من اللحظات الأولى التى خرجت فيها جريدة «الجمهورية» إلى الحياة، اتخذت لنفسها شخصيتها المستقلة، بعيداً عن مدرسة مصطفى وعلى أمين فى «الأخبار» و»روزاليوسف» ووقار «الأهرام».. وكيف لا، وهى صحيفة ثورة 23 يوليو 1952، وكان عليها أن تطل على الناس بفكر جديد يتسم بروح الثورة والشباب وهم قادتها، فقد كانت معظم أعمار الضباط الأحرار فى الثلاثين أو أكبر بقليل، ومن أيامها الأولى لعبت دوراً بارزاً فى ميدان الرياضة والفن، بما تمتلك من ذخيرة هائلة.. وكان جمال عبدالناصر صاحب فكرة إصدار الجريدة موفقاً، عندما اختار أنور السادات بما له من ميول فنية وأدبية ليكون على رأس قيادة المؤسسة، حيث صدرت «المساء» بعدها بعامين، ثم توالت الإصدارات المتخصصة.. وفى عهد الأديب والكاتب عبدالمنعم الصاوى صاحب «الساقية والرحيل» صدرت «الكورة والملاعب» كجريدة رياضية متخصصة من مؤسسة كبرى «1976»، ومعها جريدة «السينما والفنون» وتولى رئاسة تحريرها الناقد الكبير سمير فريد، وغير صحيح كما يذكر موقع الويكيبيديا أنه كاتب العمود بـ «المصرى اليوم»، فهو أحد أبناء «الجمهورية» وظل يكتب بها حتى بعد بلوغه سن المعاش، ورغم دراسته للمسرح بقسم النقد الفنى، إلا أنه تفرغ للسينما وألّف أكثر من خمسين كتاباً وساهم فى تقديم جيل عاطف الطيب ومحمد خان وداود عبدالسيد وخيرى بشارة، ثم رضوان الكاشف بعد ذلك.. وحاولت الجريدة السينمائية أن تنشر الثقافة الفنية عموماً، وكتب فيها كبار النقاد، لكنها لم تستمر بسبب مانشيت يقول: «سقوط مراكز القوى فى الإعلام والثقافة»، وفريد هو أول من جمع النقاد تحت لواء اتحادهم، وكان معروفاً خارج مصر وكرّمه مهرجان برلين.
جبابرة
«الجمهورية» هى الجريدة الوحيدة التى انفردت فى وقت من الأوقات بوجود سبعة رؤساء تحرير مرة واحدة.. فقد اجتمع عميد الأدب العربى طه حسين مع الشاعر الكبير كامل الشناوى، إلى جانب خمسة آخرين منهم التنفيذى.
قال لى عمر ربيع كبير عمال المؤسسة، الذى عاصر هذه الفترات إن كامل بيه كان يشترى بنصف مرتبه كباباً وكفتة لجميع المتواجدين بالجريدة، وكان يتقاضى فى هذا الوقت 250 جنيهاً وهو رقم خرافى.. فهل يحق لنا القول إن صاحب دعاء الكروان والحب الضائع والأيام وهو طه حسين كان ينشر بعض حلقات رواياته الجديدة فى الجريدة.
كما انفردت «المساء» لأول مرة بنشر مذكرات ساحر الكرة عبدالكريم صقر فى حلقات وكانت التغطية قاصرة على وصف المباريات وأخبار اللاعبين قبل انطلاق التليفزيون عام 1960، الذى كان يذيع مباراة واحدة فقط أسبوعياً فى يوم الجمعة، وكانت معظم المباريات تقام ظهراً، ثم قدمت «الكورة والملاعب» مذكرات الكابتن لطيف الذى درس فى انجلترا ولعب لأحد أندية اسكتلندا «رينجرز»، وواكب ظهور التليفزيون ليصبح المعلق الأشهر الذى جعل الكرة لعبة جماهيرية وتميز بخفة ظله، حتى انه اشترى فى عام 1982 مذكراته من كاتبها بـ 150 جنيهاً مع قطعتى حلاوة سمسمية وحمصية، كان يحتفظ بها فى دولابه الخاص أو شنطة سيارته، وكان لا يشرب سوى الينسون أو الحلبة، وكان يحضر إلى مقر الجريدة القديم مشياً على الأقدام من ميدان عبدالمنعم رياض، حيث يركن سيارته.
عودة إلى طه
تولى طه حسين رئاسة تحرير «الجمهورية» فى الفترة من 1959 إلى 1962، أثار خلالها الكثير من المعارك الأدبية.. فقد كانت الجريدة حاضنة لكبار الأدباء والكُتاب، منهم شيخ النقاد محمد مندور وعويس عوض وفتحى غانم، الذى استمد الكثير من أحداث المسلسل التليفزيونى الشهير «زينب والعرش» من فترة كتابته بـ «الجمهورية»، وقد شاركه فى كتابة السيناريو والحوار صلاح حافظ، ولعب بطولته محمود مرسى وكمال الشناوى وحسن يوسف وسهير رمزى، وحضور الكاتب والمفكر الإسلامى خالد محمد خالد ليكمل صورة الجريدة، التى كانت منبراً لأصحاب الأقلام والأفكار من كافة الاتجاهات وفى أعدادها الأولى مقالات لجمال عبدالناصر وأنور السادات، وقد أثار خالد الكثير من الجدل بكتابه الشهير «من هنا نبدأ».
وقد سجل فتحى غانم فى روايته الطويلة «الرجل الذى فقد ظله» الكثير من معارك ومناوشات الصحافة ورجالها بين يمين ويسار وتوجهات أخرى، وقد صدرت الرواية فى أربعة أجزاء وقدمت ماجدة مع كمال الشناوى فيلماً مأخوذاً عن الرواية ليصبح الشناوى صاحب الرقم القياسى فى تجسيد الشخصيات الصحفية.
كان الكثير من النجوم يحضرون إلى مقر الجريدة وقد ربطتهم الصداقة مع كتابها، وصوّر أحمد زكى أجزاء من فيلم «السادات» فى «الجمهورية»، وقد انفردت بأخبار مرضه وسبقت جميع الجرائد وخرجت فى يوم وفاته تغطى الحدث فى ٥ صفحات فى سابقة لم تحدث مع كبار النجوم، بما فى ذلك أم كلثوم وعبدالحليم.. وظلت «الجمهورية» تتابع بطل «الأيام» لحظة بلحظة فى فترة مرضه الأخير ثم سفره إلى باريس على نفقة الدولة وعن طريق مصادرنا هناك استطاعت أن تعطى للقراء صورة كاملة عن رحلة علاج النجم الشهير، الذى لم يكن مرشحاً لبطولة مسلسل «الأيام»، فقد لعبت الصدفة دورها فى هذا، عندما اكتشف المخرج يحيى العلمى أن زكى يحفظ سيناريو الشخصية كاملاً وانتهز فرصة اعتذار النجم المرشح للعمل وأسند إليه البطولة.
الشاعر الكبير كامل الشناوى وقد غنى له محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ونجاة، والثلاثى هذا غنى قصيدته «لا تكذبي» وغنى له فريد الأطرش «لا وعينيك» وعاد حليم يغنى له «لست قلبي» و»حبيبها» وقد اجتمع فى الجريدة مع أخيه الشاعر الكبير مأمون الشناوى الذى كان يتولى الرد على قراء الجريدة فى باب يحمل تساؤلاتهم، ومأمون غنت له أم كلثوم وساهم فى تقديم سيد مكاوى وهانى شاكر ومن شعراء الجريدة المشاهير محسن الخياط ومن أهم ما قدم «سكت الكلام والبندقية تكلمت، لفى البلاد يا صبية، النجمة مالت ع القمر، أحلى بلد، على اللى جري» وهى أعمال قدمها عبدالحليم حافظ ومحمد قنديل والثلاثى المرح وعلية التونسية وفايزة أحمد «بحبك يا مصر» ولشادية «مسيرك هتعرف».
ومن شعراء «الجمهورية» أيضا، اسماعيل الحبروك، وقد رأس تحريرها فى فترة من الفترات، ومن أغنياته «يا جمال يا حبيب الملايين، يا أغلى اسم فى الوجود يا مصر، أمانة عليك أمانة يا مسافر بورسعيد، أول مرة تحب يا قلبى، تخونوه، بتسأل ليه عليا، تصبح على خير، وحياة عينيك، يا حبيبى قوللى آخرة جرحى ايه، أوعى تكون بتحب يا قلبى، أما غريبة، كل شيء راح وانقضى، أمانة يا بكرة، ما نقولش كنا وكان».
وبيرم شاعر الشعب بتاريخه الحافل النضالى والأدبى، وبعدها انتقل السعدنى إلى «روزاليوسف» وتولى رئاسة تحرير مجلة «صباح الخير» وكان له إنتاجه القصصى والمسرحى، لكن كتاباته الساخرة نالت شهرة أكبر وتسببت له فى مشاكل عديدة أبرزها مع الرئيس السادات حتى تدخل عثمان أحمد عثمان لكى يتم العفو عنه وقد عاش فترات بعيداً عن الوطن فى لندن والعراق، وهو شقيق الفنان صلاح السعدنى الذى ابتعد رغم أنفه عن الفن بسبب مقالات السعدنى الكبير.
ومن الصعب أن نحصر النجوم الذين حققوا الشهرة بفضل ما كتبت عنهم الجريدة وقدمتهم إلى الحياة الفنية.. وعندما قدمت فيلمى الوثائقى عن الجريدة، اخترت عنوان «وطن فى صحيفة وصحيفة فى وطن»، وقد أخرجه المرحوم هانى صلاح، ويحكى كيف بدأت الجريدة بشقة صغيرة بشارع شريف، قبل أن تنتقل إلى نجيب الريحانى، ثم إلى مقرها الحالى فى شارع رمسيس فى عهد سمير رجب.
وليس غريباً أن يتناوب على رئاسة أقسام الفنون كبار الفن التشكيلى وكُتاب الدراما، ومنهم حسن عثمان، رأفت الخياط، صلاح درويش، وضمت نقاد المسرح حسن سعد المخرج والكاتب، وحامد ابراهيم الذى اختاره محمد فاضل بالصدفة لكى يلعب دور فتحى رضوان فى فيلم «ناصر 56»، ولم يكن قد مارس التمثيل من قبل، وقبل هؤلاء نجم النقد المسرحى أحمد عبدالحميد شهيد محرقة بنى سويف، وكانت مقالته يوم الأحد لها شعبية كبيرة فى الأوساط المسرحية، فقد كان يهتم بالعروض الجامعية والهواة، وفى المحرقة أيضا فقدنا زميلنا المحرر إبراهيم الدسوقى، وكان قد طلب نقله إلى القسم الفنى قبلها بأيام، ولما تحقق له ذلك أراد أن يغطى مهرجان بنى سويف ولم يكن يعرف أنه يكتب شهادة وفاته.
أما إذا تحدثنا عن جيوش الإعداد الإذاعى والتليفزيونى، فهناك العشرات من الأسماء فى أشهر البرامج، وكانت سباقة فى إطلاق مركز الجمهورية للسيناريو الذى تخرج فيه أكثر من 300 دارس وكان يحاضر فيه محمود ياسين ورفيق الصبان ومحفوظ عبدالرحمن وعاطف بشاى ومحمد جلال عبدالقوى، وضم فى أول مجلس إدارة له أسامة أنور عكاشة ونور الشريف.
كان التليفزيون ينقل حفلات التكريم التى تقيمها الجريدة ومطبوعاتها الأولى فى مجالات الفن والرياضة، وقد أثارت جائزة الالتزام التى نظمتها جريدة «الكورة والملاعب» جدلاً واسعاً، عندما قالت فى الإعلان عنها: لن يفوز بها إلا الفنان المحترم فقط.. ولأول مرة يصعد إلى منصة التكريم أحمد راتب وأحمد خليل وشوقى شامخ وحمدى أحمد، وذهبت لأول مرة إلى اسم الفنان الكبير محمود مرسى.
محطة سعاد حسنى
لا يمكن أن نستعرض تاريخ الفن والأدب والرياضة فى «الجمهورية»، ونتجاوز محطة القدير عبدالرحمن الخميسى شاعراً وكاتباً وممثلاً ومكتشفاً لسعاد حسنى، كما كانت له اسهاماته الموسيقية، أصدر 7 دواوين شعرية و8 مجموعات قصصية، وكون فرقة مسرحية باسمه عام 1958، ومن أفلامه «الجزار، عائلات محترمة، الحب والثمن، زهرة البنفسج»، لكن المجهود العريض بدور الشيخ يوسف فى فيلم «الأرض» ولأنه كتب سيناريو فيلم «حسن ونعيمة» أثناء وجوده بـ «الجمهورية»، اكتشفت سعاد حسنى وقدمها لأول مرة فى الفيلم أمام محرم فؤاد، وكان أيضا من الوجوه الجديدة.. وقد أصدر عدة كتب «الفن الذى نريده، محاورات ونظرات فى الفن، المكافحون» وقدم عشرات الكتب، خاصة المكتوبة باللغة الروسية.
ومع الخميسى، لابد أن تأتى سيرة الكبير محمود السعدنى، الذى عمل بـ «الجمهورية» مع بيرم التونسى الشاعر المعروف، والخميسى.