواجه المزيد من التفتيت، لا يخفى الصراع على المزيد من المكاسب، وتزايد أعداد الطامعين من العديد من الدول حتى أنه لا يبدو أن شيئا سيبقى من سوريا للسوريين.
أيها السوريون، لا تتحججوا بالخلافات المذهبية والعرقية، وإذا كان يفرقكم كل شيء فى الحياة، ولا تجدون شيئا واحدا تتفقون عليه، يكفى انتماؤكم لسوريا لتعملوا على إنقاذ ما تبقى منها، إذا كنتم مخلصين.