> قبل ان اتحدث عن راحل كريم أسهم فى تاريخ السياحة المصرية.. اود ان اشير إلى ان اصداء مشروع رأس الحكمة مازالت تتوالى ومستمرة لفترة طويلة.. ذلك انه ايضا سيصنع تاريخا جديدا للسياحة المصرية فهو اولا من المشروعات التى تعتبر نقطة تحول اقتصادى كبير.. كما انه ايضا نقطة تحول فى مسار السياحة المصرية فى الساحل الشمالى مع شقيقه مشروع مدينة العلمين الجديدة..
> ومن اثار هذه الصفقة تتابع التعليقات الايجابية فى صحف العالم.. وفى مؤسساته المالية.. والحديث يطول عن مشروع رأس الحكمة وسنواصله فى مرة قادمة..
>>>
من تاريخ السياحة
> فقدت مصر فى ختام شهر فبراير 2024 علما من اعلام صناعة السياحة المصرية وهو المحمدى حويدق.. وصاحب توجهات كبيرة حولت مجرى تاريخ هذه السياحة.. بل كان له دور بارز فى صنع هذا التاريخ.. من خلال ثلاث مراحل حولت مجرى هذا التاريخ.. لعل فى مقدمتها السياحة الشاطئية فى البحر الاحمر وكان له الفضل الاكبر فى تحول مجرى السياحة الوافدة الى مصر من سياحة ثقافية تزور مصر فى اغلبها من اجل أهرامات الجيزة وأثار الاقصر.. إلى سياحة تأتى فى المقام الأول إلى شواطئ البحر الاحمر.. وقد تمتد الى زيارة الاقصر.. وكان هذا فى مطلع ثمانينات القرن الماضي.. واصبحت بعد ذلك النسبة العظمى من الزائرين إلى مصر يأتون أولا.. وايضا مباشرة.. إلى الغردقة.. ثم امتدت السياحة الشاطئية بعد ذلك إلى شرم الشيخ وجنوب سيناء.. وقد بدأ المحمدى حويدق هذا التوجه مبكرا من القرن الماضي.. حين تأثر بدراسته واقامته فى المانيا وزواجه من المانية.. وبادراكه حب الالمان لسياحة الشواطئ.. فعمل على استجلاب السياحة الالمانية.. التى اعتبرها فى ذلك الحين.. ومبكرا.. يمكن ان تكون عصب السياحة المصرية.. وهو ما حدث بعد ذلك حيث اصبحت سياحة الالمان إلى مصر تأتى دائما فى المركز الاول.. وكانت أول دولة تتجاوز بسياحها لمصر رقم المليون سائح..
> وقد بدأ المحمدى هذه المرحلة فى سياحة الشواطئ للسياح القادمين إلى مصر باستئجارة لفندق صغير كانت شركة الالومنيوم فى نجع حمادى قد اقامته لعمالها فى سفاجا على شاطئ البحر الاحمر.. وعمد إلى تهيئته للسياحة الخارجية.. وقد بدأ باستجلاب السياح اليه ليعرفوا طريقهم إلى البحر الاحمر.. ثم اتجه تفكيره بعد ذلك إلى الغردقة.. ولم يكن فى الغردقة غير فندق واحد يصلح للسياحة الخارجية وقد انشأه الدكتور عبدالقادر حاتم فى الستينات وهو فندق شيراتون الذى تمت خصخصته واغلقه المشترى منذ حوالى الاربعين عاما.. وكان هناك ايضا سفينة صغيرة استأجرها الرائد الراحل سلامة الشاعر وحولها الى فندق عائم.. وكانت هناك ايضا قرية مجاويش التى انشأتها مصر للسياحة..
> وقد رأى المحمدى حويدق انه يحتاج إلى مشروع كبير يحقق به احلامه فى سياحة المجموعات الكبيرة الى الغردقة.. وكان المحافظ فى ذلك الوقت الفريق يوسف عفيفى الذى كان ايضا يتطلع الى ان يجعل من البحر الاحمر مقصدا سياحيا هاما.. وهكذا تلاقت الارادتان.. وبذلك اقام المحمدى حويدق اول قرية سياحية للقطاع الخاص فى الغردقة.. وهى قرية الجفتون.. والتى فتحت الباب للقطاع الخاص ليتجه بعد ذلك الى الغردقة ويقيم مشروعات سياحية مثل قرية الجفتون.. وهو ما رأيناه بعد ذلك فى معظم القرى التى جرى انشاؤها فى الغردقة وكانت تقريبا بنموذج الجفتون.. وبينها قرية الياسمين التى انشأها شقيقه الاكبر سعد عبد الرحمن حويدق..
>>>
> وبدأ المحمدى حويدق التسويق لسياحة البحر الاحمر فى المانيا على وجه الخصوص التى يعرفها وعاش فيها ويجيد لغتها.. وهنا تبدأ المرحلة الثانية من التحول فى تاريخ السياحة المصرية.. وهى دخول سياحة الطائرات الشارتر «العارض» بكثرة لاول مرة فى تاريخ مصر.. وكان الشائع وقتها ان الطيران العارض برخص اسعاره يؤثر سلبا على شركتنا الوطنية مصر للطيران.. وهنا بدأت المعارضة الشديدة للموافقة على تسيير رحلات الطائرات الشارتر.. ولكن المحمدى حويدق استطاع ان يحصل على ترخيص باستجلاب رحلة واحدة مباشرة من المانيا الى الغردقة.. ولكن التسويق الجيد لهذه الرحلات ادى إلى توفر طلب جعل الحجوزات تمتد الى عدة رحلات.. وهنا اصطدم المحمدى حويدق بالطيران المدنى الذى رفض حتى لا يؤثر ذلك على مصر للطيران.. وامام إصرار المحمدى على احضار الطائرات حاملة السياح إلى الغردقة.. وافق مضطرا على دفع الغرامات التى فرضها الطيران المدنى بقيمة 150 ألف مارك « العملة قبل اليورو «لكل رحلة.. على ان يتظلم منها.. وكان يجهز بالفعل مناشدات فى الصحف لرئيس الوزراء.. لان هذه كانت أول مرة تعاقب فيها شركة سياحة لانها جلبت سياحا.. وهى سبرنج تورز التى يملكها المحمدى مع شريكه فى قصة كفاح طويلة الراحل يحى طرباي.. ولكن القدر كان يخبئ لة مفاجأة سعيدة.. فقد حدث تعديل وزارى خرج فيه وجيه شندى وزير السياحة وجاء إلى الوزارة الجديدة فؤاد سلطان وزيرا للسياحة والطيران المدني.. الذى ألغى الغرامة وفتح الباب للطيران العارض الذى يأتى إلى أى وجهة سياحية فى مصر ما عدا القاهرة.. وكانت وجهة نظره التى ثبت صحتها فيما بعد، ان توسيع كعكة السياحة يستفيد منه الجميع.. وكان هذا ثانى توجه يحققه المحمدى حويدق فى تحويل مجرى السياحة المصرية بإدخال الطيران العارض اليها الذى حقق لها سياحة الملايين..
>>>
> اما التوجه الثالث.. فكان اقامة «اوبرا عايدة» فى الاقصر.. كانت السياحة الوافدة من الخارج الى الاقصر تتوقف بعد انتهاء شهر ابريل وتعود فى اكتوبر لشدة الحرارة.. وكانت الفنادق تغلق ابوابها فى هذه الفترة.. لكن المحمدى حويدق مع شركته عمد إلى ان تكون اقامة هذه الاوبرا فى معبد الاقصر وفى شهر مايو.. ورغم الحرب الشديدة التى واجهها هذا الحدث والتى استمرت حتى بدأت العروض.. فإن هذا الحدث حقق اقبالا كبيرا.. ونجحت عروضها فى الاقصر نجاحا باهرا.. نتيجة الدعاية الكبيرة التى سبقتها.. ونجوم الاوبرا العالميين الذين شاركوا فيها ويعرفهم كل جمهور الاوبرا فى العالم.. فضلا عن شهرة اوبرا عايدة التى مازالت تقدم عروضها فى اوبرات العالم منذ قدمت لأول مرة فى مصر بطلب من الخديوى اسماعيل الذى طلب من الموسيقار فردى كتابة موسيقاها لعرضها فى مناسبة افتتاح قناة السويس.. ولكنها لم تلحق بالافتتاح وقدمت بعد ذلك..
> وكانت طائرات الشارتر تبدأ فى الوصول الى الاقصر قبل الحدث بيومين بالقادمين لحضور عرضها.. اما التى اتت فى يوم اقامتها فقد جاء معظم ركابها يرتدون ملابس السهرة المتلألئة بمجوهراتهم.. واتجهوا من المطار مباشرة الى معبد الاقصر حيث الحدث..
> ولان الحدث اقيم فى مايو بداية شهور الصيف والحرارة شديدة فى الاقصر.. فقد وجد العالم بعد عرض اوبرا عايدة ان الاقصر يمكن ايضا ان تزار فى الصيف وهكذا بدأ التحول الكبير فى سياحة الاقصر لتستمر طوال العام بلا توقف.. وكان ذلك منذ عام 1986..
> ثلاث نقاط تحول اذن احدثها المحمدى حويدق فى السياحة المصرية.. بدء سياحة الافواج الكبيرة للسياحة الشاطئية الى البحر الاحمر.. وتقديم النموذج الذى احتذاه الكثيرون بعده من القطاع الخاص فى اقامة قراهم السياحية فى البحر الاحمر.. ثم استمرار دخول الافواج الكبيرة بالطيران الشارتر الى مصر والبحر الاحمر على وجه الخصوص.. ثم أخيرا انتهاء موسمية السياحة الى الاقصر واستمرارها على مدار العام..
> رحم الله المحمدى حويدق رائدا من رواد صناعة السياحة اثر فى تاريخها.. وحول مجراها.. وفتح الباب لسياحة الملايين إلى مصر..