لماذا يتجدد الكلام عن فيلم «أهل الكهف» فى هذا التوقيت، بعد مرور ما يقرب من 6 أشهر على عرضه الأول، بإيرادات لا تتناسب مع قيمته وأهميته وضخامة إنتاجه؟!
الحقيقة، أن ما استفزنى قول أحدهم إن الأفلام الدينية والتاريخية تخسر، ولذلك يتجنبها المنتج الذى يريد استعادة رأسماله، ولذلك يلعب على المضمون.. وهو قول مغلوط، لأن الأفلام عموماً لا تخسر، فقد يتأخر إيرادها، لكنها تعوض ذلك بالبيع إلى المنصات ووسائل التواصل والقنوات التليفزيونية، إلى جانب ما تحصده من إعلانات وما تكسبه من البيع الداخلى والخارجي.. والسوق السينمائية لا تتوقف أمام المستوى الفني، بقدر اهتمامه بعوامل جذب الجمهور.. ولذلك يركزون على الأعياد ومواسم الاجازات.. ونزول «أهل الكهف» فى العيد الصغير غلطة، لأن الناس تخرج من شهر العبادة والتراويح تبحث عن الترفيه.. والخطأ الذى وقع فيه صناع الفيلم وسبب لهم الضرر الأكبر تأكيدهم أنه «عمل خيالي»، ثم يعترفون بأنه مأخوذ عن مسرحية الحكيم التى تحمل نفس الاسم، والرجل أخذ مسرحيته من القصة التى وردت فى كتاب الله فى سورة تحمل اسمها «أهل الكهف».. إنها نفس اللعبة التى مارسها يوسف شاهين فى فيلم «المهاجر»، عندما قال فى النسخة الفرنسية إنها قصة نبى الله يوسف.. وفى النسخة المصرية انها قصة خيالية، وبالتالى لم يعرف المتفرج على أى أساس يتعامل مع هذا الفيلم؟!
بين الحقيقة والخيال
أمام القصة المستوحاة من القرآن الكريم، لايملك كاتب السيناريو إلا الالتزام بالحقائق الموجودة بالنص المقدس، وأن يتصرف فقط فى ملء الفراغ وبما لا يخرج عن السياق، وهو ما يعنى البحث فى الفترة الزمنية التى تدور فيها أحداث القصة، وإلا عليه أن يبحث فى خياله عن قصة يتصرف فيها من أولها إلى آخرها كما يريد.
توفيق الحكيم كان سباقاً عندما عرف مبكراً قيمة تقديم القصص القرآنية بأشكال مختلفة، واختار «أهل الكهف» لكى يحولها إلى مسرحية، وهى القصة التى جاءت فى سياق السورة الكريمة التى تجمع أربع قصص «أصحاب الكهف، صاحب الجنتين، قصة النبى موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر، قصة ذى القرنين»، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم عن هذه السورة: «من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق».
توفيق الحكيم اختار أن يقدم قصة «أصحاب الكهف» فى شكل مسرحية كتبها عام 1933 ونشرها فى كتاب، ثم أخرجها زكى طليمات، وجرى ترجمتها إلى الفرنسية والإيطالية والانجليزية.. ورغم أن القرآن الكريم لم يحدد عدد شخصيات القصة، لكن «الحكيم» اختار أن يكونوا ثلاثة فقط وهم «يمليخا» الراعى و«مرنوش» و«مشلينا»، وتبدأ مع استيقاظ هؤلاء من نومهم بالكهف هرباً من ظلم الملك «دقيانوس»، وعندما يذهب الراعى لكى يأتى لهم بالطعام، يكتشف البائع انها عملة قديمة ونادرة يرجع تاريخها لأكثر من 300 سنة.. وتبدأ الأحداث من هنا.
أما فى المسلسل التليفزيونى الذى قدمه المخرج فرج الله سلحشدر الإيراني، الذى قدم مسلسله الشهير عن يوسف الصديق عليه السلام وقدم أيضا «مريم» وغيرها من الأعمال الشهيرة.. فقد استعرض الفترة التى دارت فيها الأحداث، رغم الاختلاف على زمن القصة، هل هو قبل ظهور السيد المسيح عليه السلام أم بعده؟!.. وعبر 18 حلقة دارت أحداث المسلسل فى شكل أقرب ما يكون للقصة التى وردت فى القرآن الكريم، من الآيات رقم «9» إلى «22».. وبمعلومات قليلة للغاية، وأمامها يحتاج كاتب السيناريو إلى البحث والتحرى والتحقق.. والقصة فى القرآن الكريم لها أهدافها ومغزاها، و»أصحاب الكهف» تدور أحداثها قبل ظهور الإسلام، ومع ذلك يأتى بها المولى سبحانه وتعالى للمسلمين لتكون لهم عبرة مع أهل التوحيد والإيمان، حتى لو كانوا فى عهود سابقة.
الفيلم الجديد
يونيو 2024 جرى العرض الأول لفيلم «أهل الكهف» المصري، بعد تحضير ومشاكل إنتاجية استمرت ما يقرب من أربع سنوات، وهو حدث لم يلتفت إليه الغالبية فى زحمة الانشغال الأهوج بـ «أولاد رزق» والقاضية و»الفاضية»!!.. فهذا العمل يمثل عودة للأعمال الدينية السينمائية، بعد غياب لأكثر من 50 عاماً، ولأسباب تبدو فى معظمها متعلقة بالأرباح والخوف من رقابة الأزهر الشريف، وكأن الذى يريد أن يصنع فيلماً دينياً، يود لو تحرر من قواعد وأصول يجب مراعاتها، خاصة فى عصرنا الحالي.. وقد رأينا الانفلات على أشده والتشكيك فى السُنة النبوية المشرفة.. بل بلغت بهم الوقاحة والجرأة على دين الله، الطعن فى آيات قرآنية وتفسيرها بغير ما اتفق عليه علماء التفسير والفقه والحديث والشريعة.. مع أن الهدف، هو استخدام الفيلم والمسلسل كوسائل عصرية، لتقديم القصة والحديث بما يتفق مع كتاب الله وسُنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ورغم الملاحظات العديدة على فيلم «أهل الكهف».. لكن يجب تحية المنتج محمد الرشيدي، لأنه أكمل الفيلم بعد تعثره.. وهى تحية واجبة لكل مشارك، سواء بالموسيقى أو الديكور أو التمثيل أو التصوير.. والبداية، لابد أن تنطلق من المعالجة التى كتبها الشاعر أيمن بهجت قمر، وهو أيضا كاتب السيناريو والحوار، والإخراج الذى تصدى له عمرو عرفة.. نقول هذا والسينما المصرية عبر تاريخها كله منذ الثلاثينيات حتى وقتنا هذا، لم يزد إنتاجها كله من الأفلام الدينية على عشرين فيلماً، وإن كان البعض قد عد من بينها «الناصر صلاح الدين» و»المهاجر»، وهو تصنيف فى غير محله، لأنهما من الأعمال التاريخية أكثر منها دينية، وممكن فيها التصرف بحرية أكبر وفقاً لرؤية الكاتب وخياله.. لكن شروط العمل الدينى أن يرتبط إما بالقرآن الكريم أو السُنة النبوية المشرفة بشكل أو بآخر.. ومن المهم أن تعرف أن النوايا الطيبة فى صناعة وإنتاج هذه الأفلام، جهد مشكور لأصحابه، بصرف النظر عن المستوى الفنى الذى خرج به الفيلم، مع الوضع فى الاعتبار أن معظم الأفلام هذه تم إنتاجها بإمكانات فنية وإنتاجية محدودة.
أهمها «الرسالة»
يظل فيلم «الرسالة» للمخرج العربى السوري- الأمريكى مصطفى العقاد هو الأفضل، وإن كان لا ينتمى إلى السينما المصرية، إلا بمشاركة مجموعة من الكُتاب فى السيناريو والحوار الذى صاغه بشكل نهائى كاتب أمريكى «هارى كريج»، ومعه عبدالرحمن الشرقاوى ومحمد على ماهر وتوفيق الحكيم، بينما القصة الأدبية للكاتب عبدالحميد جودة السحار، واستعان المخرج أيضا بالدكتور شلبى مستشاراً دينياً وتاريخياً، ووقتها تحول الفيلم إلى حدث مدوٍ فى أوروبا وأمريكا، خاصة أن تصويره تم فى نسختين، واحدة عربية وأخرى انجليزية، لعب بطولتها أنتونى كوين، إلى جانب إيرين باباس وجونى سيكا ومايكل انسارا، وتم إنتاجه عام 1976.
من هنا تأتى أهمية فيلم «الكهف».. لكن توقيت عرضه فى زحمة عيد الأضحى ومع أفلام فيها ضحك وعنف، تراجعت إيراداته.. لكنه فى المنصات والمحطات التليفزيونية، سوف يجد إقبالاً.. وصناعه داعبوا الجمهور بمشاهد القتال التى طغت على القصة القرآنية، والتصرف أو الخيال فى هذه الأمور له حدود وإلا وجدنا أنفسنا أمام عمل مختلف تماماً، وكان توفيق الحكيم حريصاً فى مسرحيته على ذلك، وأيضا المسلسل الإيراني.. أما الفيلم المصري، فهو يحتاج إلى وقفة فنية ناقدة خاصة.
هوامش
>> «ماجدة» أكثر فنانة مصرية أنتجت وشاركت فى الأفلام الدينية.
>> قائمة أفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية، خلت تماماً من الفيلم الديني.
>> يُحسب لخالد النبوى المشاركة فى الفيلم، بعد أن قدم مسلسل «رسالة الإمام».. ولأنه يخدم جمهوره، وضعه المتفرج والناقد فى صدارة النجوم، وهو ينوع فى اختياراته الاجتماعية، وآخرها «امبراطورية ميم»، وقبلها «راجعين يا هوي».
>> استخدام اللغة العامية فى عمل تاريخى أو ديني، مأزق.. لأن المتفرج يشعر بالغرابة ولا يتقبل الأمر بسهولة.. واستخدام الفصحى السهلة أو لغة الصحافة، يمكنها أن تحل الإشكال.
>> قلة الإيرادات، ليست علامة على تواضع الفيلم.. فكم من الأعمال حصدت إيرادات كبيرة وهى صغيرة فنياً.. وحدث العكس مع أفلام دخلت التاريخ.