هو شاعر الصحافة الأقل انتاجاً والأكثر شهرة وبريقاً كتبه وقصائده قليلة.. لكنها تشغل مساحة هائلة من الاهتمام.. ارتبط اسمه بالكثير من الحكايات فهو الكائن الليلى الذى مد يد العون والدعم لكل موهبة، وأهم ما يوصف به أنه كتلة من المشاعر تمشى على الأرض «كامل الشناوي» تركيبة نادرة.. خرج من بيت عريق.. والده رئيس المحكمة الشرعية.. وعمه شيخ الأزهر وامامه الأكبر وقد نزل إلى القاهرة بالزى الأزهرى وبدأ رحلة الصحافة مصححاً.. مع طه حسين.. ثم ارتقى فى السلم الصحفى حتى تولى رئاسة تحرير الجمهورية ثم الاخبار بعدها وزامل عميد الأدب فى رئاسة تحرير جريدة الثورة.. يتسلم راتبه وينتظر أعضاء الجريدة كبيرهم وصغيرهم وليمة كامل بك حيث ينفق نصف راتبه «مائة جنيه» على وجبة كباب وكفتة تكفى هذا العدد
هو عنوان السخاء والكلام ليس فى المال فقط لكن فى عواطفه ايضا حتى قال عنه مصطفى أمين:
قلب كامل الشناوى مثل دار العرض السينمائى تبحث فى كل أسبوع عن فيلم جديد.. حاور جمال عبدالناصر وواجهه بكل ما يقال فى الشارع.
واجاب الرئيس بكل صراحة ثم حاورته نجاة الصغيرة وقد ارتبط اسمها معه بقصة حب من طرف واحد أبرز ثمارها القصيدة الخالدة «لا تكذبي» ويكفيها هذا فخراً لكى تتحول إلى اسطورة.. لكن ما جاء على لسان الشناوى فى حوار اذاعى نادر دبر له بذكاء اعلامى وجدى الحكيم وتركهما يتنافسان هى بصوتها الحنون وهو بصراحته الصادقة الصارمة، قلبى مثل العصفور لايقف على فرع شجرة إلا اذا رقصت الأغصان لاجله وحركته ورفعت درجة حرارته حتى يقول:
لقد صنعتك.. من هواى ومن جنوني!!
أنه جزيرة المغناطيس الى تشد الناس من حوله.. بظرفه وعطفه وشاعريته وعبقريته وتميزه.. كما وصفه انيس منصور بأن قلبه أفخم وأكبر من جسمه الضخم.. يتحدى مرض السكر بالمزيد من الأكل.. والقهوة السادة والسجائر وهو اذا تكلم فعلى الجميع الانصات وكيف لا وقد كان احمد شوقى أمير الشعراء يطلب منه أن يلقى قصائده نيابة عنه.
أن الشاعر الصحفى الذى يدور فى فلكه يوسف إدريس وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب واحسان عبدالقدوس ومصطفى وعلى أمين وتوفيق الحكيم ومحمد التابعى وفريد الأطرش وأنه الرجل الذى يفكر فى غيره اكثر مما يفكر فى نفسه وهو صاحب عبارة (التعليم كالماء والهواء) ونسبها إلى طه حسين.. ورد دها جمال عبدالناصر حتى اصبحت خالدة.. ادخل الألوان إلى الصحافة وكتب المانشيت بالبنط العريض.. ولما دخل الأهرام اراد أن يكسر قالبها المتحفظ.. فكانت الأخبار أقرب اليه بحيويتها وتركيزها على صناعة الخبر.. فلما جاء إلى الجمهورية ارادها شابة عاقلة فيها الخبر والمقال والكاريكاتير.
كان فى لحظة يتكبر «تعبيراً جديداً.. فقد رأى فاتنة شقراء جمية فى صالة أحد الفنادق فقال لها:
ــ عينك بتوجعني!.
وكان يصف الفتاة المؤدبة الرقيقة انها اذا ارادت أن تفتح الدولاب فانها تدق عليه تستأذنه!
وعندما قابل أحد الصحفيين كان قد ترك الاخبار فسأله الشناوي: انت فين دلوقت؟
فقال له: أنا أعمل فى الجريدة الفلانية.. فرد عليه:
ــ كويس قوى أن ربنا تاب عليك من الصحافة!
قال إن أغانى أم كلثوم عدة أنواع منها أغنية تجلس فى حجرها وأخرى على صدرها وثالثة فى حنجرتها وعن عبدالحليم حافظ: ترك لنا الدموع واحتكر الآهات ووصف فريد الأطرش بانه بكى نيابة عن كل من يستمع إليه.
وقال عن طه حسين.. استاذ فى مقاعد الطلبة!
والعقاد.. استاذ لا يهمه إن كان هناك طلبة
وتوفيق الحكيم..استاذ يقنع الطلبة الا يستمعوا إليه
وقال عن السياسى إنه الرجل الذى يقول نعم طول الوقت ويتحدث عن الحرية.. ولكنه يقصد حريته هو شخصياً يقدم ولاعته الذهبية بكل بساطة لن يبدى الاعجاب به وفى جيبه مجموعة من الأقلام المميزة حتى يترك أغلبها لمن ينظر إليها..
وعندما علم أن الفنانة ليلى فوزى قررت دعوته للعشاء مع أصحابه.. همس إليها بأنهم يريدون الفول والطعمية ونفذت وصيته واعتذرت لعبدالحليم حافظ وكمال الملاخ ويوسف إدريس وكل الحاضرين بأن هذا النوع من الأكل لا يظهر فى بيتها إلا فى رمضان فقط.
زائر الليل
كان يحمل الهدايا ويذهب إلى بعض المرضى ممن يعرفهم.. يمنحهم المال ويبكى على حالهم وحاله.. فعلها مع معارف أو بعض العاملين الكبار أوقدامى الفنانين والفنانات وكثيراً ما قال أنا أعيش الخيال فى يقظتي.. وأعيش الواقع فى منامى والحب بالعقل عمره قصير والعاطفة بدون عقل عمرها أطول.. وأعنف أنواع الحب الذى يكون من طرف واحد..
وعندما سألته نجأة الصغير: قصيدتك لاتكذبى غناها ثلاثة.. (عبدالوهاب ـ حليم ــ نجاة) رأيهم تفضل أن تسمعها منه ؟ اجابها على الفور: عبدالوهاب لانه صانع اللحن وأدرى بخباياه.. !! كان يسخر كثيراً من انثى تريد أن تنافس الرجال ومن رجل يقلد النساء فى بعض أمورهن.. لأن خلط الأوراق.. يهز الرجولة.. ويدمر الأنوثة!.
وقد خاطب قلبه فقال:
إن الموتى وحدهم.. هم الذين لا يقلقون.. احتشم ياقلبى فالحب طيش وشباب وانت الطيش فقط.. اننى لا اكره الموت ولكنى أكره أن أتولى بنفسى قتل نفسى واضع جثمانى فى نعش أحمله على كتفى وأمشى وراءه فما أقسى أن أكون أنا الميت وأنا من يمشى فى الجنازة!
والحب عنده جحيم يطاق.. والحياة بدون حب نعيم لا يطاق.
ويلخص فى تلك القصيدة التى غناها حليم بنفسه فى الغرام:
حبيبها لست وحدك حبيبها
حبيبها أنا قبلك
وربما جئت بعدك وربما كنت مثلك حبيبها
فلم تزل تلقانى وتستبيح خداعى
بلهفه فى اللقاء برجفة فى الوداع
بدمعة ليس فيها – كالدمع- إلا البريق
برعشة هى نبض..
نبض بغير عروق
حبيبها وروت لى ما كان منك ومنهم
فهم كثير ولكن لا شيء نعرف عنهم
وعانقتنى وألقت برأسها فوق كتفى
تباعدت وتدانت كأصبعين فى كفى
ويحفر الحب قلبى بالنار والسكين
وهاتف يهتف بى حذار يامسكين
سألت عقلى فأصغى وقال لا لن تراها
وقال قلبى أراها ولن أحب سواها
لن أحب سواها..
هذا هو كامل الشناوى المانشيت العريض المكتوب بماء الذهب.. ويقول: ليس التاريخ ما تصنعه حول نفسك لكن التاريخ الحقيقى من يكتبه الناس عنك!
الزعيم
القلة فقط تعرف أن والده أطلق عليه اسم مصطفى كامل.. حباً فى الزعيم الوطني.. ولكنه فى الصحافة حول الاسم إلى كامل الشناوي.. وهو بقدر ما كتب فى العاطفة كتب ايضا عن «جميلة بوحريد» المناضلة الجزائرية.. ورصيده أغنية وطنية واحدة غنتها ام كلثوم.. واختارت أن يكون اسمها «على باب مصر» بينما فضل هو أن تكون «انا الشعب» وقال فيها:
على باب مصر تدق الاكف
رياح تثور جبال تدور بحار تهيج
وكل تساؤل فى دهشة وكل تساؤل فى لهفة
أين ومن وكيف إذن
معجزة مالها من أنبياء
دورة ارض بغير فضاء
وتمضى الكواكب بالقادمين من كل لون وكل مجال
فمن عصر مينا إلى عصر عمرو.. ومن عصر عمرو لعصر جمال
أنا الشعب لا شى قد أعجزه
وكل الذى قاله أنجزه
أنا الشعب لا أعرف المستحيلا
ولا أرتضى بغير الخلود بديلاً