>> احتفل العالم أمس بلغة الضاد فى حدث يتكرر يوم 81 ديسمبر من كل عام منذ أن وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على اختياره يوماً عالمياً للغة العربية التى جعلتها المنظمة الدولية إحدى اللغات الست الرسمية التى تعترف وتتعامل بها ويتم ترجمة جميع قراراتها ومنشوراتها إليها حيث يتحدث بها أكثر من 054 مليون إنسان على كوكب الأرض.
اختارت اليونسكو «الذكاء الاصطناعي» ليكون شعار احتفال هذا العام بغرض تحفيز الابتكار وصوت التراث الثقافى وسد الفجوة الرقمية الموجودة حيث لا يتعدى المحتوى العربى على شبكة الإنترنت 3٪ فقط.. مما يستدعى ضرورة تشجيع الباحثين فى هذا المجال من المهندسين والمبرمجين والمفكرين.. والأهم تشجيع المبادرات التى تنادى بالحفاظ على اللغة العربية وحماية «الفُصحي» من هجمات اللهجات العامية المحلية ومحاولات التغريب التى تستهدف استبدال لغتنا الجميلة بلغات أجنبية بدأت تنتشر على ألسنة شبابنا وأطفالنا مما يهدد مستقبل الهوية والثقافة العربية!!
عندما قال أمير الشعراء أحمد شوقى «أخشى على الفُصحى من عامية بيرم» كان يقصد ما سمعه من أشعار وأزجال بيرم التونسى رغم ان ما كتبه كانت تغنيه أم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان وشادية ومحمد فوزى وغيرهم وكان كلاماً محترماً وفناً راقياً وكانت عاميته أقرب للفصحى بخلاف ما نراه الآن من الفن الهابط وأغانى المهرجانات التى قضت على اللغة سواء العامية أو الفصحى وهبطت بالذوق العام للمستمعين.. فماذا كان سيقول عنها شوقى لو سمعها.. وماذا كان سيفعل شاعر النيل حافظ إبراهيم الذى كان يفخر بلغته وأنشد فيها «أنا البحر فى أحشائه كامن.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي.
للأسف أصبحت اللغة العربية غريبة فى البلدان العربية.. ولم يتم ذبحها فى مجال الفن والأغانى والدراما فقط.. ولكن من يتابع مواقع التواصل الاجتماعى يجد العجب.. ومن يسير فى الشوارع من المحيط إلى الخليج يجد أسماء المحلات معظمها بالإنجليزية أو الفرنسية وكذلك لافتات الإعلانات.. وحتى المنتجعات والأماكن السياحية والفنادق أغلبها بأسماء أجنبية.. والدكاكين تحولت إلى «سوبر ماركت ومولات».. وبينما العرب يخجلون من لغتهم ويتبرأون منها يتهافت الأجانب على تعلم العربية وفى كل جامعات العالم يتم تخصيص أقسام لتعليمها وقواعدها ودراسة أدبها.. والغريب أيضاً أن الحديث فى مطاراتنا العربية وعلى متن طائرات شركات الطيران العربية يكون بالإنجليزية بما فى ذلك استمارات وبطاقات وتذاكر الطيران.. فلماذا نشعر بالدنية ولا نجعل من يستخدم طائراتنا ومطاراتنا يتعامل بلغتنا؟!.
لم تتعرض لغة للإهمال واللامبالاة والتجاهل من أهلها مثلما تتعرض له لغة الضاد.. واستمرار الخجل من التحدث بها واستخدام اللغات الأجنبية فى التحدث بين المثقفين ورجال الأعمال والفنانين وأبناء الطبقة الراقية سيؤدى إلى ضياعها وضياع الثقافة وضياع الهوية.. فقد أصبحت الإنجليزية والفرنسية اللغة الرسمية تقريباً لمعظم المهرجانات الفنية فى العالم العربى وكأننا نحن الضيوف فى أوطاننا.. ولا ندرى لماذا لا يتم التحدث بالعربية طالما هناك ترجمة للفنانين والفنانات والمخرجين الأجانب الذين يأتون إلى مهرجاناتنا واحتفالاتنا.. لماذا نتحدث بلغتهم فى عقر دارنا بدلاً من أن نعلمها لهم.. فهل عندما يذهب الممثلون العرب إلى مهرجانات «كان أو فينيسيا أو موسكو أو يحضرون حفل الأوسكار» يجدونهم يقدمون الحفل باللغة العربية أو بأى لغة أخرى غير لغة البلد المقام به المهرجان بالطبع مع وجود الترجمة؟!
أدى تدهور التعليم إلى أن العديد من الآباء والأمهات أصبح راسخاً فى أذهانهم أن الحصول على فرص عمل متميزة لأبنائهم بعد التخرج لن يكون إلا بإجادة اللغات الأجنبية فهذا يتيح لهم العمل فى البنوك والشركات متعددة الجنسية وفى مجال الاتصالات الدولية وقطاع البترول أو السياحة.. وهذا أدى إلى إلحاق الأبناء بالمدارس والجامعات الخاصة والدولية.. ولا مانع فى ذلك حتى ينصلح حال التعليم ولكن ليس على حساب تجاهل اللغة العربية التى هجرها معظم طلاب المدارس والجامعات الأجنبية وأصبحوا لا يتحدثون بها ويخجلون من التحدث بها.. مما أدى إلى انفصالهم عن المجتمع ولا يفهمون لغتنا ولا يتعاملون بها.. وفى هذا خطورة على المستقبل.. ولا يقتصر الأمر على دولة بعينها وإنما للأسف هذا حال معظم الدول العربية.. فتاهت الفصحى ما بين اللهجات المحلية وما بين اللغات الأجنبية!!
بالتأكيد.. لا يوجد من يعترض على وجود مدارس أجنبية وافتتاح جامعات دولية فى الدول العربية.. ولكن بشرط أن نستفيد من هذا التعليم ويكون إضافة ويحصل الأطفال على المناهج المناسبة ويتعلم طلاب الجامعات كل جديد فى مجال تخصصهم ويحصلون على التكنولوجيا العصرية وتعلم لغات أجنبية.. وفى نفس الوقت لابد من التأكيد من الحفاظ على هويتنا وثقافتنا وتقاليدنا وعاداتنا وديننا وعلى لغتنا.. وذلك يحتاج إلى مراقبة المناهج التى يدرسها أولادنا وشبابنا وفرص تعليم «اللغة العربية».. فلا توجد أمة تسلم عقول وألسنة أولادها لأجانب وجنسيات متعددة بحجة أنهم يحصلون على تعليم جيد.. مع أن ذلك يؤدى إذا لم ننتبه لأن تسود ثقافات غريبة عن مجتمعاتنا وتصبح اللغة العربية غريبة فى البلاد العربية!!
نؤمن بكل ثقة أن اللغة العربية باقية لأنها لغة القرآن الكريم المحفوظ بإذن الله.. ولكن على جميع الجهات القيام بدورها خاصة فى ظل ما تتعرض له الأمة العربية من هجمات من ثقافات تريد اقتلاعنا من جذورنا!!.
فى كل عام ومنذ سنوات بعيدة أكتب عن ضرورة العمل على إنقاذ اللغة العربية.. كما يكتب معظم أصحاب القلم.. ونطالب مجامع اللغة العربية المنتشرة فى دولنا بالعمل على التوصل إلى لغة سليمة بسيطة يفهمها ويتعامل بها المواطنون من المشرق إلى المغرب العربي.. وتكون مفرداتها متماشية مع العصر بحيث لا تكون صعبة تناسب علماء اللغة والنحو والصرف فقط.. ولا هى «ركيكة» كالتى يتكلم بها من يتحدثون باللهجات العامية الهابطة.. لغة عربية للجميع توحد الشعوب العربية.