تستضيف القاهرة اليوم قمة منظمة الدول الثمانية الإسلامية للتعاون الاقتصادى D8 فى نسختها الحادية عشرة بمشاركة الدول الأعضاء وهى مصر ونيجيريا وتركيا وباكستان وبنجلاديش واندونيسيا وماليزيا وإيران، والتى ستناقش سبل مواجهة المتغيرات العالمية الاقتصادية والسياسية المتلاحقة. تعقد القمة تحت شعار الاستثمار فى الشباب ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة: تشكيل اقتصاد الغد وتترأس مصر النسخة الحالية من القمة حيث تولت رئاسة المجموعة فى مايو الماضى وتستمر فى قيادة أعمالها حتى نهاية العام المقبل ومن المقرر أن تعقد عدة قمم ولقاءات ثنائية على هامش انعقاد قمة منظمة الدول الثمانية الإسلامية فى القاهرة سواء على مستوى الرؤساء أو الوفود المشاركة فى المؤتمر، تأتى هذه القمة وسط ظروف إقليمية غير مسبوقة حيث انفرط عقد العديد من دول المنطقة أمام تيارات عاصفة نتجت عن ضياع الدولة الوطنية وتفكيك الجيوش النظامية واستبدالها بميلشيات فاعلة من دون الدولة، بعيدا عن أصل الحكاية – حكاية القمة – وهو الإطار الاقتصادى والتنموى والتعاون فيما بين هذه الدول المتقاربة اقتصاديا وتنمويا والتى تتشابه معظمها فى مواجهة التحديات الجيوسياسية، فتركيا وإيران ومصر ثلاثة دول مركزية فى منطقة الشرق الأوسط وكل دولة منها تواجه حزمة تحديات مركبة يصعب حلها محليا وبشكل منفرد، ربما جاء الوضع المتدهور فى سوريا ليلقى مزيدا من الضوء على أول اجتماع فى القاهرة يضم قادة مصر وتركيا وإيران، لرغم تسليمنا بدور الولايات المتحدة المتعاظم من أجل عيون إسرائيل وزعيمها نتنياهو، إلا أن الواقع يقول إذا كان هناك تنسيق – صادق – بين القاهرة وأنقرة وطهران فالوضع سيكون مختلفاً وستضطر الولايات المتحدة إلى اعادة النظر فى طريقة التعامل الباهت مع الملفات المشتعلة، ايران التى تقاسمت الخسارة مع روسيا فى سوريا تجلس مع تركيا التى تقاسمت الأرباح مع إسرائيل على نفس الملف، ومصر التى تحاول إعادة العواصم العربية إلى مكانها على الخريطة تبذل جهدا خارقا لمحاولة عدم اتساع نطاق الحرائق التى حوّلت الإقليم إلى إقليم بائس.
انتظر من القمة بيانات واضحة للتعاون الاقتصادى فيما بين المشاركين، لكن الأهم من بيانات التعاون الاقتصادى والاتفاقيات المتبادلة هو الوضع الجيوسياسى المرتبك والمشتعل والمرشح لمزيد من الاشتعال، ربما نجحت إسرائيل المدعومة أمريكياً من نزع الحواجز فى طريقها إلى ايران، والخلاصة انه لم تعد حماس قادرة على تكرار ما فعلته فى السابع من اكتوبر، ولم يعد حزب الله يستطيع الوصول بصواريخه إلى تل ابيب، لم يعد هناك قوات موجودة فى سوريا يمكنها التسلل ومهاجمة إسرائيل، لم يعد هناك السنوار ولا حسن نصرالله ولا إسماعيل هنية ولا صالح العارور ولا احد من هؤلاء الصقور، إسرائيلية فتحت لنفسها الطريق وأزالت كل الحواجز وبات الطريق ممهداً إلى إيران، ربما بقيت بعض الحواجز والجيوب فى العراق وربما وجدنا خلال الأيام القادمة ما يؤكد ان الهدف هو إيران، بيد ان المحور الإيرانى الذى اختل بزوال خطر حماس وحزب الله ورحيل الأسد أدى إلى خلل فى موازين القوى مع إسرائيل، وهذا يمكن ان يمر دون ان تهتز اركان الشرق الأوسط، لكن الخطر هو اصطياد ايران ومحاولة إشاعة الفوضى بضرب الداخل الإيرانى خاصة منصات البترول ومكونات البرنامج النووي، إذا حدث هذا فالكارثة لن تميز بين مؤيد ومعارض أو بين معتدل وغير ذلك، ستتحول إسرائيل إلى بلطجى رسمى فى المنطقة، ولن يكون هناك من خط للمناكفة إلا مع مصر وتركيا، لذلك ارى ان جلوس قادة الدول الثلاثة معا ومناقشة الوضع بشكله وتفاصيله الحقيقية ربما يصل بنا إلى رسم نقطة توازن نسعى للوصول اليها بكل الطرق، لكن هل المساحات المشتركة بين الدول الثلاثة تسمح بالتحرك الثلاثى فى ملفات تتباين فيها المصالح بوضوح، لكن ارى – وقد أكون مخطئًا – ان الدول الثلاثة فى مهب التهديدات الإسرائيلية الرعناء، تأتى ايضاً قضية التهجير وتصفية القضية الفلسطينية على جدول أعمال أى لقاء ثنائى أو جماعي، القاهرة تحذر الجميع من مغبة تفريغ الأرض من سكانها عن طريق مزيد من الهدم والخراب الذى جعل القطاع غير قابل للحياة، الخلاصة هناك فرصة تاريخية لمجابهة هذه التحديات.