فى مايو 1981 ولد محمود مختار فى قرية طنبارة احدى قرى المحلة الكبرى وكان والده عمدة القرية واعتاد الصغير ان يقضى معظم وقته بجوار الترعة يشكل فى الطين مناظر كان يراها حوله فى القرية، ليصبح بعد عدة سنوات احد الفنانين الرواد القلائل فى فن النحت وصاحب تمثال نهضة مصر، محمود مختار ابن القرية الذى اقيم له متحف خاص يحمل اسمه ويضم أعماله التى وصفها ناقد فرنسى كبير «إنها ظاهرة روحية فذة»، والتى تمثل صوراً للحياة اليومية التى أجادها ابداعاً وعبر عنها بشكل فنى رائع، حيث اعتبره النقاد انه قام بإحياء التقاليد الفنية المصرية فى مختلف عصورها دون ان يغفل تجارب الفن الحديث واصبح رائد فن النحت المصرى الفرعوني، قدم مختار إلى القاهرة عام 2091 حيث عاش فى احيائها القديمة، وقد افتتح على مقربة منه مدرسة الفنون الجميلة والتى كانت مدخله إلى مستقبل غير متوقع بعد ان التحق بها فى أول دفعة، وفى السابعة عشرة بدأت موهبته تظهر بوضوح للأساتذة الاجانب مما حدا بهم إلى تخصيص مرسم خاص له ضمن مبنى المدرسة لإعداد منحوتاته من تماثيل وأشكال تستعيد مشاهد الريف وملامح رفاق الحي، موهبته الواضحة دفعت راعى المدرسة الأمير يوسف كمال إلى ان يبعثه إلى باريس كى يتم دراسته هناك، وكان قبل سفره قد تلقى أول الدروس فى الفن فى المدرسة الملحقة بقصر الأمير، وقد ساهم مختار فيما بعد فى إنشاء مدرسة الفنون الجميلة العليا كما شارك فى ايفاد البعثات الفنية للخارج، ولم يكن ذلك غريباً على أول فنان يعرض عملاً فنياً فى معرض عالمى بباريس كما اعتاد الاشتراك فى المعارض الخارجية بأعمال فنية حازت اعجاب الجميع واقام معرضاً خاصاً لأعماله فى باريس والذى كان سبباً فى التعريف بالمدرسة المصرية الحديثة فى الفن حيث اعلن مولدها أمام نقاد الفن العالميين، كما كانت أول فنان مصرى يكسب جائزة من صالون باريس متفوقاً على فنانيها، حيث نال الميدالية الذهبية لمعرض الفنانيين الفرنسيين الثانوى الذى يقام فى السراى الكبرى «جراند باليه» عن نموذجة المصغر لتمثال نهضة مصر، حيث نفذ هذا التمثال بعد ذلك منحوتاً فى حجر الجرانيت الوردى ليقام فى أكبر ميادين القاهرة، وعاش مختار حياة عريضة مملوءة بقصص النجاح والتفوق والصراع من اجل وضع فن النحت فى اعلى مكانة من المجتمع الذى كان يعانى صناعة التماثيل ويعتبرها امتداداً لصناعة الأصنام، وهو الفنان الوحيد الذى استقبلته الجماهير فى مظاهرات ترحيب بالإسكندرية عند عودته لمصر من أوروبا ليقيم تمثالاً يخلد ثورتها الوطنية بعد ان كانت تماثيل الميادين لا تصور سوى الملوك والقادة من الأفراد، وقد قام بنحت تمثال الزعيم المصرى سعد زغلول بالقاهرة والإسكندرية فى الفترة ما بين عامى 1930 – 1932 ومن أعماله النحتية العظيمة تمثال أم كلثوم ولوحتان من الرخام الأبيض منحوتتان على جانبى تمثال إيزيس يعتبران من معجزات النمنمة النحتية البارزة، وتمثال إيزيس يعلو القاعدة يصور الآلهة المصرية تجلس القرفصاء وترفع ذراعيها خلف رأسها مجللة بالحزن واللوعة على مأساة أوزوريس فى الأسطورة الفرعونية وقد انجز معظم تماثيل الفلاحات فى فترة من إبداعاته ومن اهمها الخماسين والفلاحة التى تمسك جرتها بيد واحدة وتنحنى كأنها تملؤها، وتمثال «الطاقية» و» كاتمة الاسرار» وعدد كبير من المجسمات الشعبية المصرية التى كانت شائعة فى مناطق الأزبكية وشارع محمد على والتى انعكست أيضاً على تمثال الكاريكاتورية، وتمثال ابن البلد المحفوظ بمتحفه بالجزيرة، وعلى الرغم من ان عمره الفنى كان قصيراً لوفاته مبكراً إلا انه نجح فى ان يخلف تراثاً كبيراً متميزاً من أعماله التى تضمنت تماثيل ميدانية وأعمالاً أخرى تعبر عن حياة الريف والقرية المصرية وقد تم استرجاع أعماله إلى مصر من باريس لتعرض بمعرض المثالين الفرنسيين المهاجرين بالجمعية الزراعية، وأقيمت بهذه المناسبة ندوات ومحاضرات عن قصة حياته وتناولت عبقريته الفنية بالنقد والتحليل، وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية حالت دون استرجاع وإعادة بقية تماثيله إلا ان جهود هدى شعراوى وطه حسين كان لهما أثر كبير لإعادة أعمال محمود مختار لمصر، وفى عام 1952 تم افتتاح متحف مختار فى ملحق خاص بمتحف الفن الحديث ليعرض 59 تمثالاً، حيث قام على تأسيس واعداد المتحف كل من الفنان راغب عياد زميل مختار وصديقه وكمال الملاخ الصحفى والأثرى البارز وقام المهندس رمسيس واصف بتصميم متحف مختار الحديث فى حديقة الحرية بوسط القاهرة ونقلت رفات مختار إلى المقبرة الجديدة بالمتحف .