بداية كل الشكر والتقدير لقيادات وزارة الأوقاف على سرعة التلبية والاتصال والاستجابة لما كتبته الأسبوع الماضى فى هذا المكان عن الدور الحقيقى للأئمة وكنت أقصد به الحفاظ على المجهود الكبير الذى تقوم به الدولة ممثلة فى وزارة الأوقاف، حيث كان الرد أسرع مما أتصور وهذا يبرهن على ان الوزارة لا تدخر جهدا وحريصة كل الحرص على أداء رسالتها فى نشر الوعى الصحيح وتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى البعض، فالمصريون جميعا فى مركب واحد، نسعى جميعا لتحقيق مصلحة الوطن والحفاظ عليه، ولا يمكن إنكار أن وزارة الأوقاف قامت بدور عظيم وتاريخى فى تطهير منابر المساجد من أباطرة التطرف والتشدد والتكفير ورسخت مباديء الوسطية والأعتدال.
>> أيام قليلة ويستقبل المسلمون جميعا فى كل بقاع الدنيا ضيفاً عزيزا ووافداً كريما تتشوق إلى مجيئه القلوب وتتطلع النفوس إلى قدومه كل عام، والصوم فيه فريضة من فرائض الإسلام الخمس التى كتبها الله علينا لتتحقق التقوى لدينا وتعم، ويقول عز وجل فى كتابه الكريم «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» )البقرة: 183)، وها هى الأمة الاسلامية تستقبل شهر الخيرات والبركات والنفحات الربانية الكريمة.
>> ودعونا نتفق أن الشهر الكريم يأتى هذا العام وسط ظروف صعبة على العالم الذى يعانى من أزمات اقتصادية عديدة وأكثرها تأثيرا هى أزمة الغذاء وارتفاع أسعاره عالميا بالإضافة إلى توقف سلاسل الأمداد، وبالتالى من الضرورى أن يكون التعامل مع الشهر الكريم لهذا العام مختلفا عن الأعوام السابقة، وعلى سبيل المثال يسارع الكثير من محبى الخير سواء أفراد أو جمعيات أو مؤسسات فى تجهيز الملايين من «كراتين السلع الغذائية» وتوزيعها على المواطنين مما يؤدى إلى سحب كميات كبيرة للسلع الإستراتيجية التى توفرها الدولة من الأسواق دفعة واحدة، وبالتالى قلة المعروض منها وارتفاع أسعارها فى إطار نظرية العرض والطلب، وربما غالبية الذين يحصلون على هذه الكراتين قد يقومون بتخزينها لأنها تزيد عن احتياجاتهم الحالية لأنهم قد يحصلون على أكثر من كرتونة من أكثر من مكان، وفى المقابل قد يحتاجون إلى ثمن هذه الكراتين نقودا لتغطية احتياجات أخرى ضرورية، فلماذا لا نمنحهم الثمن نقدا لكى يشتروا ما يحتاجون وليس ما يخزنون.
>> الحقيقة أن سلوكيات التخزين وتزايد معدلات الاستهلاك التى تتعلق بشهر رمضان وإهدار الموارد فى الموائد الجماعية فى الشوارع والميادين «موائد الرحمن» كلها ظواهر يجب تقنينها لأنها تشكل عبئا ثقيلا على الدولة التى تقوم بمجهودات كبيرة فى توفير السلع من خلال المنافذ الثابتة والمتحركة، وكذلك تمنح الفرصة لبعض التجار الجشعين للاستغلال ورفع الأسعار مما يزيد العبء على غالبية الأسر المصرية فى توفير احتياجاتها.. ولا نجافى الحقيقة إذا قلنا ان التركيز على الطعام والشراب فقط صادم للشعور ويدل على غياب الوعى الصحيح جملة وتفصيلاً وهذا يستوجب أن يفهم الناس مقاصد وأحكام الصيام فى الشريعة الإسلامية والايضاح بأن الصيام يربى النفس على القناعة والرضا، وعلى الميسورين أن يأخذوا فى الاعتبار أن هناك أسراً غير قادرة على تغطية احتياجاتهم الضرورية، ولا مسايرة جشع التجار المستمر فى السلع الأساسية التى أصبحت فوق قدرتهم المالية وليس الفقراء فقط، بل هناك ايضا أسر متوسطة الدخل أصبحت تقتصد فى مصروفات الأكل والشرب والذهاب إلى الطبيب ولا داعى لاستفزازهم، وفى تصورى ان استقبال هذا الشهر الكريم لا يجب ان يكون بجمْع وتخزين ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات، بل يجب ان يكون التهيؤ لهذا الشهر تهيؤ للطاعة، واستعداداً للعبادة، وإلاقبال الصادق على الله بقلوب خاشعة.
كلمة فاصلة:
ببساطة.. شهر رمضان فرصة عظيمة للإقبال على الله والتوبة من الذنوب وتصفية النفوس وتنقية القلوب واجتماع الكلمة على طاعة الله عز وجل بأن يقبل المسلمون جميعهم على عبادته على الوجه الذى يرضيه ومبتعدين عن كل ما يأباه سبحانه وتعالي.. أسأل الله العزيز أن يعيننا فيه على الصيام والقيام، وأن يصلح ذات بيننا، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يهدينا سبل السلام، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور، وأن يجعلنا من عباده المتقين وأوليائه المقربين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.