جاءت فكرة اقامة البحيرات المقدسة داخل المعابد المصرية القديمة إلى أولى نظرياتهم فى الخلق حيث تصورالقدماء أن العالم قبل أن تتكون السماء والأرض وقبل أن تخلق المياه كان يغمره محيط أزلى عظيم يغطى كل شيء.. وحتى يقربوا فكرته إلى أذهان الناس رموزاً إليه فيما بعد فى عصرالدولة الحديثة بفكرة «البحيرة المقدسة» التى اجتهد الملوك أن يجعلوا منها احد العناصر الرئيسية فى معظم معابدهم ومن أهم هذه البحيرات تلك التى اقامها فراعنة الدولة الحديثة جنوب معبد الكرنك بمدينة الأقصر بين الصرح السادس والسابع على المحورالثانى المتعامد مع المحور الأول للمعبد، وتعتبر من أعظم البحيرات جميعاً وهى لا تزال تحتفظ بحالتها التى كانت عليها فى العصور القديمة تقريباً خاصة بعد أن أعيد ترميم ما تهدم منها فى عصرنا الحديث، أنشأ هذه البحيرة «الملك تحتمس الثالث» عندما ادخل بعض الاضافات إلى معبد آمون الذى أنشأه أسلافه وهى مستطيلة تبلغ مساحتها 40*80 متراً، ويبلغ عمقها نحو خمسة آمتار، وجوانبها مبنية بالحجر الرملى وتتخلل هذه الجوانب سلالم تفضى إلى سطح الماء الذى تستمده من مياه الرشح.. وكان لزاماً على الكهنة الاغتسال فى هذه البحيرة أربع مرات فى اليوم والليلة حسب الشعائر التى كانت تلزم الكاهن أن يكون طاهراً نظيفاً على الدوام.
وعن نظافة الكهنة يذكر «هيرودت» أنهم كانوا يغتسلون فى اليوم أكثر من مرة وانهم كانوا يلبسون ثياباً من الكتان الأبيض فقط، وأحذية من ألياف البردي، وفى كثير من الأعياد الدينية كان تمثال آمون يتنزه فى زورق ذهبى جميل ينساب على صفحة مياه البحيرة تجسيداً لفكرة الاله الخالق الذى برز فوق ربوة عالية انحسرت عنها مياه المحيط الأزلى عند بدء الخليفة حسب النظرية المصرية القديمةوهى نظرية قريبة بما آتت به الأديان السماوية.
كانت لهذه البحيرة فائدة اخرى إذ كانت تستخدم فى تربية الأوز الذى كان أحد المخلوقات التى يرمز بها لآمون.. وكان يقدم فى كثير من الأحيان كقرابين داخل المعابد مع موائد القرابين، وكانت توجد حظيرة لهذه الأوز جنوبى البحيرة وكان يربطها بالبحيرة ممر مسقوف تنتقل الطيور من خلاله لتسبح فى ماء البحيرة.. ولا تزال معالم هذا الممر باقية حتى الآن، وكانت تنمو على حواف البحيرة نباتات البردى واللوتس لتضفى عليها جمالاً وشاعرية ويوجد عند الركن الشمالى الغربى للبحيرة تمثال من الجرانيت للجعل «الجعران المقدس» وهذا «الجعران» «اقام الملك امنحوتب الثالث، فى هذا المكان تجسيداً لهذه الفكرة وإن كان النقش الذى يوجد على قاعدته يشير إلى أنه كان معداً ليوضع فى معبده بالبر الغربى خلف «تمثالى ممنون» وإلى جانب هذه البحيرة توجد بحيرة اخرى كبيرة بمعبد «موت» وبحيرة لمعبد «مونتو» وثالثة لمعبد «مدينة هابو» بالبر الغربى لمدينة الأقصر ورابعة بمعبد «منتو» بمدينة الطود جنوب الأقصر 15 كم، وكلها تشير إلى نفس المعنى وتعبر عن نفس النظرية.