بعين شاعر
بقلم/ جمال فتحي
ربما يرى البعض أن كثرة المسابقات والجوائز والتنافسات ذات العائد المادي المغري في مجال الأدب و الإبداع لاسيما الشعر قد تؤدي إلى عكس المراد أو على الأقل تصنع طبقة من المبدعين المتفرغين فقط لإبداع الجوائز! وقد سمعت بالفعل هذا الرأي أكثر من مرة لكن الحقيقة والموضوعية تقتضي أن يعرض صاحب هذا الرأي على عقله الوجه المقابل للأمر ويتخيل حال المشهد الإبداعي والشعري العربي على اتساعه و تحديدا خلال العقدين الماضيين إذا حذفنا منه جوائز وتنافسات كبرى زرعها المخلصون في تربة الإبداع العربي بصرف النظر عن جنسية الجائزة ومنها: “البوكر” العربية في الرواية و”الملتقي” في القصة، ” كتارا” ، “أمير الشعراء” “شاعر المليون” وغيرها، فضلا عن عشرات الجوائز الأخرى المختلفة والمتناثرة التي يمثل بعضها “قبلة حياة” لبعض فنون الكتابة التي كانت وربما مازالت تعاني فعلا ويقاوم مبدعوها وكتابها بإخلاص وشجاعة من أجل إبقائها ” حية” مثل القصة القصيرة، أما الشعر لاسيما الشعر الكلاسيكي الذي ورث القصيدة العربية القديمة بفخامتها وبهائها فهو أكبر مستفيد من حشد عدد كبير من المواهب الكبرى ربما كانت ستذهب سدى في طريق صعب تفرضه صعوبات الحياة على شعراء ليس بأيديهم حيلة ولا أمامهم طريق واضح يسير بهم نحو إنتاج شعري عظيم ومائز ليظهر هنا ويتجلى بشدة دور وقيمة تلك المنافسات وهذه الجوائز والبرامج التي أنقذت الكثير من الأصوات الشعرية العربية والمواهب الحقيقية الشابة ودفعتها دفعا للسير على طريق الإنجاز الشعري والتعبير عن الذات بأريحية وتقديم منجز جمالي يليق بمواهبهم وبالقصيدة العربية وميراثها العريق وبلغتنا وآدابها، وها نحن أمام النسخة الـ 11 من مسابقة أمير الشعراء التي تنظمها هيئة أبو ظبي للتراث ويشارك في تصفياتها النهائية خيرة شعراء الوطن العربي من الجنسين منهم ثلاثة شعراء من مصر وبصرف النظر عن الفائز باللقب أو الوصيف وبصرف النظر أيضا عن الترتيب النهائي في تلك النسخة أو النسخ السابقة فإن مكسب القصيدة العربية والمشهد الأدبي والإبداعي ككل من وراء ذلك أكبر بكثير من النظرة الضيقة للبعض ويكفي أن تنشأ أجيال عربية شابة لتجد نفسها داخل سياق يدفعها باتجاه اللغة وآدابها ويحثها على الاقتراب أكثر وأكثر من تلك اللغة سواء بالقص أو بالشعر أو حتى بالتذوق وهذا في ذاته لو تعلمون عظيم لأنه في النهاية سعى حثيث باتجاه الهوية.