جامعات كثيرة أفردت أقسامًا فى علوم الإدارة ورصدت مقومات القيادة الناجحة والمتفردة والواقع أنه فى ظل تسارع وتيرة الثورة المعلوماتية بات واضحًا أنه لابد من استنطاق كوامن التميز والتفرد لما يختارون لتبوأ القيادة فى المؤسسات والهيئات حتى تؤدى دورها المنوط بها وتحقق الإنجاز المطلوب المستهدف. ولا فرق بين المؤسسات الخدمية والإنتاجية.
وبرغم الاجتهادات لعلماء الإدارة تبقى القاعدة الأهم عند الاختيار هى القوة والأمانة
التى رسمها القرآن الكريم فى واقعة ابنتى شعيب ونبى الله موسى عليه السلام. وقد اجتهد علماء الإدارة فى رصد السمات التى يجب أن يتحلى بها المسئول ومنها الوعى الذاتى والقدرة على تحديد الأولويات والتركيز على تطوير الآخرين والقدرة على التواصل الفعال وإدارة الوقت بطريقة أكثر فاعلية والصدق ومحاسن الأخلاق والتكيُّف مع التغيير
اعتبار أنفسهم مثالا يُحتذى به. وإن ذهب آخرون إلى ضرورة الوقوف على نفسية المرشح لشغل موقع القيادة، وهو ما جرى العمل به فيمن يرشحون للعمل فى جهاز الشرطة والهيئات الدبلوماسية وكذا من يلتحقون بالكليات العسكرية بأنواعها وهو ما يجب أن يمتد إلى كل المصالح الأخري.
وتبقى قضية معايير الكفاءة محصورة فى القوة والأمانة يقول الله تعالى «قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ». كلمات توزن بماء الذهب قالتها إحدى ابنتى شعيب، فقد ذهبتا لتسقى الأغنام، وهناك لا بقاء إلا للقوى والضعف عنواناً لهما إذ لا حول لهما ولا قوة أمام قوة الرجال، ولكن كيف عرفت إحداهما أنة قوى أمين، معايير الأدب هى من استنطقت المحاسن، وفجرت الكوامن، والحياء الذى كان عنوان لهما، فهو بداية سقى لهما ثم تولى الى الظل .. وهكذا النبلاء فى كل زمان ومكان عندما يقدمون المعونة يتوارون أدبًا وحياءً ونقاءً، «فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ» الإنفاق لا يحتاج إلى المعايرة والأمر لا يقف عند بذل المال ولكن يمتد إلى إنفاق الصحة والمشورة والنصيحة إلخ . لابد أن يكون خاصًا لوجه الله تعالى فهو وحدة المكافئ على ما قدمت.
«قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا» يالها من معانٍ جامعة مانعة، فلو قالت إن ابى يدعوك وفقط لسألها، من أبوك . وما المناسبة ولماذا يدعوني؟ ولكنها قالت كلامًا لا يحتمل التأويل أو النقاش أو التفسير . القوة والأمانة معيار للكفاءة والتميز، القوة بمعناها الأسمى ليس فى بسطة الجسم ولكن فى الرؤية الثاقبة للأمور وحسن التصرف فى النظرة إلى المستقبل ومعالجة الأمور بمعيار الإنجاز والرقى والتقدم والتجرد والأمانة تاج لمن حظى بها «فلا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له».
استخلصت القوة عندما استطاع أن يسقى لها ولأختها فى وقت كان الجميع يرفع شعار «ونشرب أن وردنا الماء صفوًا .. ويشرب غيرنا كدرًا وطينًا» اما الأمانة فقد رفض السير خلفهما أدبًا وحياءً، وطلب منهما أن يكون أمامهما حتى إذا عصفت الريح بثياب إحداهن لم يرَ شيئًا منها يا له من ذكاء خارق وفطرة سليمة وهكذا تكون التربية والأدب الجم والاخلاق القويمة.