ليس هناك منصف يمكن أن ينكر الجهد المصرى فى الدفاع عن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطينى المشروع فى إنهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة، لو أحصينا عدد الرحلات واللقاءات التى تقوم بها أو تجريها القيادة المصرية أو يتم على مستوى وزارة الخارجية لحل القضية الفلسطينية ومحاولات مصر إيقاف الحرب على غزة سنجدها رقمًا كبيراً، يفوق أضعاف جهد أى دولة اخرى، وليس هذا الا يقينا بأن فلسطين قضية مصر والعرب الأولى وانه لا استقرار وامن وسلام فى المنطقة إلا بحل نهائى عادل لها، من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وامتلاك شعبها كافة حقوقه المشروعة، وهذا ما تحمله مصر على عاتقها وتجوب به كل العواصم لحشد رأى عام عالمى وإقناع الفاعلين فى المجتمع الدولى بعدالة الحق الفلسطينى، وعدم السماح بالمماطلة فى تنفيذ مبدأ الدولتين.
من أجل هذا الحلم الفلسطينى العربى الذى تسعى القاهرة لتحقيقه وبتنسيق مع كل الأشقاء العرب، لا تخلو قمة مصر طرف فيها من الحديث عن القضية الفلسطينية والتأكيد على حقوق شعبها التى يهدرها الاحتلال، ولا يخلو لقاء او اجتماع بين الرئيس عبد الفتاح السيسى وأى قيادة أو مسئول اقليمى أو دولى من تناول الملف الفلسطينى، بل ان توجه الدولة المصرية الواضح فى هذا الشأن سيطر حتى على اجتماعات مجلس الوزراء فلا يخلو اجتماع اسبوعى من الاشارة للقضية والتأكيد على الثوابت المصرية بشأنها، تأكيد لمقولة الرئيس السيسى بأن مصر كانت وستظل دوما الداعم الأساسى للفلسطينيين.
وعندما نرصد المبادرات والمقترحات التى قدمتها مصر على المستوى الدولى أو العربى من أجل ادانة العدوان الإسرائيلى والمطالبة بالحقوق الفلسطينية سنجد أن مصر تتعامل مع القضية بحرص شديد على الفلسطينيين ورغبة فى دعمهم الى ابعد الحدود، وفى الوقت نفسه فضح الاحتلال وجرائمه امام العالم، سواء من خلال الامم المتحدة او محكمة العدل الدولية أو الجنائية الدولية، أو من خلال الإعلام المصرى والإقليمى.
هذا الجهد المصرى على مدى اكثر من سبعة عقود، وتحديدا وبوجه خاص خلال السنوات العشر الماضية ثم منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، يستحق ان يكون هناك تنسيق بين وزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات لرصده واعلانه للجميع من خلال تقرير شامل بالارقام والاحصاءات الكاشفة، لان هذا سيكشف للجميع بحق مدى الدعم والمساندة المصرية للفلسطينيين ومدى ايمان مصر بهذه القضية بل وما تحملته من أجل الدفاع عن حق الفلسطينيين، وهو كثير جدا.
هذا الرصد الذى اطالب به ليس منًًّا على الاشقاء لا سمح الله، فليست هذه اخلاق مصر واهلها، وانما اخراس للمرجفين والمدعين والمزايدين على مصر، الذين لا يشغلهم أن تضيع فلسطين أو تهدم غزة وتدمر الضفة ولا يكون لابنائها وطن، وانما يشغلهم فقط تشويه مصر وقيادتها، رغم يقينهم بأنها الاكثر تحركا وبذلا للجهد فى سبيل فلسطين.
بالتأكيد هذا هو دور مصر التاريخى الذى لن تتنازل عنه ولن تتهاون فى ادائه على الوجه الأكمل مهما كانت التحديات، لكن عندما يكون هناك من يتعامى عن هذا الموقف المصرى الثابت والذى يشهد به العالم كله فلابد من الحديث بالوقائع، حتى يعلم كل من يزايد ماذا فعلت مصر، وكيف كانت وما زالت مواقفها مساندة بقوة للقضية وكيف أن فرض خطوطها الحمراء هى الأكثر إغضابا للاسرائيليين، لأنها تعطل مخططاتهم.
وفى الوقت نفسه لابد ان نتحدث بصراحة ووضوح عن معوقات حقيقية تواجهها مصر وتقف حجر عثرة امام نجاح الكثير من جهودها فى هذا الملف:
أولها: عدم التوحد الفلسطينى نفسه، فرغم وحدة العدو الاسرائيلى، لا يوجد فى المقابل صوت فلسطينى واحد ولا توافق على المطلوب أو حدود التفاوض، حركة فتح والسلطة فى اتجاه والفصائل فى اتجاهات اخرى، كل يتحدث برؤيته ويتعامل بمنطقه وليس منطق الدولة، ولهذا فكثير من الجهد ضائع ومهدر لأن أصحاب القضية انفسهم مختلفون، ورغم السعى الدائم من مصر لتقريب المسافات بين الفصائل ولم الشمل الفلسطينى إلا أنها كثير ما تتعثر بسبب تراجعهم، ومع ذلك لا تزال مصر تُصر على استكمال العمل لتحقيق الوحدة الفلسطينية وتأمل أن تنجح جهود التوافق على لجنة ادارة غزة كبداية لليوم التالى لانهاء الانقسام.
الثانى: رغم أن فلسطين هى قضية القضايا العربية لكن أيضا لا يمكن تجاهل أمر مهم غيّر فى المعادلة، وهو انتقال الصراع الى دول عربية اخرى والحروب الاهلية فى دول أخرى، فنحن الان أمام معادلة عربية خرجت منها 9 عواصم على الاقل لاسباب مختلفة وهذا يضعف اى تحرك عربى.
الأخطر أن مصر والدول العربية المتماسكة مطالبون الان بدلا من الحديث عن فلسطين فقط ان يتحدثوا عن فلسطين وسوريا ولبنان والسودان وليبيا واليمن والصومال، فالقضايا العربية كثرت والازمات تضاعفت وكل دولة مشغولة بقضيتها.
الثالث: ان هذا المشهد العربى جعل الموقف الدولى نفسه غير مساند للقضايا العربية بالشكل الذى نتمناه، ففى مقابل اكاذيب إسرائيل التى تجيد ترويجها وكسب تأييد عواصم عديدة لها، نجد الحقيقة العربية تائهة بسبب الخلافات والانقسامات، وبالتالى مهما فعلت مصر بالتنسيق مع العواصم العربية المستقرة فلن يكون التأثير المطلوب دوليا، ومع ذلك لم ولن تتوقف الجهود المصرية دفاعا عن القضية العادلة وبحثا عن حقوق الاشقاء.
اعتقد هذه بعض الحقائق التى يمكن الحديث فيها وكلها تؤكد ان موقف مصر لا يقبل المزايدة سواء فى شأن القضية الفلسطينية او الملف السورى او اللبنانى او كل القضايا العربية، لكن للاسف المشكلة فيمن ينظرون للامور بعين متربصة ويتعامون عن الحقائق، فهؤلاء المرضى لا علاج لهم ولا أمل فيهم ولا منهم.