عواصم «الثلج» هل تساهم فى إطفاء «نيران» الشرق الأوسط؟
المكاسب.. حشد الدعم وتنسيق المواقف وتعزيز التعاون الاقتصادى
منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد السلطة أخذ على عاتقه أن يعيد مصر إلى مسارها الصحيح داخليا وخارجيا، منذ اللحظة الأولى وهو يدرك تماما أنه ليس لديه رفاهية الوقت، العالم يسير بخطوات متسارعة، كل يسابق الآخر فى ساحته ومحيطه، وكثير منهم يتجاوزهما إلى محيط أوسع وساحة أكبر.
الرئيس بطبعه أدرك ذلك مبكرا وعبر عنه بعبارته الشهيرة الذى يحرص دائما على تكرارها والتذكير بها وهى أن «مصر أم الدنيا وها تبقى أد الدنيا»، عبارة تحمل رسالة من ماض يتمثل فى تاريخ وحضارة تمتد لأكثر من 7 آلاف عام – كانت مصر فيها أعرق الحضارات وأقدمها – إلى مستقبل يتوسم فيه الرئيس أن تكون فيه مصر على قدر قيمتها ومكانتها فى الداخل والخارج.
الرئيس يدرك يقينا أيضا أن الأوطان لا تبنى بالأمنيات أو الشعارات، بل تبنى بالعمل والجهد والبناء، يدرك أن الأوطان تبنى بالوعى وتماسك أبنائه ووحدة صفهم، وقد نختلف لكن دون خلاف على مصلحة الوطن أو رؤية القائد.
داخلياً لا يخفى على أحد ما شهدته مصر على مدار 10 أعوام مضت من جهود تنموية ونهضة فى كافة المجالات، تمثلت فى إعادة بناء وطن كامل، لا يخلو شبر واحد فى كل ربوعه من هذه الجهود، إضافة إلى سلسلة من المبادرات التى تهتم ببناء الإنسان بداية من الصحة والتعليم والثقافة وانتهاء بتوفير حياة كريمة لأكثر من 60 ٪ من الشعب فى الريف المصرى.
خطوات الرئيس فى المسار الداخلى كانت تسير بالتوازى مع مسار خارجى يسعى فيه لإعادة مصر لدورها ومكانتها فى محيطيها العربى والإفريقى أقليميا ودوليا، إلى جانب تحملها لمسئولياتها تجاه الشعوب العربية بحكم أنها الشقيقة الكبرى، وكذلك تجاه شعوب إفريقيا، كونها صوت القارة فى جميع المحافل الإقليمية والدولية الى جانب أنها بوابة العالم للوصول للقارة السمراء.
الرئيس السيسى لا يكل ولا يمل من تحمل هذه المسئولية وعن طيب خاطر، ويبذل قصارى جهده لتكون مصر على قدر هذه المسئولية وقدر هذا الدور الذى أولاه لها القدر تاريخاً وجغرافيا.
مشاورات ولقاءات مستمرة على مدار الساعة وتواصل شبه دائم مع كافة المنظمات والأطراف الفاعلة إقليميا ودوليا، لمناقشة القضايا والأزمات ذات الاهتمام المُشترك إلى جانب إعادة صياغة السياسة الخارجية المصرية وخلق أطر جديدة للتعاون مع الجميع، تحت شعار جمهورية جديدة منفتحة على العالم أجمع، وقابلة للتفاهم والتعاون فى شتى المجالات، بما يحقق مردوداً اقتصادياً وعوائد تعود بالنفع المباشرعلى المواطن.
على مدار أسبوع كامل قام الرئيس السيسى بجولة لدول الشمال الأوروبى أو ما يعرف منها بعواصم الثلج، سعيا منه لفتح أفق جديد لعلاقات تبنى على الاحترام والمنفعة المتبادلة، طرق السيسى أبواب عواصم لم تطرق من قبل على مدار التاريخ، ويعد السيسى أول رئيس مصرى يقوم بزيارتها، وكانت الدنمارك محطته الأولى
ترتبط الدنمارك مع مصر بعلاقات دبلوماسية تتجاوز المائة عام، منذ تدشين هذه العلاقات 1922 من القرن الماضى، ومن حسن حظى أنى كنت شاهدا عيانا ضمن الوفد الصحفى المرافق للرئيس فى هذه الجولة، التى امتدت إلى عاصمتين أخريين عقب زيارة مملكة الدنمارك.
حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة الذى حظى به السيسى والوفد المرافق كانت أبلغ من أى بيان ودليلا قائما على مدى ما تتمتع به مصر من تقدير واحترام قيادة وشعبا، ناهيك عما أجريت له من مراسم استقبال ملكية وحفاوة ترحيب كبيرين من الأسرة المالكة فى كوبنهاجن انتهاء بتشكيل مجلس الأعمال المصرى -الدنماركى وتوقيع عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات وإعلان الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.
الدنمارك دولة كانت بعيدة إلى حد ما عن خريطة السياسة الخارجية المصرية حتى أدركت مصر مدى أهميتها، وحرص الرئيس على تفعيل العلاقات معها خلال السنوات الأخيرة، حتى أصبحت اليوم تحتـل المركز الـ21 بين دول العالم المستثمرة فى مصر برأس مال مصدر يقدر بــ 1.4 مليار جنيـه وعدد شركات دنماركية فى مصر تجاوز 100 شركة وعقب توقيع الشراكة الإستراتيجية ومذكرات التفاهم والاتفاقيات مؤخرا سوف يتضاعف هذا الرقم.
كذلك الدنمارك دولة فاعلة فى الاتحاد الأوروبى ولها مواقفها الداعمة لمصر ولقضايا المنطقة فى محافلها الدولية والإقليمية وهى من الدول التى أدانت العدوان الإسرائيلى على غزة ولبنان ودعت لوقف إطلاق النار ودائمة الدعم لحق الشعب الفلسطينى فى إنشاء دولته المستقلة، وهو ما ينتظر تفعيله بشكل أكبر خلال الفترة القادمة.
محطة الرئيس الثانية كانت مملكة النرويج، حيث طغت حرارة الترحيب ودفء العلاقات على ثلوج العاصمة وبرودة الجو، وحظى السيسى بحفاوة استقبال من الملك والملكة وكذلك رئيس الوزراء ورئيس البرلمان، حفاوة حملت كثيرا من الود والتقدير للرئيس، وكان ذلك جليا من خلال تصريحات الجانب النرويجى الذى أشاد بالدور المصرى الفاعل فى الملفات الإقليمية وفى قضايا الشرق الأوسط، كما ثمن الملك جهود مصر للتهدئة ووقف إطلاق النار وعدم توسيع دائرة الصراع والاتفاق على آلية للتعاون السياسى والتشاور وتنسيق المواقف.
كذلك ثمنت مصر جهود النرويج من أجل رفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى واعترافها مؤخرا بدولة فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة وكذلك من خلال برامج المساعدات المختلفة، التى تدعمها الخارجية النرويجية بالتعاون مع مصر حيث ترأس النرويج لجنة المساعدات الدولية المؤقتة للفلسطينيين «AHLC».
كان للجانب الاقتصادى حظ وافر فى هذه المحطة حيث التقى الرئيس عددًا من رؤساء الشركات العاملة فى مصر وكذلك الراغبة فى استغلال الفرص الواعدة المتاحة، خاصة مع توفير مناخ وبيئة استثمارية جاذبة للشركات والمستثمرين والتى انتهت بتوقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات معها.
كان ختام جولة الرئيس الأوروبية فى أيرلندا بلقاء قمة مع الرئيس مايكل دانييل هيجينز رئيس جمهورية أيرلندا وعقبه لقاء سايمون هاريس رئيس الوزراء، واللذان أشادا بالجهود المصرية للتهدئة ودعم مصر المتواصل للقضية الفلسطينية وكذلك الإشادة بدورها المحورى فى الشرق الأوسط كدولة فاعلة وذات تأثير.
للحق مواقف أيرلندا فى جهود التهدئة ودعم القضية الفلسطينية إيجابية ومشرفة خاصة عقب اعترافها مايو الماضى بفلسطين دولة ذات سيادة ومستقلة ووافقت على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين دبلن ورام الله وكذلك تعيين سفير لأيرلندا لدى دولة فلسطين وسفارة كاملة لأيرلندا فى رام الله».
ثمن الرئيس هذه المواقف الإيجابية الأيرلندية تجاه القضية الفلسطينية والتطورات فى المنطقة، لاسيما الحرب فى غزة ولبنان والوضع فى سوريا، حيث تم التوافق على ضرورة توسيع الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما يضمن تحقيق السلام واستعادة الاستقرار والاستجابة لتطلعات شعوب المنطقة نحو السلام والازدهار.
الجولة للدول الثلاث فى مجملها وصفتها وسائل الإعلام فى الدنمارك والنرويج بالتاريخية، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادى وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر وهذا ما تم بشكل كبير من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية معها.
الجولة أيصا تضيف لرصيد مصر المتصاعد فى السياسة الخارجية الكثير، إلى جانب ما تمثله من خلق أطر جديدة للعلاقات مع الدول الأوروبية، بالإضافة إلى أنها فرصة كبيرة لتعزيز التعاون الثنائى بين مصر والدول الثلاث المترامية قرب ثلوج القطب الشمالى.
العواصم الثلاث لها مواقفها الواضحة والجلية تجاه قضايا المنطقة، والرؤى متوافقة تماما مع الرؤية المصرية فى أغلب الملفات، ولا ينكر أحد مدى قوة هذه الدول وتأثيراتها الفاعلة فى القرار الأوروبى والمنظمات والمحافل الدولية، وما يمثله ذلك من ضرورة نحن الآن فى أشد الاحتياج لها فى ظل توترات إقليمية ساخنة تهدد المنطقة باشتعال نيران حرب جديدة وقد تكون لعواصم الثلج الباردة دورُُ فى إطفاء نيرانها المستعرة.