لم نكن نحن العرب فى حاجة إلى عدوان إسرائيل « الأخير» والغاشم على قطاع غزة لتزداد معرفتنا بأنها تضم جماعة من «الهمج «واللصوص والقتلة، ولكن الأمر المؤكد أن هناك دولا كثيرة فى العالم كانت تحتاج هذه المعرفة، وقد جاءت أحداث غزة لتؤكد للجميع أن الكيان الصهيونى بات يشكل «وصمة عار» فى جبين البشرية كلها، كما أن المجازر التى ينفذها كل يوم بما فيها مجزرة دوار النابلسى التى وقعت قبل أيام– أثناء انتظار سكان القطاع لقوافل المساعدات الغذائية، تثبت «نازية» إسرائيل وتجردها من كل معانى الإنسانية، ولتضاف حسب وصف الأزهر الشريف إلى «السجل الأسود للصهاينة ومذابحهم الوحشية التى تعف عنها حتى الحيوانات فى الأدغال».
هذا هو الواقع المؤلم الذى فرضه جيش الاحتلال الإسرائيلى فى غزة على مدى خمسة أشهر، وكان القتل والدمار والحصار والتجويع أهم مظاهره، كما كانت مجزرة « النابلسي» إحدى صوره» البربرية» والعديدة التى لحقت بالفلسطينيين دون تحرك حقيقى من قبل المجتمع الدولى لوقف مثل هذه المجازر، سيما وأن إسرائيل هى من دعت المدنيين العزل للتجمع فى هذا الموقع للحصول على المساعدات، وأن جنود جيش «العار» هم من وجهوا نيران أسلحتهم فى اتجاه الجموع الفلسطينية ليسقط مئات الشهداء والمصابين، فى مشاهد متتالية من الأشلاء المتناثرة وجثامين الأطفال والنساء والشيوخ، تبرهن جميعها على «بشاعة» النظام العالمى الذى تديره الولايات المتحدة، و»غدر» تل أبيب ومخططها الخبيث لإبادة سكان غزة.
فى مرافعاتها أمام محكمة العدل الدولية الأسبوع قبل الماضي، نجحت بعض الدول ومنها مصر فى التعبير عن» همجية» العدوان الإسرائيلى على غزة وآثاره الخطيرة على المنطقة، وقال ممثل روسيا إن بلاده ترفض تصريحات المسئولين الإسرائيليين والغربيين الذين يدافعون عن العنف العشوائى وتحت مسمى الدفاع عن النفس، منددا بالاعتقال العشوائى للمواطنين الفلسطينيين وممارسة العقاب الجماعي، بينما تحدث ممثل الصين أمام المحكمة عن أهمية ان تطال العدالة الدولية القضية الفلسطينية، وقال «إن إسرائيل دولة أجنبية تحتل فلسطين، ومن ثم فإن حق الدفاع عن النفس يقع على عاتق الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين»، وذكرت جنوب أفريقيا: « أنّ ما يحدث فى غزة الآن يرقى إلى درجة «الإبادة الجماعية» وأنه جزء من «القمع» الذى تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين على مدار عقود طويلة، فيما ذهبت مصر إلى أبعد من ذلك بتضمين مرافعتها عدة رسائل فى مقدمتها التنديد بالتمييز العنصري، والتأكيد على أن امتداد اسرائيل على الاراضى الفلسطينية غير قانوني، وأن إسرائيل تتعمد التغيير الديمغرافى والتطهير العرقى بالأراضى الفلسطينية،، وأنها تقوم بتغيير الهوية العربية وزيادة الهيمنة اليهودية بشكل ممنهج، فضلا على تجديد الدعوة بسرعة الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 لتحقيق الاستقرار بالشرق الأوسط.
لقد شاهدنا على مدار الشهور الخمسة الماضية جريمة حرب إسرائيلية صارخة فى غزة وانتهاك صارخ للقانون الدولي، كما استمعنا خلال هذه الفترة العديد من العبارات المنددة بالاحتلال، ولكن ماذا حدث، وكيف تعاملت الولايات المتحدة مع الأوضاع الدموية اليومية فى القطاع، والإجابة : لم يحدث شيئ ولم يتحرك ضمير العالم، كما أن الولايات المتحدة اكتفت بإسقاط وجبات غذائية من الطائرات على عدد محدود من المحاصرين فى غزة وكأنها تدعى أنها فقدت سيطرتها على إسرائيل وانها لاتستطيع فعل أكثر من ذلك، بينما تشير وسائل إعلام أمريكية إلى عكس ذلك بأن واشنطن هى من تشرف على حرب الإبادة الإسرائيلية فى غزة وأنها تدعم مخطط إسرائيل فى رفح الفلسطينية وتهجير سكان القطاع.
صحف أمريكية قالت إنه فى حال اقتحام رفح الفلسطينية فإن إسرائيل سترتكب ثانى أكبر عمل من أعمال غزو الأراضى المصحوب بالتطهير العرقى منذ نكبة 1948، لقد أدرك الغزاويون أنهم يواجهون حاليا حالة ثانية من التهجير القسرى تمهيدًا لمزيد من التجريد والسلب والاستعمار الاستيطاني، وأن الأمر الخطير فى هذه المرحلة الثانية من النكبة أنها أكثر دموية من سابقتها: فعدد الفلسطينيين الذين قتلوا خلال الشهور الخمسة الماضية يقترب بالفعل من عدد الذين قتلوا فى عام 1948، بما يعنى أنه فى حال سقوط عدد آخر من الضحايا فإن الرقم سيتضاعف والمأساة ستزداد بشاعة أثناء الاقتحام ومحاولات تفريغ القطاع من السكان.
وحذرت الصحف الأمريكية التى بدأ البعض منها يعيد النظر فى مواقفه السابقة المؤيدة لإسرائيل، من خطورة الخطوة التى تخطط لها إسرائيل فى رفح الفلسطينية، وقالت: « لا يخطئن أحد: لن يكون من الممكن إحتواء الكارثة الوشيكة التى ستتسبب فيها إسرائيل فى الشرق الأوسط، وأن التطورات تشير إلى أن الكارثة ستمتد بالتأكيد إلى الدول الغربية وعلى نطاق أكثر مأساوية، وفى هذا الصدد ولمنع هذه الكارثة فقد رأت الصحف الأمريكية أن الحل الآن يكمن فى التعبئة الشعبية الحاشدة فى الولايات المتحدة وأوروبا لدفع الحكومات الغربية للضغط على إسرائيل لحملها على التوقف عن الحرب قبل أن تحقق أهدافها الخبيثة فى غزة، ومنع النتيجة المروعة بإبادة سكان القطاع.
وحقيقة فإن الدعوة للتعبئة الشعبية الحاشدة فى أوروبا وأمريكا جاءت متأخرة جدا، ولن تفيد، لأن الحكومات الغربية كلها أصبحت وللأسف تدار من تل أبيب.