ظهرت فكرة الكتاتيب منذ قرون طويلة، خاصة مع بداية التدريس فى الجامع الأزهر الشريف.. حيث كانت من شروط الالتحاق بالأزهر حفظ القرآن الكريم كاملاً وإجادة القراءة والكتابة.. لذلك كل مشايخ الأزهر العظام كانوا ممن تخرجوا فى الكُتّاب قبل الالتحاق بالأزهر للدراسة فيه.
بدأت الكتاتيب فى القرى والنجوع فى الصعيد والوجه البحري، وكان لها صدى كبير فى طول البلاد وعرضها وكان لها صدى كبير فى تحفيظ القرآن الكريم وتعليم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، واستمر العمل بها حتى قبل وبعد التربية والتعليم وحتى وقت قريب واهتمام بعض الناس بإلحاق أطفالهم بفصول رياض الأطفال التى تولى اهتمامها بالرسم أكثر من الحفظ والكتابة.
فى عام 1966 قررت جامعة الدول العربية إنشاء الجهاز العربى لمحو الأمية وتعليم الكبار، لتعليم من لم يلتحقوا بالتعليم مبكراً فى بعض الدول العربية، وقد لاقت هذه الفكرة قبولاً لدى البعض، وعلى إثر هذا القرار توالت الدول العربية فى إنشاء هيئات لمحو أمية مواطنيها.. وفى عام 1989 أعلن الرئيس محمد حسنى مبارك- رحمه الله- القانون رقم 8 لسنة 1991 بإنشاء هيئة مستقلة لمحو الأمية وتعليم الكبار.. وفى عام 1992 تم إنشاء الهيئة تكون تبعيتها لرئيس الجمهورية مباشرة، وكانت نسبة الأمية وقتها 48 ٪ وشارك فى هذه المهمة بعض من قادة القوات المسلحة وكان لهم دور بارز فى هذه المهمة وعدد كبير من التربويين من المدرسين والموجهين بالتربية والتعليم حتى أصبح القضاء على الأمية مشروعاً قومياً شاركت فيه معظم الوزارات والمحافظات والجامعات، بهدف القضاء على الأمية خلال عقد التسعينيات من القرن الماضى ورغم الجهود المضنية، إلا أن النتيجة بلغت 30 ٪.. والسبب يعود إلى التسريب من التعليم الذى تعدى الأرقام القياسية من ناحية، وقرارات وزراء التربية والتعليم السابقين البالية التى تسببت فى زيادة نسبة الأمية، وكان مفادها نجاح التلاميذ بحكم القانون، الذين تكررت مدة رسوبهم فى العام الواحد، مما جعلهم يحصلون على الإعدادية وربما الدبلوم عند سن العشرين دون معرفتهم بالقراءة والكتابة، مما أضر بالعملية التعليمية من ناحية، ومستقبل هؤلاء الدارسين.
فى ظل استمرار التسرب من التعليم وعدم وفاء هيئة محو الأمية بمهمتها التى أنشئت من أجلها وهى القضاء على الأمية، كان لزاماً على الحكومة العودة إلى الكتاتيب مرة ثانية وبقوة وهذه العودة بحاجة إلى قرارات حاسمة من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف مع توفير الدعم اللازم للقيام بهذه المهمة، على أن تتم هذه الكتاتيب بالمساجد والمعاهد الأزهرية ودور الضيافة بالقري، ولدينا من المشايخ والمدرسين والوعاظ بالأزهر والأوقاف للقيام بهذه المهمة خير قيام وهم لها.
لا شك أن الكتاتيب أصبحت ظاهرة صحية فى كثير من الدول العربية ومصر واحدة من هذه الدول، ليتها تعود ثانية وبقوة، لأن أولادنا لديهم القدرة على الالتحاق بهذه الكتاتيب من أجل حفظ كتاب الله وتعليم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، حتى يتسنى لهم الالتحاق بالأزهر والتربية والتعليم فى سن السادسة وهم تربة خصبة وهيئة لاستقبال كل المعارف المقررة عليهم، ولا ننسى من تعلموا بالكتاب ومنهم الأئمة محمد عبده والطهطاوى وسيد طنطاوى والطيب، ومن على شاكلتهم من الأخيار أمثال طه حسين والشرقاوى وعبدالمجيد سليم والمنشاوى والحصرى ومصطفى اسماعيل ومحمد رفعت، وغيرهم من العظماء.