الرواية التاريخية تشتبك مع قضايا الراهن ومستقبل الهوية
يعد الباحث والأكاديمى د.سيد ضيف الله أحد الأسماء البارزة فى المشهد النقدى وأحد الباحثين المخلصين الذين يسعون إلى توريط النقد فى أزمات الواقع أملاً فى تغييره وهو أحد الأصوات التى تبحث دائماً عن تفسير مختلف وتأويل قريب من الحقيقة للظواهر الأدبية وقد نالت أبحاثه النقدية التقدير والجوائز المختلفة خلال السنوات الماضية وفى كتابه الصادر حديثا «الرواية التاريخية النسوية»، يبحث ضيف الله فى سمات الرواية التاريخية التى قدمتها كاتبات مصريات وعرب للساحة الأدبية، يقدم الكتاب طريقة لإعادة قراءة تاريخ الرواية التاريخية فى كل دولة عربية تبعا لمفهوم الهوية.
>> كتابك الجديد عن «الرواية التاريخية النسوية» لماذا اخترت هذا الموضوع، وهل رواج الرواية التاريخية مؤخراً وشعبيتها لدى القراء سبب فى ذلك؟
>لم يكن رواج الرواية التاريخية فى الآونة الأخيرة هو وحده سبب اختيار موضوع كتابي، وإنما السبب الأساسى هو أن هذا الرواج للرواية التاريخية يطرح أسئلة نقدية عديدة من بينها ماهية الرواية بشكل الرواية وماهية التاريخ بشكل عام، وما يحدث طوال الوقت من صراعات لتأويل الرواية ووضعها فى تعريف بينما هى طوال الوقت تتملص من التعريف كعادة الأدب طوال الوقت، وفى الوقت نفسه نرى تلك التأويلات المتصارعة لضبط وإحضار التاريخ على الصورة التى يريدة كل فريق عليه. وبالتالى رواج الرواية التاريخية مظهر من مظاهر احتدام الصراع بين التأويلات هنا والآن من أجل لعب الدور الأكبر فى تحديد مصيرنا، على اعتبار أن الثقافة ليست ما شكلنا به الماضى من معارف ولا ما نمارسه من عادات وإنما أيضًا تصوراتنا عن مصيرنا المشترك.
>> هل يمكن اعتبار الرواية التاريخية ظاهرة؟
>الرواية بشكل عام هى الظاهرة التى تحتاج دراسة اجتماعية من حيث مدى المساحة التى تشغلها فى سوق الكتاب العربى على مستوى الإنتاج والتلقي، ومن حيث دلالة ذلك عند المقارنة بخفوت الإنتاج الفكرى والفلسفى والعلمى وكأننا نعود لمقولة العرب القدامى ولكن مع نوع أدبى مختلف ولسان حالنا يقول إن الرواية صارت علم قوم ليس لهم أصح منه!
ما يمكن أن يمثل ظاهرة داخل مجال الرواية ليس الرواية التاريخية بحد ذاتها وإنما تحولاتها والاحتفاء بها بشكل متكرر فى الجوائز الأدبية. أما من حيث تحولاتها فنجد أنها صارت تشتبك مع قضايا الراهن وتحديدات الهوية وتوظف التاريخ من أجل تقديم رؤى متصارعة فى الواقع، لكن موضوع الصراع ليس التاريخ بقدر ما هو مستقبل الهوية التى تتشكل الآن على نحو لم يعرفه تاريخنا العربى من قبل.
>>كيف ترى سبب لجوء الكثر من الكتاب والكاتبات للرواية واهتمام لجان الجوائز المصرية والعربية بها؟
>الرواية بشكل عام هى شعر الدنيا الجديدة على تعبير الأستاذ نجيب محفوظ، وهيمنة الرواية على المشهد الإبداعى العربى ليس استثناء عن واقع الحال فى الثقافات الأخري، ولا يعنى هذا أن الأنواع الأدبية ما زالت ثابتة وفق التصور الكلاسيكي، فالتداخل أكثر اتساقًا مع الواقع من القول بالفصل بين الأنواع، والأهم إن النوع الأكثر توظيفًا لإمكانات الأنواع الأخرى وهو الرواية هو نفسه الأكثر هيمنة على المشهد الإبداعي، وهذا ربما يفسر لنا أمرًا ما وهو أنه كلما كان النوع أكثر قدرة على امتصاص رحيق الأنواع الأخرى كان أكثر حضورًا لأنه يلبى الاحتياجات الجمالية لأكبر قطاع من المتلقين. فضلاً عن قدرة الرواية مقارنة بغيرها من التملص من محاولات تعريفها وتثبيتها على شكل واحد وقدرتها بالتالى على مواكبة حركة الإنسان المعاصر سواء كانت حركة فعلية على أرض الواقع أو حركة ذهنية داخل عقله!
من الطبيعى أن تنعكس تلك السمات الجمالية والثقافية الخاصة بالرواية ودورها الحياتى فى شكل تزايد على مستوى الإنتاج وعلى مستوى الاحتفاء النقدى والجوائز ما دام هناك جمهور مقبل على الرواية وعلى الأفلام والمسلسلات التى تحتاج لروايات تقوم عليها. وهذا لا يعنى الاستسلام لهذا الواقع وإنما يعنى مواجهته بمزيد من الاهتمام بالقصة القصيرة والشعر والمسرح ليس من أجل القصة والشعر وإنما بالأساس من أجل الحفاظ على ثعدد منابع الجمال الذى سيضر قصرها على منبع واحد الرواية مثلما سيضر القصة والشعر والمسرح.
>>هل اقتصر الكتاب على تقديم نماذج لإبداع الكاتبات دون الكتّاب؟ وهل هذه طريقة ما لدفع الاتهامات عن النقد بانحيازه للتجارب الذكورية؟
>نعم اقتصرت فى كتابى على إبداع كاتبات دون الكتّاب رغم أننى تبنيت مفهومًا للنسوية يتجاوز معيار الذكورة والأنوثة على مستوى التأليف، ويستند لرؤية العالم ومنظومة القيم والجماليات التى يمثلها النص الإبداعى ذاته بغض النظر عما إذا كان صاحبه مؤلفًا او مؤلفة. ولا اعتبر أن اقتصارى على عدد من إبداع الروائيات العربيات نوع من الرد على الاتهامات المتواترة بالانحياز النقدى لتجارب المؤلفين الرجال، بل على العكس حاولت أن أشتبك مع النقد النسوى ولا أقف عند حدود ثنائية مع أو ضد، وأقدم تصورًا للتمييز داخل النص المنسوب للنساء بين ما يمكن أن يُسمى نسويًا استنادًا لتحليل علاقات متشابكة داخل النص، وبين نص آخر منسوب لنساء أيضًا هو أقرب للوعى الذكورى بالعالم!
>>ربما يبدو هذا الكتاب امتداداً لمشروع سابق لك هو «السرد والخصوصية الثقافية» فكلاهما يستند على الهوية هل ذلك صحيح؟
>يبدو هذا صحيحًا، لكن مع شق لطريق جديد يتعلق بالدور الذى يمكن أن يلعبه الوعى بالجندر فى بناء تصوراتنا عن الأمة. فكما هو معروف الأمة تتشكل فى وعينا متأثرة بموقع كل منا جندريًا فتصورات أغلب الرجال عن الأمة العربية مختلفة عن تصورات كثير من النساء. وتصوراتنا عن تاريخنا مجندرة أيضًا.
>>على أى أساس اخترت النصوص الأدبية التى استعنت بها فى كتابك؟
>حاولت أن يكون كل نص أقوم بتحليله هو خطوة منهجية قبل أن يكون موضوعًا للتطبيق لمقولة واحدة تتكرر عبر كل الفصول، لذا اخترت النصوص على أساس ما أتاحه لى كل نص من مداخل لتناول أسئلة البحث وفى القلب منها كيف تبدو الرواية التاريخية إذا ما كتبها نساء لهن تصور مجندر للتاريخ وللأمة؟!
>>بشكل عام كيف ترى دور الناقد الآن فى الساحة الأدبية فى ضوء كل هذه الإصدارات وسهولة النشر نوعاً ما؟
>مهنة النقد بالشكل التقليدى تكاد تنقرض فى الوقت الذى يزداد فيه الاحتياج للتفكير النقدى بشكل غير مسبوق.
>>هل أثر ذلك الكم وتعدد دور النشر سلبياً أم إيجابياً على العملية الإبداعية؟
>إن ما ينتجه العالم العربى من الكتب مخجل مقارنة بالشعوب الأخري، لكن الأكثر خجلاً أن يكون النسبة الأكبر مما ينشره لا يستحق النشر ليس لأنه يؤثر على العملية الإبداعية وإنما لأنه إهدار للموارد بالمنطق الاقتصادي. فقرار طبع كتاب يجب أن يكون عملية اقتصادية ناجحة أولاً ثم نتبين بعد ذلك آثاره على الوعى وعلى الجماليات المختلفة بعمل دراسات لاستجابات القراء وهو ما يحتاج لقاعدة بيانات الناشرين ومعدلات البيع وهو ما يمثل فى الوقت الحالى ضربًا من الخيال!