سلطت الاشتباكات التى وقعت فى أمستردام عقب مبارة كرة القدم بين فريقى أياكس أمستردام ومكابى تل أبيب، الضوء على حالة إسرائيل الاستثنائية فى كرة القدم حيث تلعب وأنديتها فى البطولات الأوروبية، رغم أن الكيان الغاصب يقع فى قارة آسيا، ومنطقة الشرق الأوسط.
فبعد قيام الدولة العبرية فى عام 1948تأسس الاتحاد الإسرائيلى لكرة القدم الذى انبثق عن اتحاد كرة القدم الفلسطيني، وانضمت إلى الاتحاد الآسيوي، لكن هددت الدول العربية بمقاطعة الألعاب الأولمبية عام 1948إذا رُفِع العلم الإسرائيلى فى الافتتاح، وكان من المفترض أن تستضيف إسرائيل نسخة 1972، من كأس آسيا لكنها اضطرت إلى الانسحاب.
وبسبب المقاطعة للكيان الصهيوني، ورفض عدة دول عربية وإسلامية التنافس ضد إسرائيل، منها التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1958، وفى عام 1974 تم طردها من مجموعة الاتحاد الآسيوى بقرار من الكويت الذى تبناه الاتحاد بالأغلبية.
وبعد نجاح الموقف العربى والإسلامي، بحث الغرب ـ كما يفعل ـ دائما عن مخارج للكيان الصهيوني، وبالالتفاف على الحظر تم قبوله عضوا منتسبا فى الاتحادات الأوروبية لكرة القدم عام 1992، ثم عضوا كاملا فى 1994، وبناء على ذلك لم يتمكن منتخب وفرق إسرائيل من المنافسة إلا فى المسابقات التى ينظمها الاتحاد الدولى لكرة القدم أو المنافسات القارية والألعاب الأخري.
وفى الأسبوع الأول من نوفمبر الماضي، شهدت مباراة أياكس أمستردام وفريق مكابى تل أبيب فى الدورى الأوروبى أعمال عنف بسبب اعتداء جماهير النادى العبرى على مشجعين عرب.
وفى نفس التوقيت، وقعت أزمة بين فرنسا وإسرائيل بعد اعتقال موظفين فى قنصلية باريس داخل كنيسة بالقدس، رغم أنهما يحملان صفة دبلوماسية، اقتحمت الشرطة الإسرائيلية الموقع التابع لفرنسا، ما أحدث خلافا دبلوماسيا ضمن سلسلة من الأحداث التى أدت إلى تدهور العلاقات بين البلدين، وتصاعد التوتر عقب دعوات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، وانتقد نتنياهو واتهمه بـ»زرع الهمجية».
وفى ظل هذا التوتر، وبعد أسبوع تقريبا، أى فى منتصف نوفمبر، جاءت مباراة كرة القدم بين منتخبى البلدين، وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، لكن حدثت اشتباكات داخل الملعب وخارجه، عندما قامت جماهير الكيان الصهيونى بالاعتداء على الجماهير الفرنسية.
هذه المقدمة الطويلة كانت ضروية، بسبب التحول المفاجيء الفرنسي، وتراجع باريس عن موقفها بشأن مذكرة اعتقال نتنياهو فى الوقت الذى تعهدت فيه مع دول أوروبية بتنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية، وعلى نفس طريقة «التخريجات» والمبررات، قالت وزارة الخارجية الفرنسية، إنها تعتقد أن رئيس وزراء الإسرائيلى «يمكنه التمتع بالحصانة» من إجراءات المحكمة، فى تراجع واضح عن موقفها الأول، وبررت ذلك أيضا بأن إسرائيل لم توقع على نظام روما المؤسس للمحكمة، رغم أن فرنسا لم تظهر الموقف نفسه مع مذكرة اعتقال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى لم توقع بلاده أيضاً على نظام روما.
لكن، «إذا عرف السبب بطل العجب»، فقد كشفت تقارير عبرية عن أن ادعاء فرنسا امتلاك نتنياهو «حصانة» من الاعتقال كان مشروطا بموافقة تل أبيب على دور ماكرون فى التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار فى لبنان.
كل ذلك يؤكد أن كل شيء فى السياسة مباح، وأن العلاقات الدولية غير ثابتة، بل متغيرة وبسرعة، ولا تخضع لقواعد أو قوانين، وحتى المواقف المعلنة يمكن الالتفاف عليها وتبريرها، بأسباب فى الغالب غير معقولة وغير مقبولة، لكن تفرضها المصالح المدعومة بالقوة والفائدة من نتائجها، دون النظر إلى الجانب الأخلاقى والإنسانى الذى لا اعتبار ولا وجود له.
ولو أردنا أن ننزل الموقف الفرنسى والضغط الأمريكى على باريس من أجل حماية النتن ياهو، على حرب الإبادة فى قطاع غزة، بلا شك نقول إن واشنطن تستطيع أن توقف المذابح المستمرة التى دخلت شهرها الخامس عشر، لكنها ـ للأسف ـ لا تريد، وتبارك إراقة المزيد من الدماء الفلسطينية وتمد تل أبيب بدعم غير محدود.