عدد كبير من الاقتصاديين يعتبرون أن التوقيع على مشروع تطوير وتنمية مدينة رأس الحكمة هو بداية مرحلة جديدة لانطلاق الاقتصاد المصري، وأن هذا المشروع يمثل علامة فارقة فى تغير الفكر الاقتصادى والاستثمارى الذى سارت عليه الدولة لسنوات وعقود طويلة، خاصة فى مجالى التطوير العقارى والتنمية السياحية.
هذا المشروع يؤكد أن الفكر الاقتصادى للدولة قد تغير ليمنح القطاع الخاص مساحة أوسع وأشمل فى مشروعات التنمية، على أن يتم ذلك وفقا لتخطيط علمى مدروس، ولرؤية مستقبلية شاملة تمتد سنوات طويلة.
أيضا هو دليل على تغير الفكر الاستثمارى للدولة، من النطاق الضيق بطرح قطع أراض بمساحات محدودة للبيع أو الإعلان عن إقامة قرية سياحية أو فندق كبير فى منطقة سياحية فى شرم الشيخ أو الغردقة او الساحل الشمالي، إلى فكر أوسع وأكثر عمقا بطرح مشروعات عملاقة لتطوير وتنمية منطقة او مدينة بأكملها. يضاف الى ذلك تولى القطاع الخاص– سواء محليا أو أجنبيا أو مشتركا– عملية التطوير والبناء والتنمية بأكملها، وان تحصل الحكومة على حصة من أرباح المشروع كشريك بنسبة معينة أوبقيمة الأرض.
وإذا كان مشروع رأس الحكمة– كما قالت الحكومة– هو البداية لطرح مجموعة أخرى من المشروعات العملاقة، فهذا يعنى أن ما زرعته الدولة خلال السنوات الماضية، قد آن الأوان لقطف ثماره، والمقصود هنا هو تلك الإجراءات التى اتخذتها الدولة خلال السنوات الماضية من اجل تحسين مناخ الاستثمار وخلق بيئة جاذبة للمستثمرين ولرءوس الأموال الأجنبية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر وضع قانون جديد للاستثمار، وآخر للتراخيص، والعمل بالرخصة الذهبية، وقانون للجمارك، والتغير الهائل فى المنظومة الضريبية، وعمليات التحول الرقمى والميكنة لتسهيل إجراءات التعامل مع الجهات والهيئات الحكومية، وبناء نظام مصرفى قوي، وقبل ذلك كله إعداد بنية تحتية قوية نتجت عن مشروعات قومية عملاقة لإنشاء شبكة حديثة من الطرق والموانئ ومحطات الكهرباء والمياه والاتصالات، وغيرها من المشروعات التى تيسر على المستثمر إقامة مشروعه وبدء انتاجه فى اسرع وقت.
وكما كان مشروع رأس الحكمة هو بداية مرحلة جديدة من تغير الفكر الاستثماري، أرجو أن يكون الخير العائد من ورائه هو نهاية لكل من حاول خلق أزمة للاقتصاد المصري، ولكل من استغل التحديات التى تمر بها الدولة نتيجة للأزمات والظروف الدولية الراهنة، من أجل تكوين ثروات على حساب الشعب، سواء من انتعشت أحوالهم فى ظل انتعاش السوق الموازى للنقد الأجنبي، أو من استغلوا حاجة المواطن فحجبوا السلع الأساسية واحتكروا الأسواق ورفعوا الأسعار.
إن الانهيار الذى حدث فى أسعار الدولار عقب الإعلان عن مشروع رأس الحكمة كان أكبر دليل على ان هناك أصابع خفية حاولت خنق الاقتصاد المصري، والتلاعب فى سوق النقد الأجنبي، إما عن قصد لتركيع مصر واجبارها على اتخاذ مواقف معينة، أو عن جشع لتكوين ثروات ومليارات على حساب المواطن الغلبان. وفى الحالتين كانت الدولة حاضرة وبالمرصاد.
المواطن الآن فى انتظار أن تسفر حالة الانهيار أو التراجع التى حدثت فى السوق الموازى للدولار عن تراجع سريع فى أسعار السلع، وهو أمر يصعب تطبيقه عمليا على أرض الواقع، لأنه– كما يقول خبراء الاقتصاد – الأسعار تكون أكثر مرونة فى مرحلة الصعود منها فى حالة الهبوط، وأن المتوقع هو تراجع معدل التضخم، أى (معدل ارتفاع الأسعار)، يضاف الى ذلك أن ثقافة المنتج والمستورد والتاجر مازالت تعتمد على أنه من المباح له أن يرفع سعر السلعة مع ارتفاع سعر الدولار حتى لو أنتجها أواستوردها بالسعر الأقل، لكنه لايخفض سعرها إذا انخفض الدولار، ولن يحدث ذلك إلا إذا أجبره المشترى بخفض الطلب عليها أو الاحجام عن شرائها.