- حاوره/ جمال فتحي
يعى الكاتب والقاص المغربى أنيس الرافعى ما يفعل ويرف ماذا يريد بالضبط من سيره المخلص على طريق القصة القصيرة وهو أحد أهم الأصوات السردية العربية التى رفعت شعار» القصة لا غيرها «، فلم يسل لعابه للمشى على طريق الرواية رغم مغرياتها التى لا تقاوم ورغم أنه اختيار مشروع وأصيل لكل كاتب لكن ميله لفن القصة ليس مصادفة وإخلاصه لها جاء عبر فلسفة أدبية وفنية خاصة يعتنقها فضلاً عن رؤية تخصه للعالم والتاريخ وتأتى الجوائز المهمة التى حصل عليها عن مجموعاته التى تتسم بالخيال والمغامرة والتجريب المحسوب فى تشكيل العوالم مجرد قرينة على انفراد أعماله بما يستحق الوقوف أمامها وتأملها ومن ثم تقديرها.. وللرافعى أعمال كثيرة يمكن التعرف عليها بضغطة زر على محرك البحث ونكتفى فقط بالإشارة هنا لقليل منها لمقتضيات المساحة: مصحة الدُمي، متحف العاهات، خياط الهيئات، كما فاز بعدة جوائز منها جائزة الملتقى للقصة القصيرة بالكويت، فى دورتها الخامسة، 2023 عن مجموعته القصصية «سيرك الحيوانات المتوهمة وترجمت أعماله لعدد كبير من اللغات منها: الفرنسية والإنجليزية، الإسبانية، البرتغالية، الفارسية والصينية وقد التقيناه على هامش مشاركته فى معرض الشارقة للكتاب وكان لنا معه هذا الحوار.
> كيف ترى واقع القصة العربية القصيرة مقابل حضور الرواية وهيمنتها؟
– الآن بدأت تتشكل ملامح مؤسسة القصة القصيرة وكان لسنوات يظن كتاب القصة القصيرة أن الأجناس الأدبية الأخرى تأكلها وتأتى على نصيبها وتهمشها، وهذا خطأ وعندما تخلص هؤلاء من هذه العقد وأصبح لديهم وعى بضرورة بناء مؤسسة القصة القصيرة وذلك عبر تأسيس مناخ صناعتها وجاذبيتها، وتأسيس مؤسسات تدعمها فى النشر والجوائز وحصتها الثقافية فى البحث والحضور بكل أشكاله، وكذلك حصتها من الكتاب المتميزين المخلصين القادرين على كتابة وتقديم قصص قصيرة لها تقنياتها وأدواتها الخاصة، مغاير لما كان سائداً.
> هل تعتقد أن فن القصة إذا لم يتم رعايته ودعمه قد يذهب إلى النسيان؟
– لقد جرت مياه كثيرة بعد جيل الستينيات الذى تأثر بتشيخوف وموباسان وآن الأوان لبناء وعى جديد ووضع أسس خاصة بالقصة القصيرة العربية الجديدة وهذا يحتاج قرارات وأموالاً وإقناع جهات وهيئات بتبنى هذا الجنس الأدبى ليكون الأخ الأصغر للأجناس الأخرى وإلا فإن القصة القصيرة ستتعرض للاندثار مثلها مثل الملحمة والسيرة.
أثر الجوائز
> كيف ترى تأثير الجوائز الكبرى فى السرد بشكل عام ودورها فى دعم الكتاب الجيدين ودورها كذلك أحياناً فى إنتاج طبقة من الكتاب يكتبون بمعايير الجائزة من معدومى الموهبة؟
– أنا لا أنظر لهذه الأمور أنا أتحدث عن كتاب القصة الحقيقيين وليس صيادى الجوائز، إن الكاتب الذى يفوز بالجائزة وهو غير مؤمن بالقصة القصيرة سيذهب للكتابة فى جنس آخر وراء جائزة أخرى وهؤلاء لا يعنوننا وإنما نتحدث فقط عن حراس معبدالقصة مثل سعيد الكفراوي، زكريا تامر، طالب الرفاعي، المخزنجي، وغيرهم فالقصة القصيرة العربية لو تمت وترجمة أعمالهم بشكل مؤسسى كما يحدث مع الرواية سنصل إلى آفاق عالمية عظيمة.
> هل تعتقد أن السرد العربى بشكل عام سواء قصة أو رواية استقل عن بداياته المتأثرة بالسرد الغربى؟
– عن السرد العربى بشكل عام رغم كونه حديثا نسبياً فى الزمن العربى لكنه حقق حضوراً قوياً وأنجز جماليا وتقنيا وتمكن من أدواته وأحدث تراكما جيداً يمسك بأدوات الكتابة بنزاهة دون أن يغفل قضايا الإنسان الملحة والراهنة، وإذا كان الشعر العربى بموروثه العريض هو تعويذة الذات العربية فلا يمكن أن ننسى جذور السرد بما فيها ألف ليلة وليلة ورسالة الغفران وغيرها ولكن بالنسبة للسرد بمفهومه الحديث فهو لا يتجاوز فى التربة العربية 70 أو 80 سنة مقارنة بثقافات أخرى كالإنجليزية والفرنسية، وأعتقد أن الرواية رغم ذلك استطاعت بناء مؤسستها الخاصة فى العالم العربى فلدينا كتاب وناشرون يطلبونها وورش كتابة للأجيال المختلفة وجوائز وفعاليات كبرى ينتظرها القارئ ويلتقى كاتبه وأشياء أخرى كثيرة مرتبطة بالوكيل الأدبى والترجمات ومنظومة كاملة تعمل فى خدمة الرواية أما القصة فمازالت تعمل على بناء مؤسستها الخاصة.
بين القاص والروائي
> كيف ترى الاختلاف بين القاص والروائى فى طريقة بناء العالم؟
بين قنص اللحظة عند القاص وبناء العالم عند الروائي، أعتقد أن الانتماء لعالم القصة القصيرة أو الرواية يرجع لمرجعية كل كاتب وفلسفته الخاصة خاصة فى نظره للتاريخ والجماعة فالروائى مجبر أن يؤمن مثلاً بالتاريخ عكس القاص والقاص أقرب للصوت الفردى فأنت يمكن أن تكتب قصة قصيرة عدمية أو سوداوية وتكون بارعة يقبل عليها القارئ بينما الرواية تكون مختلفة وتحمل الهم الجماعى أكثر لذلك لابد من الوعى بالمرجعية الفلسفية التى تقف وراء الكاتب أما الصنعة فكلاهما الرواية والقصة يصنعان فى مشغل واحد تأخذ الرواية جانب للقطع الكبيرة وتصنع فى مساحة أكبر من هذا المشغل بينما القصة مثل قطعة خشب صغيرة يأخذها الصانع ويجملها بالمرقاش فى حجرة صغيرة مظلمة فى آخر المشغل ويأخذ بنحتها بإزميل أو مرقاش.
ضيف الشرف
> شاركتك فى فعاليات معرض الشارقة للكتاب على هامش حضور المغرب ضيف شرف الدورة الأخيرة فكيف رأيتك هذه المشاركة لك ولبلدك؟
– إنه من دواعى فخرى وسرورى وجودى ممثلاً للثقافة والأدب المغربي، خاصة أن الكتاب فى زمن العولمة تراجع أمام ووسائل التواصل لكن المفاجأة أن معرض الشارقة وبعض المعارض الخليجية حافظت على حضور الكتاب الورقى بقوة كما أن العلاقات التى تربط بين الإمارات والمغرب منذ سنوات طويلة على كافة الأصعدة، وتتميز الثقافة المغربية وتمثيلها فى المعرض بالتنوع فهى تمثل التنوع الثقافى واللغوى والاثنى وتعكس تسامح العقائد والاثنيات ولا تقتصر فقط على الأدب، بل يوجد ثقافة الأطعمة والطبخ والغناء والفنون الشعبية وألوانها والمخطوط والعمارة والمشغولات وصناعة الخشب والزجاج.
> ككاتب تمثل لك اللغة العربية وعاء فنك الأدبى كيف تنظر لإعلان حاكم الشارقة إنجاز المعجم التاريخى للغة العربية؟
– إن اللغة كانت بحاجة شديدة لهذا المعجم لضخ دماء فى عروق المعاجم العربية وشكراً للشيخ القاسمى لإنجاز مشروع ضخم وجبار مثل هذا ولا شك أنه مشروع يخدم الأمة جميعاً.