تلك هى المرة الثانية التى أزور فيها تلك العاصمة الاوربية الصغيرة بروكسل، المرة الأولى منذ أربع سنوات وكانت بدعوة من البرلمان الأوربى للحديث عن تنظيم داعش من الداخل بعد سلسلة الحلقات التى أعددتها وصورتها من داخل سجون ومعسكرات الدواعش فى شمال سوريا، أما هذه المرة فكانت الدعوة من حلف شمال الاطلنطى « الناتو « وكانت اجتماعات وزراء خارجية دول الحلف هى المقصد لمناقشة ملف أوكرانيا وكيفية مواجهة الدب الروسى باستخدام « مخالب النمر «، فى نفس المدينة يتواجد الاتحاد الأوروبى الذى يتخذها مقراً ومستقرا بجوار الناتو، إذن بروكسل تحتضن بين جنباتها أهم ثلاث منظمات فاعلة ومؤثرة فى السياسة الدولية، الناتو والاتحاد والبرلمان الاوربيين، لك ان تتخيل كم الضوضاء السياسية والعسكرية فى هذه المدينة، ولك أن تتصور حجم الملفات المتداولة وخطورتها، كذلك هذا العدد الهائل من الدبلوماسيين الذين يمثلون بلدانهم فى هذه المنظمات متعددة الأطراف علاوة على تمثيل بلدانهم لدى مملكة البلجيك المضيفة، من هنا فمن يزور هذه الدولة عليه ان يحدد بشكل دقيق اجندة عمله قبل ان يصل اليها وإلا سوف تصيبه لوثة معرفية تضيع بعضها بعضا، لكن – وهنا بيت القصيد – ليالى بروكسل أكثر ضجيجا من نهارها، فكما النهار يفتح ملفات السياسة والصراعات والتحالفات فان الليل يفتح ذراعيه للجميع، هواة الأكل، هواة الموسيقي، هواة المشي، هواة التسكع، هواة الشراء، فكل من يهوى شيئا سيجده فى شوارع وأزقة بروكسل.
أما بالنسبة لى فقد تجولت فى شوارع المدينة استكشفت أبعادها وزواياها فى الليلة الأولي، اكتشفت أن الأكل هو سيد الموقف، البطاطس فى كل مكان تقدم بأشكال ونكهات وطرق مبتكرة يسيل لها ومعها لعاب الجميع وكأن أصابع البطاطس تغمز للمارة وتنادى عليهم برائحتها الساحرة، اما الأجبان فقصتها قصة، الأجبان السويسرية والفرنسية والبلجيكية تمتزج فى معين واحد وتنساب بين شطرى ساندوتش يخرج لسانه للكوليسترول، وبعد ان تخضع لسحر البطاطس وإغراءات الجبنة، تسحبك أقدامك إلى حيث الحلويات خاصة « الوافيلز « باشكاله ونكهاته القاتلة لمحاولات الدايت.
لكن أهم ما يمكن ان تقع عينك عليه فى شوارع بروكسل فبالتأكيد ستكون «الشيكولاته البلجيكية» هى ذلك السحر المسحور، التى تعد صناعة وطنية غزت بلجيكا بها العالم رغم أنها لا تزرع أيا من شجيرات الكاكاو أو البن، بيد ان صناعة الشيكولاته تمثل عصب الاقتصاد فى دول مثل بلجيكا وسويسرا والسر هو الصناعة والأفكار الجديدة فى التسويق والاهم هو التغليف، إبهار وتشويق فى كل مراحل الإنتاج والتوزيع وللحديث بقية.